بقلم مهند أبو دية
نبذة عن الكاتب
مهند أبو دية، مؤلف ومُدرب ومستشار سعودي في مجال الابتكار التجاري وريادة الأعمال الاجتماعية، وهو الرئيس التنفيذي السابق لمركز إسطرلاب لتدريب المبتكرين.
“لمَ لا؟” كان ذلك ردي على النقاش الدائر بداخل ذهني ذات صباح عندما تلقى مركز التدريب التابع لي في المملكة العربية السعودية مكالمة من رقم دولي يطلب خدماتنا، حيث ذكر المتصل “سمعنا عن البرامج الفريدة التي تقدموها من وسائل الإعلام”، بصراحة، لم يكن نطاق عمل فريقي في تلك المرحلة يشمل سوى بعض المدن في المملكة، وبعد بضع سنوات صار مركزي ينفذ العديد من البرامج التدريبية ويشحن آلاف المواد إلى خمسة دول جديدة، فهذا التغيير البسيط في منهجية عمل مركزنا حوله من مجرد كونه مركزًا صغيرًا يكافح في السوق المحلية المزدحمة إلى مركز عالمي يوقع عقودًا مع اتحاد يضم حوالي 40 غرفة تجارية في دول الخليج العربي.
لطالما اعتاد أجدادنا ترديد المثل: “عصفور في اليد خيرٌ من عشرة على الشجرة”، ومع ذلك، فقد حطم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هذه القاعدة لتحقيق رؤيته للمملكة العربية السعودية الجديدة، فاليوم تبذل أكبر دولة مصدرة للنفط على وجه الأرض جهدًا إضافيًا لزيادة النسبة المئوية لصادراتها غير النفطية، وهذا التحول غير المألوف في الاقتصاد سيكون مستحيلاً دون إشراك جميع المعنيين، بمن فيهم رواد الأعمال المتحمسون مثلك ومثلي.
ولتحويل الأقوال إلى أفعال، كلفت الحكومة السعودية العديد من الهيئات بإعداد قائمة طويلة من المبادرات والخدمات الخاصة لرائدات ورواد الأعمال السعوديين الذين يفكرون في التوسع خارج السوق المحلي، تبدأ هذه القائمة بتقديم بيانات ودراسات دقيقة حول البلدان المستهدفة حسب الطلب، ولا تنتهي بترويج المنتجات السعودية في الأسواق الخارجية والمعارض الدولية، وبالإضافة إلى مساعدة رائدات ورواد الأعمال في الحصول على الموافقات المطلوبة من الهيئات السعودية لتصدير منتجاتهم بسرعة وبسهولة، يستطيعون الحصول على استشارات قيّمة فيما يتعلق بطرق استخراج الموافقات المطلوبة من البلدان المستهدفة، علاوة على ذلك، حفزت الحكومة السعودية مسرعات الأعمال الخاصة وغير الربحية على تقديم خدمات تدعم – بشكل مباشر أو غير مباشر- رائدات ورواد الأعمال السعوديين في التوسع الدولي، وهذه المسرعات تُقدم حاليًا مجموعة من الخدمات التي تُمَكّن المنشآت السعودية من التشارك مع المستثمرين الأجانب، وبيع الامتيازات التجارية في الخارج.
في الوقت الحاضر، يبحث بعض أصدقائي من رائدات ورواد الأعمال السعوديين في كوكب الأرض عن أية فرص محتملة للتوسع، ويمكن النظر إلى منار العميري كمثال، فقد لاحظت أن جزءاً من النصف مليار الناطقين باللغة العربية حول العالم يتوقون للحصول على كتب صوتية عربية، لذا أطلقت منصة إلكترونية خاصة بذلك تسمى منصة ضاد للنشر الصوتي، وحالياً يقوم عدد لا يُحصى من مجتمع أعضاء موقع ضاد العابر للقارات بزيارة المنصة لشراء أحدث الكتب المسموعة من خلال هواتفهم الذكية.
وفي هذه الأثناء، يقوم أحمد الزيني بالتشاور مع شريكه مصعب العثماني بتحديد المدينة التي ينبغي أن يؤسسا فيها فرعهما الأوروبي بعد نجاحهما في فتح فروع في آسيا وأفريقيا، فلقد أنشآ نظامًا إلكترونيًا من الصفر باسم فودكس، لإدارة المطاعم والمقاهي وشاحنات الطعام من خلال أجهزة الآيباد والتقنيات السحابية، ومع أن فريق فودكس الدولي المكون من 150 موظفًا قام بتطبيق هذه المنظومة الإدارية في حوالي 25 ألف نقطة بيع في 17 دولة، إلا أن أحمد ومصعب يهدفان للوصول إلى أرقام تفوق ذلك بكثير.
إذا ما اتجهنا شرقاً، فسنرى عبدالله أبو دبيل يحتفل مع مالك امتيازه التجاري بشرق آسيا بافتتاح أول الفروع في إندونيسيا، حيث قام أبودبيل منذ بضع سنوات بابتكار مفهوم جديد للآيس كريم، ومنحه اسم العلامة التجارية سوبرانو، وبعد رسم الابتسامات على آلاف الوجوه وافتتاح عشرات الفروع المربحة، شعر بالحاجة إلى رفع سقف التطلعات، لذا يبيع الآن الامتياز التجاري لسوبرانو في كل مكان حول العالم.
وإذا ما اتجهنا غرباً، فسنسمع عبدالله باهبري يتفاوض مع شركة عطور برازيلية تمتلك آلاف الفروع في أمريكا اللاتينية لتكون موزعًا لمنتجه الفريد، حيث اخترع باهبري منصة ذكية وجهاز شخصي لخلط العطور وإنتاجها إلكترونيًا، وسمى هذه المنظومة نوتا نوتا، وبعد تحديده للصفات المميزة لعملاء نوتا نوتا، وإنشائه مجتمعًا إقليميًا لصانعي العطور، بدأ بتصنيع أجهزته وتصديرها إلى الموزعين الرسميين حول العالم.
تفكر في التحليق بأعمالك إلى خارج حدود السعودية؟ إذًا أعرني انتباهك، واصغ إلى الأسرار الخمسة التالية التي يريد أصدقائي ذوي العقلية التوسعية أن يخبروك بها والتي ستضمن لك الهبوط الآمن هناك:
- خطط مبكراً: خذ بعض الوقت وخطط مبكراً للتوسع الدولي، فإذا كان هناك احتمال بسيط لأن تلبي منتجاتك وخدماتك احتياجات عملاء خارج السعودية، فيجب عليك أنت وفريق عملك وضع هذه النقطة بعين الاعتبار مبكراً، لن تكون صياغتك المسبقة للخطط الأولية للتصدير والامتياز التجاري والتوسع الدولي مضيعة لوقتك، بل على العكس تمامًا، سيساعدك ذلك على بناء هيكل تنظيمي مرن وتصميم العلامات التجارية والمنتجات والخدمات القابلة للتكيف، بالإضافة إلى الحصول على المستندات الرسمية وحقوق الملكية الفكرية المناسبة في مرحلة مبكرة، وعندما يحين الوقت المناسب، ستكون على أتم الجهوزية لغزو الأسواق الدولية!
- اختر وجهتك بحكمة: وجود قاعدة عريضة من العملاء وسلسلة توريد فعالة وتنظيمات ملائمة لأعمالك في السعودية لا يعني بالضرورة أنك ستجد نفس الشيء في البلدان التي تستهدفها، لذا ينبغي عليك أولاً إعداد قائمة شاملة بالبلدان التي تعتقد أن أسواقها مُهتمة بمنتجاتك وخدماتك، وقم بجمع المعلومات عنها من مصادر موثوقة، بعد ذلك رتب تلك القائمة حسب الأفضلية، بعض رائدات ورواد الأعمال السعوديون يفضلون البدء بالبلدان التي دعتهم للاستثمار فيها أو تلك التي يملكون فيها قاعدة عملاء، ومن ناحية أخرى يفضل البعض الآخر بدء رحلة توسعهم عالميًا بغنيمة سهلة من خلال التوجه إلى دولة مجاورة تتمتع بمقدار ربحية كافٍ، ويضعون الأسواق البعيدة الأكثر ربحية ضمن خططهم اللاحقة، وإذا شعرت بعدم قدرتك على الفهم الكامل للبلدان المستهدفة دون زيارتها والتعرف على الشركاء والموردين والعملاء والمنافسين المحتملين وجهاً لوجه، فلا تتردد في القيام بذلك.
- ألقِ نظرة فاحصة في المرآة: ضع أحلام اليقظة جانبًا، وأجب على هذه الأسئلة بصراحة قبل اقتحام الأسواق الدولية:
> ما هو الوضع الحالي لمنتجاتك وخدماتك؟ هل هي كاملة وتنافسية ومتوافقة مع معايير البلد الذي تستهدفه؟
> هل أنت متأكد من أن مؤسستك لديها أنظمة إدارية ومالية واضحة ومستقلة ومرنة بدرجة كافية لضمان إجراء عمليات فعالة وسلسة عابرة للحدود؟
> هل لديك ما يكفي من النقود الإضافية للتغلب على أي عقبات غير مخطط لها أثناء التوسع في الخارج؟ هل تكفيك هذه النقود للبقاء هناك بضع سنوات دون أرباح؟
الإجابة بـ “لا” على أي من هذه الأسئلة يعني أنه ينبغي عليك التفكير مرة أخرى قبل المضي قدمًا في خطتك، فلا يمكنك خوض معركة مع المنافسين الأجانب على أرضهم ومنتجاتك لا تزال قيد التطوير، ولو كانت أعمالك تتعطل كلما خرجت لعطلة فمن الأفضل تأجيل هذا التوسع إلى حين نضوج منشأتك في العام المقبل، أما رائدات ورواد الأعمال الذين لا يستطيعون تأمين قدر كاف من رأس المال لهذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، فينصحونهم أصدقائي باستثمار ما لديهم حاليًا في أسواقهم المحلية، فخدمة بلد واحد بشكل فعال أفضل من خدمة عدة بلدان بشكل ضعيف.
- راقب خطواتك: على الرغم من إنجازك للأبحاث المطلوبة عن الدولة التي ستتوجه إليها، عليك الدخول فيها بمنتجاتك وخدماتك مستخدمًا السبل الأقل مخاطرة، فعلى سبيل المثال، ابدأ بخدمة العملاء في تلك الدولة عبر الإنترنت وشحن المنتجات إلى منازلهم عبر البريد السريع، وبعد ذلك قم ببيع منتجاتك إلى الموزعين المهتمين وبيع خدماتك للمشترين الواعدين لامتيازك التجاري، ومن ثم افتح فرعًا أو تشارك مع شركاء جديرين بالثقة هناك، هذا الغزو التدريجي للأسواق سيحميك من الصدمات غير المتوقعة أو الهجمات المضادة من المنافسين المحليين، وتذكر أن تتجنب اختصار الطرق فيما يتعلق بالقوانين واللوائح، فإنفاق بعض المال لتوكيل محامٍ محلي أفضل من إنفاق الكثير لاحقاَ لإنقاذ عملك من المشاكل القانونية الخطيرة.
- استفد من المساعدات المتوفرة: أعلم بأنك قد تكون انجزت معظم المهام في مشروعك الريادي بنفسك حتى الآن، لكن عند اتخاذ خطوة كبيرة مثل التوسع العالمي، ينبغي أن تتعلم كيفية الحصول على المشورة والمساعدة القيمة، إنه لأمر محزن للغاية أن نرى بعض رائدات ورواد الأعمال السعوديين يعانون بينما تقدم الكيانات الوطنية العديد من الخدمات المذهلة والمذكورة آنفاً، لذا انجز خططك بذكاء عبر الاستفادة من كل دعم متوفر في وطنك، وكُن أكثر ذكاءً من خلال الاستفادة أيضًا من الحوافز التي تقدمها الحكومات الأجنبية لجذب المشاريع الدولية مثل مشروعك.
ختامًا، لا شك في أن عصفوراً في اليد خيرٌ من عشرة على الشجرة، لكن لو كان لديك ما يثبت أنك قادر على الحفاظ على العصفور الموجود في يدك وعلى مطاردة عصفور أو أكثر من تلك الموجودة على الشجرة، فلمَ لا؟