دبي – خاص
بقلم باتريس كاين، رئيس التنفيذي لمجموعة ’تاليس‘
يجب على الشركات الكبرى أن تحافظ على وتيرة متواصلة من الابتكار إذا أرادت أن تبقى سبّاقةً في عالم اليوم، ولكن كيف يمكن لهكذا شركات أن تضمن انفتاحها على الأفكار وأساليب العمل الجديدة؟
الابتكار بالنسبة لشركة كبيرة يعني أمراً واحداً: التواضع.
فهكذا شركة تمتلك الإمكانات للاستثمار بشكل كبير في الأبحاث والتطوير وتوظيف أفضل المهندسين في مجال عملها. ونحن في ’تاليس‘ لدينا 25 ألف موظف يعملون في مجال الأبحاث والتطوير من أصل 65 ألف موظف، وهذه نسبة كبيرة، وذلك لأننا ندرك أهمية البقاء في طليعة الابتكار والتطور التكنولوجي.
لكن هذا وحده لا يكفي لسبب واحد إحصائي بسيط: يوجد دائماً خارج شركتك أشخاص مبدعون أكثر مما يوجد فيها. بالإضافة لأن فكرة كون الشركات الناشئة لن تتمكن من دخول قطاعات الفضاء أو الدفاع أو الأمن أو النقل أو النقل الجوي نظراً لارتفاع كلفة دخولها هي فكرة خاطئة، فنحن نرى كل يوم شركات صغيرة تأتي بابتكارات فريدة متطورة كما شاهدنا حديثاً في مجال التصوير من الأقمار الصناعية.
من هنا، فإن استمرار الشركات الكبيرة بتحدي نفسها ووضع طرائق عملها تحت الامتحان دوماً مع المخاطرة بالتعرف على أفكار مبتكرة أينما وُجِدت وفي وقت مبكر قد أصبح مسألة بقاءٍ أساسية. هذا يعني السعي وراء الشركات الناشئة التي تبتكر التكنولوجيا الجديدة وطرائق العمل المبتكرة وتأتي بمزيد من الحماس إلى السوق، وذلك للتعاون معها واستلهام إبداعها. يوفر الشرق الأوسط، باعتباره أحد أكثر مناطق العالم ابتكاراً في العالم، فرصة فريدة لجميع المعنيين للالتقاء والإبداع.
توجد طريقتان تستطيع الشركات الكبيرة بهما أن تستفيد من اندفاع الشركات الناشئة للابتكار والتغيير.
التعلم من أساليب عمل الشركات الناشئة
النقطة الأولى هي استقاء الإلهام والتعلم من مرونة هذه الشركات الناشئة وقدرتها على التكيف وثقافة التجربة والوقوع في الخطأ وتصويبه. تستطيع الشركات الناشئة، بفضل هيكلياتها المرنة وقدرتها على اتخاذ القرارات بسرعة، أن تكون أكثر تجاوباً مع الفرص التي تصادفها بالمقارنة مع استجابة الشركات الأكبر التي لديها متطلبات وإجراءات مرهقة قبل اتخاذ الموافقات.
بدل أن تعيد الشركات الكبيرة هيكلة طريقة عملها، والتي هي عملية تستغرق وقتاً بحد ذاتها، يمكنها أن تحتضن شركات ناشئة فيها، ويفضل أن تفسح لها درجة من الحرية على صعيد هيكلية التسلسل الإداري المركزي.
يمكن لهكذا مشاريع أن تعمل إما على صعيد مشاريع المستهلكين أو على التحول الرقمي للشركة نفسها من خلال برامج محددة أو دورات تدريب للموظفين على سبيل المثال. وهذا بالضبط هو الروح التي تعمل بها منصة “المصنع الرقمي” التي أطلقتها ’تاليس‘ من مقرها في مبنى ’وي وورك‘ المكتبي في باريس.
التعلم من مرونة الشركات الناشئة يعني كذلك البحث والمتابعة في ثقافة منتجاتها التجريبية أو منتجاتها بصورتها الأساسية (MVP)، فبدل إضاعة الوقت في تطوير منتج مثالي، تكمن الفكرة في تقديم مسودة سريعة لمنتج أولي يمكن لاحقاً تطويره استناداً إلى ملاحظات العملاء و/أو المستخدم النهائي.
أحد الأمثلة على ذلك، ورغم أن ’جوجل‘ لا يمكن تصنيفها كشركة ناشئة، هو تطبيق الخرائط من ’جوجل‘ (Google Maps) حيث كانت نسخته الأولى مجرد خريطة تطورت لاحقاً لتتضمن معلومات كالحركة المرورية والمتاجر والمطاعم وآراء المستهلكين وغير ذلك. هذا التطور ملفت للاهتمام لأنه جاء في إطار تغير ثقافي عالمي مع شهية متزايدة للاختبار والتجريب والحصول على وجهات نظر خارجية وجمع معلومات تراكمية.
العمل مع الشركات الناشئة
الإلهام هو أحد الطرق التي يمكن للشركات الكبيرة أن تتعلم عبرها من الشركات الناشئة، أما الطريقة الأخرى دون شك فهي عقد الشراكات: ملاحظة أكثر الشركات الناشئة الواعدة في مجال عملك ثم إيجاد طرق جديدة ومثيرة للاهتمام للعمل معها.
يعتبر تمييز الشركات الناشئة الواعدة تحدياً لا يستهان به مع ظهور أكثر من 300 ألف شركة ناشئة جديدة حول العالم كل عام. كيف يمكنك العثور على الشركات الناشئة التي لديها ما تضيفه للقطاع الذي تعمل فيه؟ توجد في الشرق الأوسط العديد من المبادرات الحكومية، والمسرّعات والحاضنات التي ترعى نمو الشركات الناشئة، ويبقى على عاتق كل شركة أن تبحث عن الدرر الخفية أينما كانت سواء في الشرق الأوسط أو في باقي العالم، ثم أن تسعى للدخول في شراكة إبداعية معها.
هذه كانت الفكرة وراء مسرّع الأعمال ’ستار بورست‘ Starburst الذي يركز على قطاع تكنولوجيا الفضاء والدفاع، بالإضافة لذلك، فنحن نقود برنامج الأمن الإلكتروني في حاضنة الأعمال ’ستيشن إف‘ Station F حيث ندرب 11 شركة ناشئة مختارة بعناية.
يُظهر نجاح هذه الأنماط الجديدة من الشراكات مقدار فائدتها لجميع الأطراف، فالفائدة جليّة للشركات الكبيرة التي تتمكن من الحفاظ على حيويتها في أحدث ابتكارات السوق، كما أن الشركات الناشئة تستفيد عبر التمكن من اختبار تقنياتها والحصول على التوجيه من اختصاصيين للحصول على مصداقية أكبر في مجال عملها. وبذلك نضمن أن كل شركة ناشئة في ’ستيشن إف‘ من الشركات العاملة في مجال الأمن الإلكتروني تملك فريقاً من الخبراء مستعداً لمساعدتها في تطوير تقنياتها.
تؤكد الإنجازات التي حققها هذا البرنامج حتى اليوم، إلى جانب الطلبات التي نتلقاها من مختلف أنحاء العالم، مدى جاذبية أعمالنا بالنسبة لرواد الأعمال في القطاعات الرقمية.
وكنا قد أسسنا في وقت سابق من هذا العام مركز الأمن السيبراني لخدمة الإمارات العربية المتحدة وكامل الشرق الأوسط، وسيثمر هذا المركز عن شراكات مع شركات ناشئة وأكاديميين رواد في مجالاتهم لتبادل أفضل الممارسات للعملاء والشركات في المنطقة.
مع حضور طويل الأمد في المنطقة يعود لأكثر من 50 عام، فنحن ملتزمون بإيجاد تعاون مثمر على أفضل المستويات بين الشركات من مختلف الأحجام، مع دعم الرؤى الإقليمية للشرق الأوسط وتحفيز الا