أشار ثلث الرؤساء التنفيذيين للمعلومات في قطاع الخدمات المالية إلى أن الأعمال الرقمية هي أبرز أولوية لعام 2019، أي بزيادة لأكثر من 8% في العام الماضي، بحسب مؤسسة «جارتنر».
وقال يورجن ويس، نائب رئيس الخبرة في مؤسسة «جارتنر»: “قد تعني الأعمال الرقمية عادة أشياء مختلفة لدى الرؤساء التنفيذيين للمعلومات في الخدمات المالية. لكننا نستطيع التمييز بين استراتيجيتين رقميتين مختلفتين بالكامل في قطاع الخدمات المالية: التحسين الرقمي والتحول الرقمي في الأعمال”.
التحسين الرقمي يمكن المؤسسات المالية وقادة التقنية من تحسين وتطوير نماذجها القائمة في الأعمال والمنتجات والإجراءات وتجربة العملاء تدريجيًا، مما يعني أن القيمة المتصورة لكل منها سوف لن تتغير، أما التحول الرقمي في الأعمال فيقدم قدرات عملية وتكنولوجية جديدة تقدم أساس استراتيجي لإقامة نماذج أعمال رقمية جديدة متينة وتنافسية.
وبهدف تقييم حالة تغير المشهد الرقمي في قطاع الخدمات المالية، درس محللو «جارتنر» كيف تبادر مؤسسات الخدمات المالية إلى خلق القيمة (نهجها في نماذج الأعمال واستراتيجيات تقنية المعلومات) والطريقة المتبعة في أعمالها (تبنيها لأهم التقنيات الصاعدة والتوجهات التنظيمية لدفع التحول الرقمي)
ولقد ساعدت نتائج الدراسة التي أجرتها جارتنر على تصنيف مؤسسات الخدمات المالية ضمن خمس مجموعات مختلفة لعمل تحليل أكثر دقة للاستراتيجيات الرقمية المختلفة التي نراها اليوم في القطاع المالي. واللافت للنظر أن قرابة نصف مؤسسات الخدمات المالية العالمية لا تزال في مرحلة مبكرة للغاية أو حتى غير ناضجة في رحلة التحول الرقمي، حيث إنها تقع إما في مجموعة الأعمال التجارية التقليدية أو مجموعة الأعمال في مراحلها الرقمية المبكرة”.
وتعتمد نسبة 26٪ من مؤسسات الخدمات المالية التي تنتمي إلى هذه المجموعة عادة على الأعمال التقليدية والنمو ضمن أسواقها الحالية، ذلك من دون تطوير إجراءاتها أو تحولها باستخدام تقنيات جديدة أو توسعة نموذج عملها. فعلى سبيل المثال، أعلنت مؤسسة أوهايو ناشيونال للخدمات المالية أنها ستتوقف عن بيع عقود تأمين المعاشات ومن ثم ركزت على خطوط أخرى لمنتجات التأمين على الحياة. وذهبت مؤسسة كانساس سيتي لايف إلى شراء شركات منافسة أخرى حتى تتمكن من تنمية حضورها في الأسواق المحلية وتعزيز منتجاتها. أما شركات التأمين التقليدية الأخرى فقد تفتقر إلى دراسة جدوى أو ثقافة تجارية لإحداث تغييرات كبيرة.
من جهة أخرى، ترى شركات التأمين والمؤسسات البنكية الواقعة في هذه المجموعة بأن للموهبة أهمية كبرى لإجراء التحسين الرقمي. لذلك يأتي في مقدمة استراتيجيتها الرقمية توظيف أو تدريب موظفين على استخدام التقنيات الرقمية. فعلى سبيل المثال، أوجد بنك “بي إم أو” في مونتريـال، أحد الفائزين بجوائز جارتنر للابتكار، طريقة جديدة تمامًا لدفع الفواتير عن طريق تطبيق قدرات التعلم الآلي لأجل التعرف على محرر الفاتورة والمستفيد ورقم الحساب والمبلغ وتواريخ الاستحقاق ضمن مجموعة من الشركات ونماذج كشوفات الحسابات.
وتخاطر المؤسسات المالية التي تقع في هذه المجموعة بشكل محسوب عند تبنيها تقنيات جديدة أو تحسينها لإجراءات الأعمال. مع هذا فإنها لن تحقق عادة الريادة في الابتكار أو تتراجع عن تصوراتها القائمة عن القيمة في أعمالها. وتسعى مؤسسات هذه المجموعة نحو تحقيق الخفة والسرعة في السوق لتقليص زمن استجابتها للتحولات في السوق أو عند المنافسين. فعلى سبيل المثال، طوّر مصرف تايشين انترناشيونال في تايوان، أحد الفائزين بجوائز جارتنر للابتكار للعام 2018، تطبيق “ريتشارت” الذي يقدم تجربة رقمية كاملة مع خدمات مالية ومنتجات تنافسية مبتكرة ومتكاملة يمكن الوصول إليها بسهولة عن طريق الهاتف الذكي والكمبيوتر المحمول.
ويتميز المبتكرون الرقميون بقدراتهم التقنية الأكبر والنضج في أسلوب تبني مناهج واستراتيجيات جديدة لأجل التطور، فنراهم الأوائل في تبني التقنيات الحديثة مثل بلوك تشين والذكاء الاصطناعي. وتسعى هذه المؤسسات غالبًا إلى تقنيات تمكنها من الارتقاء بتجربة العملاء باستخدام روبوتات الدردشة وغيرها من الأدوات لتطوير التفاعل عند تقديم خدمة العملاء. فمثلاً، تمكن بنك بانكولومبيا، وهو من الفائزين بجوائز جارتنر للعام 2017، من أتمتة 40 عملية خلال السنة الأولى لمشروع ضخم للمعالجة الآلية المؤتمتة، والذي ترجم في خفض تكاليف التشغيل بقيمة 1.4 مليون دولار وزيادة في دخل البنك بلغت 7.5 مليون دولار.
وتتمتع نسبة 12% فقط من مؤسسات الخدمات المالية بالنضج في تحولاتها الرقمية لتنضم بذلك إلى مجموعة المتحولين الرقميين. ويكمن أبرز محرك لدى هذه المؤسسات في سعيها إلى إدخال تغيير ثوري على القطاع المالي لأجل الاستفادة من نواحي جديدة في النمو أو فتح أسواق جديدة أو إيجاد روافد جديدة من العوائد (مثل تحويل البيانات إلى عوائد مادية). وتزيد الشركات في هذه المجموعة من مضاعفتها لمعدل استخدام التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي أو بلوك تشين أو التحليلات المعززة.