ثمّة فارق بين روّاد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة.
المؤسس المشارك، والمدير التنفيذي، ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة هايبرجاينت
الآراء الصادرة عن المساهمين في مجلة “روّاد الأعمال (Entrepreneur)” تعبر عن وجهات نظر أصاحبها.
لقد تجاوزنا الحدّ قليلاً بشأن لقب “رائد الأعمال”، ويجب أن نقلع عن ذلك. يُنظر إلى العديد من رجال الأعمال اليوم على أنهم من فئة روّاد الأعمال، لدرجة أنه أضحى من السهل الآن تمييزهم إذا ما رفع غيرهم أيديهم لأعلى.
يحدث كثيرًا جدًا أن أرى الناس وهم يخلطون بين روّاد الأعمال وأصحاب الشركات الصغيرة؛ فالكثير من الأشخاص مؤهلون لإدارة شركة ناجحة، في حين أنهم غير جاهزين للإمساك بزمام أي شركة لا تزال في مهدها، وذلك من خلال جذب الأسواق، والتمويل، والنمو، والاكتتابات، وإلا فالخروج منها والابتعاد عنها.
أستطيع القول إنني رائد أعمال بصفتي مؤسس لعدد من الشركات الناشئة، التي نجحت في إبرام العديد من عمليات الاستحواذ. كما تم توثيق ميزاتنا، وتحليلها، بل وإدراجها باستمرار، إلا أن الكثيرين تغيب عنهم تلك النقطة. ومن ثمّ، نحتاج إلى فهم الفوارق بين الفئتين.
ستشكّل هذه التعريفات الأساسية، بالإضافة إلى فهم أدوار الفئتين، منظومة الاقتصاد المستقبلية بقوة أكبر مما قد نتخيله.
موضوعات ذات صلة: 10 حقائق ستغيّر نظرتك إلى الفرص وريادة الأعمال
روّاد الأعمال الذين أعرفهم …
تتمثّل الثمرة التي يجنيها رائد الأعمال في الحاجة الملحّة إلى المزيد دائمًا؛ حيث لا يمكننا التوقف عن ذلك فعلاً، ولا نبالغ عندما نقرّ بذلك.
رغم هذا الافتراض القوي، يقف روّاد الأعمال بعيدًا عن إنكار الخوف؛ ففي واقع الأمر، قلما يتحفز روّاد الأعمال بسبب أخلاقيات معينة أو مكافأة اقتصادية محددة، بلّ كثيرًا ما يدفعهم الخوف القوي من الفشل ومن ضياع الفرص أيضًا. ولا يرقى الخوف الحقيقي إلى المستوى الذي يتراءى فيه لرائد الأعمال أنه يمثل أكبر فرصة ممكنة أمامه؛ فالخوف من الفشل القابع في إدراكه يعدّ أسوأ من الفشل في حد ذاته. ولا يأبه روّاد الأعمال في وادي السليكون مثلاً بالفشل، لأنهم متخمون بالثقة، بل إنهم في واقع الأمر قد يأبهون به لأنه يصعب عليهم النظر إلى أنفسهم في المرآة ونظرة الفشل تعلو قسمات وجوههم. إن عبارات مثل “الفشل البنّاء” أو “لا يمكنك الدفع بقوة كافية إذا لم تذق طعم الفشل” تُسعد بعض روّاد الأعمال لدرجة تجعلهم معها يعيدون الكرّة بشأن دورة حياة مشروعاتهم مرة بعد أخرى.
ومع ذلك، لا تتوقف تمويلات رأس المال الاستثماري عن التدفق، ويواصل عدد كبير من “روّاد الأعمال” رحلتهم على طريق النمو. ولا يوجد أي نقص في الحاضنات والمسرّعات والبنية التحتية المجانية اللازمة لدعم جهودنا وتعزيز مساعينا (بل ازدادت هذه العوامل بنسبة 50% كل عام في المتوسط بين عامي 2008 و2014).
يقول X (أو Google X سابقًا) إنه “بدلاً من ربح 10% فقط، تهدف الانطلاقة إلى التحسن بمقدار 10 أضعاف هذه النسبة، مقارنةً بما هو موجود حاليًا. ويشكّل الجمع بين إحدى المشكلات الكبيرة، وإيجاد حلّ جذري لهذه المشكلة، والتقنية المتطورة اللازمة لتنفيذ هذا الحل على أرض الواقع، جوهر هذه الانطلاقة”. وما ينقصنا هنا هو معرفة حقيقة أن التعطش الشديد الذي يشعر به رائد الأعمال يستغرق منه مضاعفة طموحه بمقدار 10 مرات دون وضع مسار محدد مسبقًا، إضافةً إلى مبلغ مناسب مأخوذ من رصيد شخص آخر، والقدرة على إقناع الآخرين بالانضمام إليه في رحلته اللاعقلانية.
هؤلاء هم روّاد الأعمال الذين أعرفهم. وإن لم ينقصنا شيء آخر، فإن هذا الوصف يعدّ أكثر دقة عما كنا نسمع به على مدى العقد الماضي. ولا يجرؤ روّاد الأعمال على الاختلاف؛ فهم مختلفون بالفعل.
قد تكون صاحب شركة صغيرة في هذه الحالات …
خلافًا لما سبق، يميل أصحاب الشركات الصغيرة إلى إقامة شركاتهم شيئًا فشيئا. كما أنهم غالبًا ما يفضلون حلّ مشكلاتهم الخاصة الأصغر نطاقًا التي تصادفهم في أعمالهم، ولا يبحثون عن إحداث فارق جذري. وتشكّل هذه الفئة القاعدة العريضة للعمالة في أمريكا لهذا السبب. ورغم انتشارهم على نطاق واسع، إلا أنهم لا يمثلون عقبةً أمام الوضع الراهن، أو يشكّلون مجالات جديدة تمامًا، أو يتمتعون بالقدرة على تسريع عجلة اندفاع السوق.
يسعى أصحاب الشركات الصغيرة وراء مستويات أقل من المخاطر، وإذا ما حدثت انطلاقة في أعمالهم، فسيكون ذلك بمحض الصدفة. وكل ذلك يعود بنا إلى فترة زمنية كان لروّاد الأعمال فيها مفهوم مغاير تمامًا. كذلك، يكمن الهدف من وراء إنشاء الشركات والمشروعات الصغيرة في توفير مصدر رزق لأصحابها وموظفيهم؛ فلا يوجد شيء خاص أو متتابع بشأنهم. وهؤلاء يشكلون نوعية الأشخاص الذين يجب أن تسألهم حولهم قدرتهم على الموازنة بين حياتهم وعملهم إذا ما تسنّت لك مقابلتهم.
موضوعات ذات صلة: 4 روّاد الأعمال نجحوا في إنعاش صناعات قديمة وجني الملايين من وراء ذلك
علاوة على ذلك، غالبًا ما تجنح منتجاتهم وخدماتهم نحو إيثار العيش في عالم العروض المعروفة والمضمونة؛ حيث يختارون العيش والعمل في ظلّ مجتمعهم المحلي أولاً وقبل كل شيء. أتدري من هناك في متجر السيارات المحلي الواقع في آخر الشارع منذ 50 عامًا؟ أتعرف من الشخص الذي افتتح متجره مؤخرًا وسيكون موجودًا أيضًا بعد 50 عامًا آخر؟ إنهم أصحاب الشركات والمشروعات الصغيرة، العلامات البارزة في مجتمعهم المحلي، إنهم من يعرّفون الفوز حسب مدى ثقتهم في فتح أبواب أعمالهم غدًا؛ فتعريفهم غير السليم للفوز يرتبط حقًا بالبقاء والازدهار النسبي، ولكنه ليس فوزًا حقيقيًا.
لا توجد رؤوس أموال استثمارية تدعمهم، أو تدعم نماذج نموهم التي لا تجاوز نسبة 15%؛ فمشوارهم نحو تحقيق الأرباح ذو إيقاع ثابت، مؤلف من الخطوات التكتيكية التي تأخذهم في اتجاه محدد منخفض المخاطر، بل ومنخفض العائدات أيضًا. ورغم أن هذا الاتجاه قد يتبدّل، إلا أنه لا يتماشى مع السوق أو يواكب ضغوط المستثمرين. كذلك، هناك أيضًا نوع من التمحور البسيط أو تصحيح المسار الصغير، ينعكس من عدم تطلع أصحاب الشركات الصغيرة إلى اكتشاف عوالم جديدة، بل إنهم سعداء بالسير على هذا الطريق الثابت.
الأمر المثير للدهشة هو أنه دائمًا لا يكون التوسّع اتجاه أفضل بالنسبة إليهم؛ فهم متمسكون بجانب واحد من جوانب عملهم يحمل في أحشائه قيمة دائمة مع عملائهم على مرّ السنين. ولقد ساعد نطاق التفكير والتداول الصغير والمحلي تلك الشركات الصغيرة على مواجهة هجمة المنافسة الشرسة الصادرة عن المتاجر والامتيازات الكبرى طوال عقود من الزمان. وفي واقع الأمر، بحسب إدارة مؤسسات الأعمال الصغيرة في الولايات المتحدة، يعمل بالشركات الصغيرة حاليًا 48% من الموظفين الأمريكيين. كما أنها تشكّل 99.7% من إجمالي الشركات الأمريكية.
إذا كان روّاد الأعمال يمثلون الانطلاقة اللازمة لاقتصادنا، فإن أصحاب الشركات الصغيرة هم الجاذبية التي تحافظ على وجود نظامنا.
الفصل هو السبيل الوحيد
في حين قد يجري في دماء روّاد الأعمال وأصحاب الشركات الصغيرة بعض جينات ريادة الأعمال على حدٍ سواء، لا يمكننا تجاهل الفروقات بين الفئتين، لأنها تحدد في نهاية المطاف دور كل منهما في اقتصادنا. كذلك، ينبغي ألا نجزع من أن الجميع ليس روّاد أعمال، بل يجب أن نسعد بذلك؛ فالعالم والاقتصاد بحاجة إلى وجود نوع من التوازن.
يتميز روّاد الأعمال في جوهرهم بالندرة، والرغبة في التحوّل، والجنوح إلى المخاطر. إنهم بمثابة القوة التي تدفع المجتمع إلى الأمام من خلال أفكارهم الإبداعية الهائلة. وفي الوقت نفسه، يمنحنا أصحاب الأعمال الصغيرة قاعدة مستقرة تخفف من وطأة المخاطر، وتحمينا من عواقب الفشل.
إنني لا أطالب من أحدكم إصدار حكم تقديري على الآخر، ولكن عليكم التفكير في الأمر التالي: إننا نواصل حثّ الناس على التحوّل إلى روّاد أعمال طيلة عقود، وقد وصل معدل الفشل الخاص بالشركات الناشئة إلى 90%.
يجب ألا نرغب في أن يتحوّل الجميع إلى روّاد أعمال. ولا نعني بذلك هنا أيضًا فصل المهنيين عن الهواة؛ بل إن الأمر يتعلق بالسُبل المسؤولة والمؤدية إلى النمو الاقتصادي والتحوّل المجتمعي.
موضوعات ذات صلة: 10 كتب يجب على كل قائد أن يقرأها للظفر بالنجاح
علينا أن نترك المجال لوكلاء التغيير لإحداث ذلك التغيير؛ حيث بات روّاد الأعمال الحقيقيون في موقع مناسب تمامًا لرسم ملامح المستقبل. كذلك، نحتاج إلى أصحاب الشركات الصغيرة لترسيخ حاضرنا بقوة، والكثيرون منهم قد آثروا العزوف عن هذه المهمة الجليلة بسبب إدراكهم غير الحقيقي والمضلَّل على نحوٍ فادح لما يعنيه مفهوم رائد الأعمال.
إننا بحاجة إلى تحقيق التوازن الصحيح بين الفئتين، الأمر الذي يجب أن يُستهل بالمفردات والمفاهيم. وهل لنا أن نتخيل ماذا سيحدث لو وصل معدل فشل جميع الشركات إلى 90%؟ ماذا لو لم تكن هناك شركات قد حققت إنجازات عملاقة؟ وعندما لا يصّح التوازن بين روّاد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة، يمكننا عندئذٍ إحداث اضرار بالغة.
وأفضل طريقة للحيلولة دون وقوع ذلك هي التوقف عن انتحال صفة ليست لك.