خاص – دانييل هارت، المدير التنفيذي لماستركي
ينظر الكثير من الناس، وخاصة غير المستثمرين منهم، إلى سوق الأسهم على أنّها مجرد أداة استثمارية أخرى. وعلى الرغم من أنّ ذلك صحيح نوعاً ما، إلا أنّ فهم ماهية سوق الأسهم يتطلب إلماماً بخباياه وبراعة تصميمه، وهو ما يستند في جوهره إلى مفهوم الملكية الجزئية.
يُعتبر ريتشارد سانتويلي أحد مؤسسي مفهوم الملكية الجزئية خارج سوق الأسهم، بحيث يعود إليه الفضل في تطوير مفهوم الملكية المشتركة للطائرات الخاصة. إذ طرحت شركته “نِت جِتز” (NetJets) التي تم تأسيسها في عام 1986، فكرة غير مسبوقة نصت على تشارك عدد من الأفراد في امتلاك طائرة خاصة وجني فوائدها مع تقاسم تكاليف الاستحواذ والصيانة. ولا يزال هذا البرنامج يلقى نجاحاً حتى الآن بعد أكثر من 30 عاماً على إطلاقه.
يمكن القول إنّ أسهم الشركات تُمثل في الأساس نوعاً من الملكية الجزئية لتلك الشركة. لنشرح الأمور بطريقة مُفصّلة، إذا أصدرت شركة ما مليون سهم بسعر 10 دراهم للسهم الواحد، فإنها ستتزوّد برأس مال قدره 10 ملايين درهم في حال تم بيعها. وإذا ما قمت أنت بشراء 1000 سهم، أي ما يعادل 10,000 درهم في القيمة، فأنت تملك بالفعل واحداً من الألف من قيمة الشركة الإجمالية – وهو جزء صغير يمكن أن يزيد أو يتقلّص وذلك بحسب تداولك لهذه الأسهم في السوق.
تبرز الكثير من المزايا التي تستفيد منها الشركات حين تُقرّر طرح أسهمها للبيع، أهمّها أنّها طريقة فعالة لجمع التمويل، وتُجنّبها تحمّل الديون ودفع رسوم الفائدة على تلك الديون.
هل يمكن تطبيق هذا النهج على العقارات؟
تخيّل لو انطبق مفهوم الملكية الجزئية على العقارات. يتواجد هذا النهج في القطاع منذ فترة طويلة، إذ تم إطلاق صناديق الاستثمار العقاري – أو ما يُعرف بصناديق “ريت “(REIT) في الستينيات. وهي عبارة عن شركة تمتلك وتدير وتُموّل العقارات التي تُدرّ للدخل، ويمكن أن تتداول أسهمها في أسواق البورصة الرئيسية تماماً كالأوراق المالية الأخرى لتُوفر للمستثمرين حصة سائلة في العقارات. تعمل صناديق “ريت” في معظم الحالات عن طريق تأجير المساحات/العقارات ونقل دفعات الإيجار المُحصلة إلى مستثمريها على شكل أرباح. ويتوجب على هذه الصناديق بموجب أحكامها دفع أغلب صافي دخلها السنوي كأرباح للمستثمرين.=
تقليدياً، تمكّن الأفراد من الاستثمار في الصناديق العقارية “ريت” عبر طريقتين: إما من خلال شراء الأسهم مباشرة من سوق (بورصة) مفتوح، أو عبر الشراء من صندوق مشترك متخصص في العقارات. وعلى الصعيد المحلي، أفاد “الإمارات ريت” أكبر صندوق إستثماري عقاري في الإمارات، ارتفاع مدخوله من تشغيل العقارات بنسبة 23%، نتيجة لإدارة الشركة الأم“إِكْوِيتاتيفا” الفعاّلة وأسلوبها الانتقائي في الاستحواذ على الأصول العقارية.
لماذا حان الوقت للتغيير؟
تُعتبر صناديق الاستثمار العقاري “ريت” طريقة جيدة للاستثمار في العقارات، ولكنّها تتطلّب كماً هائلاً من الإدارة ومبالغ كبيرة من المال لشراء الأصول. كبديل لذلك، يتوجب علينا التفكير في كيفية تمكين أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة من امتلاك جزء من العقار بشكل مباشر. بحيث يمكن لمجموعة من الأفراد مثلي ومثلك امتلاك أسهم فردية في العقار، كامتلاك الطوب، أو الأعمدة، إلخ. قد يبدو ذلك مضحكاً عند التفكير في تطبيقه في الواقع، إلا أنّ مستوى التطوّر الفكري والرقمي والقانوني، الذي وصلنا إليه في أيامنا هذه، يُمكننا من إتاحة بيئة قادرة على استيعاب مثل هذه الأفكار، بحيث لا يختلف الأمر في جوهره عن امتلاك أسهم الشركات.
تهدف الملكية الجزئية في مجال العقارات إلى تأمين تنوّع كبير كالذي تتمتع به أسواق الأسهم. عادة ما تقوم صناديق “ريت” بشراء العقار بالكامل وهو ما يعادل شراء الشركة بأكملها في سوق الأسهم، لذلك ينخفض عدد المستثمرين المحتملين بما أنّه يتوجب عليهم دفع مبالغ كبيرة لتحقيق الاستثمار. بينما، من شأن الملكية الجزئية التي تُتيح الاستثمار بمبالغ أقلّ أن تُخفض من المخاطر المُتعلّقة بهذا الاستثمار، مما يسمح لمزيد من الأفراد بالمشارك وتوزيع استثماراتهم عبر أصول مُتعددة، وبالتالي تنويع محافظهم الاستثمارية.
لا يزال العمل جارياً
تقوم الشركات الناشئة على مستوى العالم بتطوير التقنيات والعمليات اللازمة لجعل هذا النهج حقيقة. وتُعتبر شركات مثل أتلانت Atlant في الولايات المتحدة، بروبرتيشير Propertyshare في الهند، سمارت كراود Smart crowd في الإمارات هي أمثلة على هذه الموجة الجديدة من شركات التقنية العقارية الساعية لإتاحة الملكية الجزئية في السوق العقاري لجمهور أكبر من خلال الاستفادة من التقنيات المُتقدمة – مثل البلوكتشين والعقود الذكية – لتقليل الوقت المستغرق لتخليص المعاملات. في حين تصب الشركات الأخرى اهتمامها على تبسيط الأحكام والعمليات الحالية بهدف تشجيع المستثمرين الجدد في هذا المجال. والجدير بالذكر أنّ شركة سمارت كراود Smart crowd حصلت مؤخراً على موافقة الهيئات التنظيمية المُختصة في الإمارات ونالت رخصة التشغيل بعد بضعة أشهر، وأكملت في يونيو أول صفقة استحواذ على أستوديو بقيمة 36,000 درهم في منطقة رمرام وطرحته للتداول.
القطاع العقاري: هل يُصبح سوق الأسهم الجديد؟
تتمتّع الملكية الجزئية في القطاع العقاري بتأثيرات مذهلة وواعدة جداً، خاصة بالنسبة للمستثمرين العاديين. إذ لن تؤدي أسعار العقارات المرتفعة إلى تثبيط الاستثمار بعد الآن، بحيث يمكن لكلّ شخص ببساطة شراء وبيع أجزاء من العقار تمامًا كشراء أسهم الشركات. كما يمكن الاستفادة من أي ارتفاع محتمل في قيمة العقار الذي تم استثماره فيه وربما حتى جني أرباح نقدية من دخل الإيجار، وذلك وفقاً لهيكلة الاستثمار. يُشبه هذا النهج طريقة عمل صناديق “ريت”، في حين تبرز بعض الاختلافات ألا وهي القدرة على الاستثمار بمبالغ أصغر وضخ سيولة أكبر في السوق.
بوكس
• تتواجد حالياً ستة صناديق عامة مسجلة للاستثمار العقاري في دول مجلس التعاون الخليجي. ثلاثة منها في السعودية، وواحد في البحرين، واثنان في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويُتيح كلّ من “الإمارات ريت” Emirates Reit وشركة الإمارات دبي الوطني “ريت” ENBD Reit المدرجتن حاليًا في بورصة ناسداك دبي فرصاً للاستثمار في محفظة متنوّعة من الأصول العقارية في الإمارات.
• ثمة مستقبل واعد لإنشاء المزيد من الصناديق، وهناك إمكانية مستقبلية لإطلاق صناديق REIT إضافية في دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التعليم وقطاع الخدمات اللوجستية، إلى جانب إفصاح مجموعة أبوظبي المالية عن نيتها بإطلاق الاكتتاب الأولي لأسهم صندوق الاتحاد “ريت”.
• أعلنت Equitativa أن دخل التشغيل العقاري الخاص بشركة الإمارات ريت زاد بنسبة 23٪ في الربع الأول من عام 2018 ، ما يعكس الاستراتيجية النشطة والنهج الانتقائي في عمليات اقتناء الأصول التي تعتمدها الشركة الأم “إكويتاتيفا”.