دبي – خاص
عبد القادر الكاملي – مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
في فيلم الخيال العلمي دليل المسافر إلى المجرة (The Hitchhiker`s Guide to the Galaxy) الذي أنتج عام 2005 يمرر الكائن الفضائي الذكي فورد برفكت الذي يقوم بدوره الممثل موس ديف، سمكة بابل صفراء اللون، في أذن صديقه الأرضي آرثر دنت الذي يقوم بدوره الممثل مارتن فريمان، وذلك للحصول على ترجمة فورية من أي لغة تتحدث بها الكائنات الذكية المنتشرة في كواكب أخرى، إلى اللغة التي يفهما آرثر دنت (وهي اللغة الإنجليزية في الفيلم).
أطلقت غوغل نهاية عام 2017 أداة تؤدي وظيفة مشابهة بثمن يبلغ نحو 159 دولاراً، أطلقت عليها اسم بيكسل بودز (Pixel Buds)، وهي عبارة عن سماعات ذكية توضع في الأذن وتعمل على هواتف بيكسل التي تنتجها غوغل وتستخدم تطبيق غوغل للترجمة الذي يغطي أكثر من 100 لغة، لكن 40 منها فقط متاح للترجمة الفورية عبر هذه الأداة حالياً.
يضع المتحدث الأول السماعاتين في أذنيه ويتحدث باللغة التي يتقنها، فينتقل الحديث إلى برنامج الترجمة المركّب على هاتف غوغل بيكسل، الذي يترجمه إلى لغة المتحدث الثاني، ثم يقرؤه بصوت مرتفع، فيجيب المتحدث الثاني بدوره باللغة التي يتقنها حيث تترجم إلى لغة المتحدث الأول وتقرأ عليه.. وهكذا…
طبعاً لاتزال هناك عيوب كبيرة في الترجمة الألية خاصة إلى اللغة العربية، إذ لا يزال مترجم غوغل يصر مثلاً على ترجمة AI إلى منظمة العفو الدولية حتى لو كان السياق يشير بوضوح إلى أن هذا المختصر يعني الذكاء الاصطناعي. لكن تشير العديد من التوقعات إلى أن الترجمة الألية سترقى إلى مستوى الترجمة البشرية قريباً. فالاستبيان الذي أجراه معهد مستقبل الإنسانية في جامعتي أوكسفورد البريطانية، وييل الأمريكية، ومنظمة اي.ال.إمباكت العام الماضي، والذي شمل 352 من علماء الحاسوب، توقع أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان في مجال الترجمة بين اللغات بحلول عام 2024.
وإذا صدقت هذه التوقعات فلن تعود القدرة على الحديث بعدة لغات ميزة تنافسية بعد أن تصل أو تتجاوز دقة برامج الترجمة الفورية (المتاحة للجميع حالياً) دقة الترجمة البشرية. ولن يقتصر الأمر على ذلك بل سيهدد بإلغاء عدد كبير جداً من وظائف المترجمين الذين تقدر أعدادهم بالملايين على الصعيد العالمي.
لكن ماذا عن المصطلحات والكلمات الجديدة التي تولد يومياً؟
وفقاً لمرصد اللغة العالمي (Global Language Monitor)، تظهر 5,400 كلمة جديدة في اللغة الإنجليزية سنوياً، نحو ألف كلمة منها فقط (تضم الكثير من المصطلحات) يتم تداولها على نطاق واسع ومن ثم إضافنها إلى المعاجم اللغوية؟
السؤال هو: كيف يمكن لبرمجيات الترجمة الآلية، ترجمة المصطلحات الجديدة إذا لم يسبقها البشر إلى ذلك؟
يختلف نظام الترجمة العصبية الذي تستخدمه برمجيات الترجمة المتطورة حالياًعن نظام الترجمة الإحصائية الذي سبقه في أنه يطبق تقنيات التعلم الذاتي العميق على النماذج الإحصائية ما يؤدي إلى تحسن مستوى الترجمة مع الوقت. يشترك النظامان في أن كلاهما يستخدم المقابلات العربية الأكثر انتشاراً على الإنترنت للكلمات والجمل الإنجليزية (ينطبق ذلك على أزواج اللغات الأخرى)، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم “الترجمة الآلية الشعبية”. ويمكن لهذه الطريقة في الترجمة أن تزيح ترجمات أكثر دقة لبعض المصطلحات لصالح ترجمات أكثر إنتشاراً. فعلى سبيل المثال يترجم غوغل مصطلح Server إلى “خادم” بسبب انتشاره الواسع على الإنترنت وزيادة عدد مرات استخدامه على عدد مرات استخدام مصطلحات أفضل مثل “خادوم” و”مخدم”.
دور المؤسسات العربية
من غير المحتمل أن تتمكن برمجيات الترجمة الآلية الذكية من ابتكار المصطلحات العربية الجديدة خلال المدى المنظور. ولكي لا نستسلم إلى شعبوية الترجمات لهذه المصطلحات لابد من توفير دعم حكومي كبير للمؤسسات اللغوية العربية وتعزيز تعاونها مع الجهات العالمية المطورة للترحمة الآلية، بحيث يحصل المستخدم العربي على أفضل المقابلات العربية للمصطلحات الإنجليزية الجديدة، ونتجنب بذلك المزيد من التدهور في المستوى المستخدم للغة العربية.
الخلاصة: مهما كان التقدم الحاصل في الترجمة الآلية كبيراً خلال العقد المقبل، فلا يتوقع أن تقضي الترجمة الألية المتطورة على مهنة الترجمة البشرية كلياً بل ستقلص أعداد العاملين فيها إلى حد كبير، وسيستمر الطلب على الترجمة البشرية الراقية مثلما استمر الطلب على المشغولات اليدوية على الرغم من التقدم الصناعي الكبير.