دبي – خاص
هناك العديد من التحديات التي يواجهها أصحاب الشركات لعل أبرزها خمسة تحديات تتمثل في تعزيز انخراط الموظفين والتنفيذ الفعًال للاستراتيجيات، وإدارة المواهب، وإدارة العمل عبر الحدود التنظيمية، والعمل التعاوني بين الفرق.
ومؤخراً قام معهد القيادة التابع لكلية لندن لإدارة الأعمال، المتخصص في معاينة المشاكل التي يواجهها قادة الأعمال وشركاتهم حول العالم باستبيان 1248 من المديرين والمسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى الذين ينتمي 10% منهم إلى الشرق الأوسط، علماً بأن نحو ثلاثة أرباع المشمولين بالدراسة يعملون لدى شركات عالمية وشركات كبيرة ومتعددة الجنسيات.*
من جهته أشار راندال بيترسون المدير الأكاديمي لمعهد القيادة إلى أن هذه التحديات الخمسة الرئيسية مترابطة ببعضها إلى حد بعيد، حيث لا يستطيع الموظفون تنفيذ الاستراتيجية بالكفاءة المطلوبة إن لم يكونوا منخرطين في عملهم كما يجب، أي ثمة أساس واضح لا غنى عنه، وهو أن أي استراتيجية بحاجة إلى الدعم الكامل من الموظفين، وإلا سيتراجع أداء ونتائج الشركات.
وأكد بيترسون على أن مواجهة هذه التحديات بات أمر بالغ الأهمية بحكم النمو في قطاع الخدمات، والذي يعكس كون الموظفين على رأس أولويات الشركات، ما يعني بأن انخراط الموظفين أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى لتحقيق النجاح”.
ونوه بيترسون إلى أن أربعة من أصل هذه التحديات الرئيسية الخمسة تتمثل في إدارة القوة العاملة. وعلى سبيل المثال، تعاني المملكة المتحدة من ضعف في الإنتاجية، لذا تحتاج الشركات البريطانية إلى التعامل بأسلوب حازم مع مختلف المشاكل ذات الصلة بإدارة القوة العاملة كي تستطيع المضي قدماً.
وأشار إلى أن الكثير من المدراء يميلون إلى تحفيز طواقمهم عبر تقديم أسباب تشجعهم على تأدية أدوارهم بشغف، غير أن هذه المنهجية لن تنجح، فالشركات الأفضل أداءً تعتمد على طبيعة العمل المجزية ذاتها لتحفيز موظفيها، حيث يجدون في عملهم عنصر إثراء لحياتهم ودافعاً دائماً لتطوير أنفسهم ومهاراتهم”.
ووجّهت الدراسة سؤالاً للمشاركين عن أهم المهارات التي يحتاجها القادة لتحقيق النجاح، وجاء “غرس وتعزيز الإحساس بالغاية” على رأس هذه المهارات دون منازع، إذ يؤكد البروفيسور بيترسون على ضرورة ألا يقتصر تركيز الشركات فقط على احتياجات الموظفين والإنصاف في الأجور وإتاحة بيئة عمل آمنة، وإنما يجب إيلاء أهمية أيضاً لأهداف وتطلعات كل موظفٍ، والتي يكون من شأنها دعم أهداف وطموحات المؤسسة في الوقت عينه.
وقال: “إن تشاطر الموظفين ومعظم الأطراف المعنية الإحساس بوجود غاية تجمعهم سوية يشجّعهم على تحقيق أداء يفوق ما هو مطلوب بمراحل، لذا يلعب هذا الجانب دوراً فائق الأهمية في النجاح المؤسسي على المدى الطويل، ويتكامل مع مهارات قيادية هامة أخرى تسلط الدراسة الضوء عليها، وهي النزاهة، وتحديد الوجهة، والتفكير النقدي، وإتباع القول بالفعل، والقيم والسلوكيات البنّاءة”.
إحداث التغيير عبر التعاون
أفاد 80% من المشاركين بأن التغير كان ناجماً عن أعضاء الإدارة العليا أو بسبب التحفيز من قبلهم، في حين اعتبر 10% فقط بأن التغيير ناجم عن الموظفين العاديين، بينما رأى 9% بأن مؤسساتهم تقاوم التغيير.
وفي سياق تعليقها على النتائج، قالت فيلا رولينز، المديرة التنفيذية لمعهد القيادة:” بات التغيير الثابت الوحيد في هذا العصر، ويجب التعامل مع التطور والتحسّن الدائم بما يرقى للتحديات التي يفرضها القرن الحادي والعشرين”.
وأضافت: ” توضح الدراسة أن الإدارات العليا تحرص على إطلاق المبادرات الجديدة، الأمر الذي يعكس الأهمية التي يوليها المدراء لتفعيل انخراط الموظفين في مؤسساتهم، ومع الأخذ بعين الاعتبار توجب المدراء الكبار الإمساك بزمام التغيير أو تيسيره على مستوى المؤسسة بأكملها، بدلاً من فرضه عن طريق تكتلات محدودة من الأفراد”.
“تشير النتائج إلى أن الأفراد قد يفتقرون للمهارات المطلوبة لإحداث وإدارة التغييرات المعقدة التي تشمل جهات عديدة من أصحاب المصلحة، ومن الواضح بأن الكثير من المؤسسات ما زالت تتبع منهجية خطية في التغييرات واسعة النطاق، ما يؤدي إلى نتائج عكسية في معظم الأحيان بدلاً من بلوغ النتائج المنشودة”.
التركيز على العمليات اليومية: العائق الأكبر لنجاح القادة
يعزى السبب الرئيسي الذي يعيق القادة عن إطلاق قدراتهم بالشكل الأمثل إلى تركيزهم على العمليات اليومية بحسب 54% من المشمولين بالدراسة، يليه الافتقار للتفكير الاستراتيجي (45%)، وانعدام قدرات المؤسسة على التأقلم مع التغييرات (35%).
فرق الإدارة العليا النافعة
وجّهت الدراسة سؤالاً للمشاركين عن رأيهم بمستوى تعاون فرق إداراتهم العليا، فأعرب 58% منهم عن مخاوفهم من أن فرق الإدارة العليا في مؤسساتهم لا تتعاون مع بعضها كما يجب، حيث تعاني من تضاربات في أجندات أعضائها، وخلافات داخلية حول مختلف الشؤون.
وقال البروفيسور بيترسون: “تشكل المنهجيات لحل الخلافات عنصراً فائق الأهمية في بناء الثقة مستقبلاً ضمن أي مجموعة أو مؤسسة، ما يعني بأنه على كافة الأطراف قبول القرار النهائي المتفق عليه بالإجماع والالتزام بتنفيذه بشكل كامل، غير أن منهجيات التصويت البسيطة- والشائعة إلى حد بعيد- تؤدي إلى كتم آراء بعض الأعضاء، ما يؤثر سلباً على مشروعية قرار الفريق ويقلل الالتزام به”.
إدارة الفشل
كما تطرقت الدراسة أيضاً إلى الأساليب التي تنتهجها الشركات في التعامل مع المبادرات الفاشلة، وأشارت إلى أن النظرة إليها تتسم بالسلبية عادة، إذ أفاد 59% من المشاركين بأنه يتم التعتيم على النتائج السلبية للمبادرات الفاشلة ولا يتم الحديث عنها ضمن الشركة، ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن 11% أكدوا أن الأشخاص المعنيين بهذه المبادرات يختفون من الشركة، في حين قال 14% بأنه يتم تشارك النتائج، ولكن سمعة المسؤولين عن هذه المبادرات الفاشلة تتأثر سلباً.
وأفصح 11% فقط عن أن نتائج المشاريع الفاشلة يتم تشاركها باعتبارها فرصاً هامة للتعلم والتطوّر، علماً بأن الشركات الصغيرة والمتوسطة تبدي قدرات أكبر على تقبّل الفشل والاستفادة منه قياساً بالشركات الكبيرة.
ويوضح البروفيسور بيترسون بالقول: “يعنى نجاح المؤسسات على صعيد الابتكار عبر تطوير منهجيات لمناقشة المشاريع التي لم تسر كما هو مخطط، وتحويل هذه المشاريع إلى مواد للتعلم، وهو ما يتطلب نقلة حقيقية في ذهنيات وسلوكيات الشركات كي تكون قادرة على الابتكار بفعالية أكبر”.
“يجب على القادة أن يتعلموا إدارة الفشل بغية تحقيق الازدهار في مؤسساتهم، ويتطلب الأمر عادة تقليل التكاليف المحتملة قدر الإمكان عبر البدء بمشروع تجريبي صغير مثلاً، وذلك مع السعي لزيادة المنافع المحتملة واستخراج أكبر قدر ممكن من القيمة مما يتم تعلمه. ومن المفيد طرح أسئلة فائقة الأهمية على بساطتها من قبيل: ’ما هي الجوانب التي نجحنا فيها ولماذا‘، وما الذي يمكن فعله لتعزيز إمكانيات النجاح”.