ايمان مصطفى – خاص
شهد الاقتصاد الإسلامي نهضة على مدى العقود القليلة الماضية، إلا أنه لايزال في مرحلة أولية من التطور، وعلى عكس ذلك أصبح الاقتصاد التقليدي متطورًا للغاية بعد أن مر بعملية تنمية طويلة على مدى أكثر من قرن.
ومن الضروري أن يضمن أي اقتصاد في أي مجتمع رفاهية البشر، وتوفير أنماط عيش صحية لهم، وفي ظل ندرة الموارد المتاحة، يجب وضع استراتيجية فعًالة والتي قد لا تكون قادرة أيضًا على تحقيق رفاهية المجتمع للجميع.
العلمانية مقابل الروحانية
تتلخص وجهات النظر السائدة في العالم لتسهيل ذلك في نظريتيّن أساسيتيّن، هما العلمانية والمادية من جهة والروحانية والإنسانية من جهة أخرى.
فالنظرية العلمانية والمادية تولي أهمية كبيرة فيء العموم للجانب المادي، لضمان رفاهية البشر، وتميل إلى تجاهل أهمية الجانب الروحي.
وترى هذه النظرية أن بالإمكان تحقيق رفاهية البشر على أكمل وجه، إذا ما مُنح الأفراد الحرية من دون عوائق لتحقيق مصالحهم الشخصية، وللشعور بأقصى قدر من الرضا.
ومع مثل هذه الرؤية العالمية لا يوجد دور للقيم أو للتدخل الحكومي في توزيع الموارد بكفاءة وإنصاف.
وعند السؤال عن كيفية تحقيق المصلحة الاجتماعية مع إتاحة الحرية غير المقيدة لكل فرد لتحقيق مصلحته الشخصية، تكون الإجابة أن قوى السوق تضمن ذلك، لأن المنافسة سوف تُخضع المصلحة الذاتية للرقابة.
وعلى عكس ذلك تولي النظرية الدينية العالمية أهمية كبيرة للجوانب المادية والروحانية لضمان تحقيق رفاهية البشر، فهي لا ترفض دور المنطق والعقل في تحقيق التنمية البشرية.
ورغم ذلك تعترف هذه النظرية بمحدودية العقل والمنطق، ووجوب إكمال الجزء الناقص من خلال الجانب الروحي، كما أنها لا ترفض الحاجة إلى الحرية الفردية أو دور المصلحة الذاتية في تحقيق التنمية البشرية.
لكنها ترى أن الحرية والسعي لتحقيق المصلحة الذاتية بحاجة إلى التقييد من خلال القيم الأخلاقية ، والحكم الجيد لضمان تحقيق الرفاهية للجميع.
تطور ملحوظ…
شهد العقد الماضي زيادة كبيرة في الخدمات المصرفية الإسلامية، والتي قد بدأت تمثل بديلاً حقيقيًا وأكثر جاذبية عن الخدمات المالية التقليدية التي اعتادها الناس.
فقد نمت الأعمال المصرفية الإسلامية لتصبح وسيلة هامة وأساسية للإدارة المالية في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، كما بدأت في الظهور أيضًا في الاقتصادات الغربية.
على الصعيد العالمي قُدرت الأصول المصرفية الإسلامية بنحو 17% عام 2013، بينما شهدت الصكوك والصناديق الإسلامية نموًا على أساس سنوي بنسبة 14% و11% على التوالي.
وحققت قطاعات رئيسية أخرى للاقتصاد الإسلامي نجاحًا كبيرًا، فقد نما الإنفاق الاستهلاكي الإسلامي عالميًا على قطاعات الغذاء ونمط الحياة بنسبة 9.5% عن العام الماضي، ومن المتوقع نموه بمعدل سنوي مركب يبلغ 10.8% حتى عام 2019.
وزاد الإنفاق العالمي الإسلامي على السياحة بنسبة 7.7% عام 2013، بينما زاد الإنفاق الاستهلاكي على المستحضرات الصيدلانية والتجميلية بنسبة 2% و1% على التوالي.
وتعد الإمارات العربية المتحدة من بين أكبر الدول في الإنفاق الإسلامي العالمي على السلع الحلال والسياحة ومستحضرات التجميل، وازدادت المصارف الإسلامية بها بمعدل 14 إلى 18% خلال السنوات الأخيرة، مقابل زيادة 4 إلى 8% للبنوك التقليدية.
فوائد المصارف الإسلامية
تستند المصارف الإسلامية إلى المبادىء الأساسية للشريعة الإسلامية، وقد اكتسبت شعبية كبيرة تجاوزت سوق المسلمين بفضل قيمها العالية.
تقدم المصارف الإسلامية مجموعة كبيرة من المنتجات للعملاء أو المستثمرين الذين يتطلعون للمشاركة الحقيقية، مع التركيز على الأصول، وتجنب تعقيدات وغموض بعض المنتجات التقليدية.
فعلى سبيل المثال تشمل المصارف الإسلامية استراتيجية تقاسم المخاطر بدلاً من نقل المخاطر، ففي التمويل الإسلامي يتحمل المصرف الشراء وإعادة البيع للمشتري بأرباح.
ويسمح هذا الاتفاق للمشتري بالتسديد للمصرف عبر الأقساط، كما يحمي المصرف من التخلف عن السداد من خلال ضمانات صارمة.
فالمرابحة التي تعتمد عليها المصارف الإسلامية تحمي المشتري والمصرف، وتجبر المصرف على التعامل مع المخاطر وإدراتها، مع توفير نظام دفع مستقر للعميل.
وإضافة إلى ذلك تحظر الشريعة القيام بأنشطة أو معاملات تضر الناس أو المجتمع أو البيئة، مثل الربا والفائدة والمضاربة، وهذا النهج الأخلاقي هو أساس المصارف الإسلامية.
كما أن تركيز المصارف الإسلامية على المسؤولية المشتركة والمجتمع يخلق اقتصادًا أكثر شمولية، فإحدى الأدوات المالية التي توفرها هذه المصارف على سبيل المثال تكمن في مساعدة المستثمرين من خلال الزكاة، كما تتبرع المصارف الإسلامية بجميع رسوم التأخر في السداد.
ولدى المصارف الإسلامية طريقة لمواجهة الأزمات، وهو ما يجعلها مناسبة للمستثمرين في جميع أنحاء العالم، ففي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية تقدم هذه المصارف نهجًا أكثر أمانًا.
اربدرجة كبيرة، كما تدعم الشراكة في التمويل الإسلامي مشاركة كلا الطرفين في تحمل المسؤولية، لحماية المستثمرين الأفراد.
تحديات النمو
رغم النمو الذي يشهده الاقتصاد الإسلامي، إلا أن هناك بعض العقبات التي لاتزال تقف في طريقه.
فهناك حاجة ملحة لتوحيد أحكام الشريعة الإسلامية في البنوك والأسواق، لأن التفسيرات المتعددة من قبل علماء الشريعة يمكن أن تجعل المستثمرين لا يفهمون بعض جوانب المصارف الإسلامية.
وهناك ضرورة أيضًا لوضع نُظم محددة تتناسب مع المصارف الإسلامية، غير النظم المصرفية التقليدية الحالية، فيجب أن يكون هناك تمييز بين المرابحة ونظام الإقراض العادي، وتمييز بين المشاركة واستثمارات الأسهم.
ومن بين التحديات الأخرى محدودية أدوات إدارة السيولة للبنوك الإسلامية محليًا وعالميًا، ومحدودية وعي المستهلك لما تقدمه المصارف الإسلامية.
كما أن المصارف الإسلامية لاتزال تعتمد على المصارف التقليدية للوصول إلى الأسواق الدولية، ولاتزال أسواق الدين تهيمن عليها العروض التقليدية والصكوك المحدودة.
رؤية الإمارات
تعد الإمارات ثالث أكبر سوق للصكوك على مستوى العالم، إذ بلغ إجمالي قيمتها 20.38 مليار دولار.
وتأتي الإمارات في المركز الثاني بعد إندونيسيا في إصدارات الصكوك في جميع أنحاء العالم.
وأسهمت الإمارات إسهامًا كبيرًا بإطلاق منصة ناسداك دبي للمرابحة، وهي عبارة عن منصة شاملة للمرابحة، لتزويد المصارف المحلية والإقليمية بحلول تمويل تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ويلتزم مصرف الإمارات الإسلامي بالابتكار في مجال التمويل الإسلامي، بتقديم مجموعة من القطاعات والخدمات والمنتجات، مثل نظام العمل المرتكز على العملاء، والذي ساهم في زيادة قاعدة عملائه بنسبة 30% في غضون سنوات قليلة.
كما أطلق المصرف منتجات وخدمات متعددة لكل شريحة، ونمت شبكة فروعه بنسبة تتجاوز 50%، مما يجعله أسرع المصارف نموًا في الإمارات، إذ لديه أكثر من 55 فرعًا وأكثر من 150 ماكينة صراف آلي.
ويعكس ذلك الطلب المتزايد بين العملاء على نهج مصرفي أكثر أخلاقية وشفافية.