دبي – خاص
بقلم ستين جاكوبسن- رئيس الاقتصاديين ورئيس شؤون المعلومات لدى ‘ساكسو بنك’
لا يعد الوقت الراهن فترةً مناسبةً للاسترخاء والشعور بالرضى عن النفس، خاصةً في ظل قيام مجلس الاحتياطي الفدرالي بخطوة كبيرة لاستبدال سياسة التسهيل الكمي بالتشديد الكمي وذلك بالتوازي مع التصعيد الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وإيران الآخذ بالتفاقم. وللأسف الشديد، يخدع العالم نفسه الآن بشعور زائف بالأمان ويتجاهل المخاطر التي تلوح بالأفق.
- يقوم مجلس الاحتياطي الفدرالي بارتكاب خطأ كبير في سياسته العامة باعتماده على أمل حدوث التضخم في الوقت الملائم وفقاً لمنحنى ’فيليبس‘ المرفوض أكاديمياً
- تشكل السياسة التي ينتهجها مجلس الاحتياطي الفدرالي مصدر قلق كبير، لكن مصدر القلق الحقيقي هو أن مؤشرنا الاقتصادي المفضل ألا وهو مؤشر الدافع الائتماني، يسجل المزيد من الهبوط.
- يتم دفعنا الآن نحو الاعتقاد بأن تغيير هذه السياسة لن يضع حداً للمشاكل
ويتغير الوضع في السوق بشكل متزايد نحو الاقتناع بأن هذا الواقع لن يتغير أبداً، في الوقت الذي نشهد فيه تراجع كلٍ من المخاطر والتغيرات الكبيرة. ونميل كبشر لربط الماضي القريب بالمستقبل، وهو أحد الأخطاء الأساسية التي يقوم بها دماغنا البشري، لنستنتج فيما بعد بأن هذا ليس خطأ فحسب، إنما منافي لكافة العلوم والدراسات التجريبية.
ولم تلعب المخاطر الجيوسياسية دوراً رئيسياً في عالم الأسواق والاقتصاد منذ الأزمة المالية الكبرى في سبتمبر 2007، وذلك بالغالب لأن البنوك المركزية العالمية قامت بمواجهة حتى أصغر المشاكل بسياسة ’الجدار المالي‘ الجاهز.
ومع تبدل الظروف بات أسلوب التظاهر والتأجيل غير صالح للتنفيذ بعد الآن. ويعتزم مجلس الاحتياطي الفيدرالي اعتماد نظام التشديد الكمي، مما يسمح بتقلص ميزانيته العمومية الضخمة من خلال السماح للسندات المعلقة بأن تنمو دون الحاجة لتجديدها. ويقوم نظام الاحتياطي الفدرالي بارتكاب خطأ كبير في سياسته العامة مدفوعاً بأمل أن التضخم سيحدث وفقاً لمنحنى ’فيليبس‘ المرفوض أكاديمياً،
وإذ قد يكون هذا الكلام صادماً للبعض، فإن منحنى فيليبس أثبت فشله أكاديمياً. وتشير ورقة علمية حصل عليها مجلس الاحتياطي الفدرالي في فيلاديلفيا قام بها كل من دوستي وفوجيتا وستارك إلى ما يلي: تشير الدراسات التي قمنا بها إلى أن نماذج منحنى ’فيليبس‘ تبدو أقل شأناً بشكل عام من نماذج التنبؤ أحادية المتغير. أقل شأناً! ومع ذلك يصر مجلس الاحتياطي الفيدرالي (والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك اليابان) على التعلق بهذا الأمل.
ويعتقد بنك الاحتياطي الفدرالي، أو بالأحرى “يأمل” بإمكانية اتباع سياسة التشديد الكمي دون حدوث اضطراب كبير في الأسواق، وهو أمر مستغرب بالنظر إلى أن معظم النمو العالمي (إن لم يكن كله) منذ الأزمة عائم على عكس ذلك: تبلغ قيمة التوسع في الميزانية العمومية ذاتها 3000 مليار دولار. ويتم دفعنا الآن نحو الاعتقاد بأن تغيير هذه السياسة لن يضع حداً للمشاكل، لأنهم قاموا بإبلاغ السوق بهذا، لقد أعلنوها بشكل واضح. الأمر ليس مثيراً للاستغراب، على الأقل بالنسبة لي.
تشكل السياسة التي ينتهجها النظام الاحتياطي الفدرالي مصدر قلق، لكن القلق الحقيقي هو أن مؤشرنا الاقتصادي المفضل ألا وهو مؤشر الدافع الائتماني، يسجل المزيد من الهبوط.
ويعد صافي الانخفاض الذي سجله الرسم البياني لمستوى الدافع ثاني أكبر انخفاض مسجل، ويتطابق فقط مع…. التباطؤ المسجل في 2007/2009 (الأسهم الحمراء). ويقود الدافع الائتماني الاقتصاد العالمي من تسعة إلى اثني عشر شهراً عموماً، وبالتالي فإن التباطؤ الحالي يجب أن ينخفض في شهري مارس يوليو 2018 في البيانات الاقتصادية الحقيقية.
ونعتقد أن هذا أمر سيء بالنسبة للربع الرابع من عام 2017 حتى الربع الثاني من عام 2018، حيث نرى فرصة كبيرة لحدوث تباطؤ اقتصادي سيعطي طابعاً بالركود؛ تماماً في الوقت الذي يقوم فيه الاقتصاديون والسياسيون في العالم بتوصيف كل شيء بشكل واضح. وهذا أيضاً خطأ دائم يتمثل بعدم احترام قوانين الطبيعة والمسار الأقل مقاومة. وقد حصل التحسن الحالي في البيانات في الفترة بين عامي 2015/16 من خلال التوسع الائتماني الكبير في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، كما نرى بوضوح في الرسم البياني (السهم الأخضر). ومرةً أخرة يدفعنا الماضي القريب إلى الاستمرار بهذا التوجه على الرغم من أن الدلائل جميعها تقول شيئاً آخراً.
وتجتمع القيادة الصينية في شهر أكتوبر لوضع خطط النمو الاقتصادي المقبل، لخمسة أعوام قادمة، إن لم يكن 15 عاماً. وأتوقع أن يتم انتخاب الرئيس شي لفترة رئاسية إضافية، كأول زعيم صيني يحظى بذلك منذ الرئيس ماو، كما وأتوقع أن يركز في سياساته على الجودة على حساب النمو. وتمتاز الصين بسرعتها ليس فقط بكونها اللاعب الأكبر في عمليات الدمج والاستحواذ (شراء الأصول البيئية والمرافق والموارد والمياه وأصول والطاقة البديلة وغير ذلك الكثير)، بل أيضاً بتحقيق المزيد من التقدم كدولة رائدة في التكنولوجيا.
ونشهد ظهور صين جديدة أكثر حيوية، تركز على الحد من التلوث من خلال دفع كبير لاستخدام الكهرباء، وأيضاً من خلال قبول نمو أقل في سبيل تحقيق هذا التحول. وهذا ما يعد خبراً سيئاً فيما يتعلق بالدافع الائتماني، إنما خبر جيد بالنسبة للنمو العالمي. وتشكل الصين ما يقارب ثلث النمو العالمي المباشر، ولكن أكثر من 50% منه بشكل غير مباشر. وفي حين تحملت الصين أعباء العالم الاقتصادية خلال الأزمة الأخيرة في عامي 2007/2009، تتوجه الآن إلى تحقيق مكاسب طويلة الأمد تبدأ في الداخل الصيني وليس في الخارج.
وهذا ما أدى إلى تبني نهج دفاعي جداً في الربع الرابع، حيث نعتقد أن التوقعات الاقتصادية المرتفعة جداً، جنباً إلى جنب مع التقلبات المنخفضة بشكل خطير، وانخفاض التضخم وأخطاء السياسة الرئيسية من قبل البنوك المركزية سينتج عنه ظهور مخاطر كبيرة على النموذج الاقتصادي كما نعرفه.
وما يجعل الربع الرابع أكثر إثارة للقلق هو التصعيد في الخطاب الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وإيران. وقد انحدر هذا التصعيد إلى مستوىً طفولي بسبب تبادل الاتهامات والخطابات والمؤتمرات الصحفية الخارجة عن السيطرة. وأتوقع بنسبة 50% أن “شيئاً ما سيحدث في أكتوبر”، إذ أن الهياكل المختلفة في الاقتصاد والسياسة والأحداث العالمية لم تكن يوماً بحاجة التغيير كما هي الآن، والمشكلة الحقيقة أن هذه الحاجة إلى التغيير يتم الاستجابة إليها بكراهية لم أرى مثلها طيلة حياتي المهنية على مدى 30 عاماً.
وعلى ما يبدو أن العالم الآن يفكر كما كان يفكر بطل سباقات الفورمولا ون السابق ماريو أندريتي: اذا بدت الأمور تحت سيطرة، هذا يعني أنك لست سريعاً بما فيه الكفاية. واسمحوا لي أن أصف بدوري الربع الرابع من عام 2018 بالقول:
اذا كنت تعتقد أن الأمور تحت السيطرة، فهذا يعني أنك لم تفهم شيئاً