دبي – خاص
عبد القادر الكاملي – مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
في شهر مايو/أيار الماضي وجه بيل جيتس نصيحة للشباب على التويتر جاء فيها: “ثلاثة حقول واعدة يمكنها أن تمنحكم تأثيراً كبيراً، هي الذكاء الاصطناعي وعلوم الطاقة والعلوم البيولوجية.. هذا ما سأختاره لو بدأت دراستي من جديد”. السؤال هو لماذا خص جيتس هذه الحقول فقط بالذكر؟
لأن الثورة الصناعية الرابعة التي انطلقت حديثاً بزخم ترتكز على الذكاء الاصطناعي وخاصة مع دخول الآلات مرحلة التعلم الذااتي، والطاقة البديلة المتجددة وخاصة مع النجاح المتواصل في تخفيض كلف إنتاجها، وأخيراً العلوم البيولوجية وخاصة بعد النجاح في تطوير تقنيات تعديل الجينات والتحكم بها.
الذكاء الاصطناعي
دار الحديث في العقد الأخير من القرن العشرين عن الفجوة الرقمية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية بل وداخل البلد الواحد أيضاً. تدور الفجوة الرقمية حول من يملك استخدام الكمبيوتر والإنترنت والهاتف النقال وبين من لا تتوفر لديه هذه الإمكانية بسهولة.
تطور الوضع في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين فأصبح الحديث يدور حول الفجوة المعرفية أي بين من تتوفر لديه إمكانية تحصيل وامتلاك المعرفة بسهولة وبين من يواجه صعوبات في ذلك. وشهد العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين نقلة نوعية جديدة فبدأ الحديث عن فجوة الذكاء الاصطناعي، أي بين من يستطيع تطوير وتوظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة أهدافه وبين من لا تتوفر أمامه الفرصة لذلك. تشهد البلدان المتقدمة حالياً نمواً متسارعاً في الذكاء الاصطناعي نتيجة للتطور التراكمي في مجال البيانات الضخمة (Big Data) التي أصبحت متوفرة على الشبكات العالمية، وبسبب التطور الكبير في مجال التعلم العميق (Deep Learning) أي الأبحاث والبرمجيات المرتبطة بتطوير قدرات الآلات على التعلم الذاتي.
وتمر البلدان المتقدمة حالياً بنقطة انعطاف تاريخية تتمثل في الانتقال من الاقتصاد القائم على المعرفة إلى الاقتصاد القائم على الذكاء.
علوم الطاقة
يتجه العالم باطراد نحو الطاقة المتجددة، ويتوقع أن ينتهي عصر النفط قبل مدة طويلة من نفاده (لم ينته العصر الحجري بسبب نفاد الحجارة)، ويتوقع بعض المحللين أن تتدنى أسعار النفط بعد عام 2030، إلى 25 دولار للبرميل أو ما دون ذلك.
حققت ألمانيا في 30 أبريل/نيسان من هذا العام رقمًا قياسيًا في مجال استخدام الطاقة المتجددة، حينما ولّدت نحو 85 بالمئة من حاجتها إلى الكهرباء بالاعتماد على مصادر متجددة كالرياح والشمس والمياه. استمرت هذه التجربة ليوم واحد فقط، لكن يتوقع أن يصبح هذا المستوى طبيعياً بحلول عام 2030، وان يعم السنة بأكملها، وتسير العديد من البلدان الأوربية الأخرى في هذا الاتجاه.
تجوب 1.2 مليار سيارة ركاب تقريباً طرقات العالم حالياً وتستهلك نحو 26 بالمئة من إجمالي استهلاك النفط العالمي (النسبة تزيد كثيراً عند إدخال جميع وسائط النقل كالطائرات والسفن، إلخ في المعادلة). وبدأت العديد من الشركات بإنتاج السيارات الكهربائية، بل وأعلنت شركة فولفو (تملكها الصين حالياً) أن جميع الطرز الحديثة من سياراتها ستحتوي على محرك كهربائي اعتبارا من عام 2019. ويسير العديد من مصنعي السيارات في هذا الاتجاه. سيؤدي هذا التوجه إلى تخفيض الطلب العالمي على النفط مستقبلاً، لكن تاريخ حدوث ذلك يرتبط بسرعة التحول نحو السيارات الكهربائية، ويختلف تقديره من مركز بحثي إلى آخر.
العلوم البيولوجية
اقتحمت التكنولوجيا العلوم البيولوجية على نطاق واسع في القرن الواحد والعشرين، وأصبح تقدمها يخضع لمعدلات النمو التكنولوجي المرتفعة جداً والتي لانزال تسير وفق قانون مورالذي ينص على أن قدرة الحوسبة تتضاعف كل عامين، وهو القانون الذي صاغه غوردون مور أحد مؤسسي إنتل عام 1965 ولايزال يثبت صحته حتى الآن. وأدى ذلك إلى أن يكتسب العلاج الجيني زخماً كبيراً خاصة بعد تطوير تقنية تحرير الشيفرة الجينية كريسبر/كاس 9 التي اعتبرنها مجلة ساينس أهم الإكتشافات العلمية لعام 2015، والتي فنحت الطريق نحو إمكانية إيجاد علاج للسرطان وأمراض الشيخوخة، وقد دفع هذا الطبيب الكوري/الأمريكي الشهير جون يون للقول: “إذا كانت الشيخوخة شيفرة برمجية، فبإمكاننا اختراقها والتحكم بها”.
سيحظى من يمتلك ناصية واحدة من الحقول السابقة بنفوذ كبير في عالم المستقبل، فالطاقة المتجددة هي الدم النقي الذي سيحافظ على نقاء البيئة، والذكاء الاصطناعي هو العقل الذي سيزيد إمكانيات التفكير البشري مئات المرات، والعلوم البيولوجية هي الحياة المديدة بصحة جيدة.
لكن ماذا عن المهارات المطلوبة في وظائف المستقبل بشكل عام؟
أشار تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن ما يقرب من 65 في المائة من الوظائف التي سيعمل بها طلاب المدارس الابتدائية الحاليين في المستقبل لا توجد حتى الآن. ومع تزايد تأثير الأتمتة الناجمة عن التطورات التكنولوجية على الأعمال يبرز سؤالاً مهماً عن ماهية المهارات التي تحتاجها الأجيال القادمة؟ تنص الإجابة وفق المنتدى الاقتصادي العالمي على أن المهارات العشرة المطلوبة عام 2020 وما بعد هي:
حل المشكلات المعقدة (Complex problem solving)، التفكير الناقد (Critical thinking)، الإبداع (Creativity)، إدارة الأفراد (People management)، التنسيق مع الآخرين (Coordinating with others)، الذكاء العاطفي (Emotional intelligence) ، المحاكمة العقلية واتخاذ القرارات (Judgment and decision making)، التوجه الخدمي (Service Orientation) ، التفاوض (Negotiation)، المرونة المعرفية (Cognitive flexibility).
وأخيراً علينا أن نتذكر قول ألبرت أينشتين: “الدلالة الصحيحة على الذكاء تتمثل في القدرة على التخيل وليس في كمية المعرفة”.