خاص – عمّان – entrepreneuralarabiya.com
بقلم – رشا مناع للمدير التنفيذي لإنديفر الأردن
- روّاد الأعمال الأردنيون يضطرون للهجرة إلى الخارج
- ما هي التحديات التي تعيق روّاد الأعمال في الأردن؟
- الأردن يشهد انطلاق شركات ناشئة في مراحلها المبكرة
على الرغم من أن الأردن نموذج للبيئة النشطة في انطلاق الشركات الناشئة، إلا أنه في كثير من الأحيان وعندما تصل تلك الشركات إلى الحجم الذي نبحث عنه، يتبين لنا أن ريادي الأعمال قد انتقل من الأردن، وبالغالب تكون وجهته الإمارات العربية المتحدة. وقد بدا ذلك واضحاً لنا من قائمة روّاد أعمالنا الحالية التي شهدت على مدى العامين الماضيين انتقال العديد منهم إلى الإمارات، حيث يقيم 45% منهم هناك الآن.
هل آن الأوان للانتقال؟
يتمحور اهتمام “إنديفور” حول الشركات التي تمتلك القدرة على التوسع والنمو.
يصاحب تأسيس الشركات الناشئة عدة تحديات، إلا أن الإنجاز الحقيقي يتمثل في قدرة روّاد الأعمال على تجاوز تلك التحديات المصاحبة للتوسع. وفي نظرنا أن الشركات القادرة على النمو هي القادرة على خلق فرص العمل وتوليد الثروة وجذب استثمارات من الخارج إلى داخل المملكة. وبلا شك فإن سوق الأردن صغير، وإذا ما رغبت الشركات بالتوسع فإن ذلك يعني أن عليها الانتقال إلى الخارج. وعادة يكون استهداف الأسواق الإقليمية والعالمية هو متطلب أساسي ونحن في “إنديفور الأردن”، ننصح ونشجع جميع رواد أعمال شبكتنا المحلية للتوسع في الأسواق الأكثر نشاطاً، ونرى ضرورة توسيع دوائر تطوير الأعمال والمبيعات في مثل هذه الأسواق، وهذا قد يتطلب من الرياديين أنفسهم الانتقال إلى هناك لفترة من الزمن لضمان الأداء الصحيح لشركاتهم. ومع ذلك، فإن مغادرة رواد الأعمال للأردن على أساس دائم يشكل خطرا لا يستهان به ومن شأنه الإضرار بالبيئة الاقتصادية المحلية على المدى الطويل.
نحن فخورون بما حققه رواد أعمال “إنديفور الأردن” على الرغم من التوتر السياسي السائد في المنطقة والظروف الاقتصادية الصعبة التي نواجهها. وتمثل “أزهار أليسار” قصة نجاح أردنية تدرجت من مجرد متجر صغير لبيع الزهور في المنطقة القديمة لعمان لتصبح رائدة إقليمياً في قطاع تجارة الزهور، مع توسع في الخدمات المقدمة تمتد من حلول تنسيق الأزهار للفنادق إلى أماكن البيع بالتجزئة ومزارع الزهور والتجارة الزراعية، وانتهاءً بالتوسع الأحدث في أعمالها إلى فضاء التجارة الإلكترونية. أما إبراهيم الصفدي فقد استطاع الانتقال بـ “لومينوس للتعليم” من فرع واحد لكلية القدس في حي العبدلي لتصبح مركزاً متطوراً للتدريب المهني مع فرع ثانٍ تم افتتاحه في عام 2016 لخدمة شمال الأردن. وقد أدت رؤية لومينوس للتعليم وإنجازاتها إلى حصولها على استثمار من مؤسسة التمويل الدولية في عام 2015. أما بالنسبة لموقع “طقس العرب” فقد رأى النور من خلال شغف شاب على مقاعد الدراسة بالطقس، ليصبح الموقع الرائد في مجال توفير المنتجات والخدمات والحلول الجوية للأفراد والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وما هذا إلا جزء بسيط من النجاح الذي تواصل شركاتنا تحقيقه.
تسعى “إنديفور” جاهدة لضمان أن يواصل روّاد الأعمال توسيع أعمالهم وتحقيق نجاحات أكبر. عندها، ستكون بحاجة للإشارة اليهم كقصص نجاح أردنية تسم في توسيع شبكة رواد الأعمال في الأردن.
دورة تسريع ريادة الأعمال
تعمل “إنديفور” على دراسة النظم البيئية لريادة الأعمال حول العالم، حيث يتبين وجود دورة واضحة يمكن ملاحظتها في النظم البيئية الناجحة التي ينتج عنها شركات وصناعات ذات نمو عالٍ وتضمن استدامة النظام الريادي على المدى الطويل. تطلق “إنديفور” على هذه الدورة اسم دورة تسريع ريادة الأعمال، يتلاقى فيها الطموح الريادي والنمو والالتزام وإعادة الاستثمار لتحقيق تأثير مضاعف على الجيل الجديد من رواد الأعمال. وعلى الرغم من أن الأردن لا يفتقر إلى رواد أعمال طموحين لبدء أعمالهم الخاصة ولديهم القدرة على تنفيذ رؤيتهم وتحقيقها، فإن المرحلة الثالثة من الدورة تتطلب وجود مؤسسين ناجحين لديهم الرغبة بالبقاء في الأردن وإنشاء مشاريع جديدة فيه والتشارك في مواردهم مع الجيل القادم من الرياديين. تبدأ المرحلة الرابعة من الدورة مع قيام مؤسسي الشركات الناجحة بإعادة استثمار رؤوس أموالهم الفكرية والاجتماعية والمالية مع رواد أعمال آخرين وشركات أخرى.
هجرة الأعمال
لقياس ميول وتوجهات روّاد الأعمال بشأن ممارسة أعمالهم في الأردن، ولفهم إلى أي مدى يفكرون في الانتقال إلى الخارج، أجرينا استطلاعاً تم عرض نتائجه في كانون الثاني خلال فعالية مائدة مستديرة شارك فيها ممثلون عن القطاعين العام والخاص. وفيما يلي أبرز نتائج هذا الاستطلاع:
سألنا روّاد الأعمال عما إذا كانوا يفكرون في نقل أعمالهم من الأردن: أجاب 72% بأنهم يفكرون بالفعل في ذلك. ومن بين أولئك الذين جاءت ردودهم بالإيجاب، أشار 45% منهم أنهم لن يفكروا في نقل الكيان القانوني فحسب، بل أيضا مكاتب الإدارة والعمليات بأكملها. وبعد ذلك سألناهم عن الوجهة التي يفكرون بالانتقال إليها، وكما كان متوقع جاءت إجابات 67% منهم أنها دولة الإمارات العربية المتحدة، في حين قال 25% منهم أنها الولايات المتحدة الأمريكية.
وعند سؤالهم عن السبب الذي يبقيهم في الأردن، أشار 69% منهم الى أن ذلك يعود ببساطة إلى أن الأردن موطنهم ومكان تواجد عائلاتهم. وجاءت إجابة 31% منهم أن الأردن كان أساسا جيداً لاختبار وتجربة أعمالهم، وقال 24% أن السبب هو انخفاض تكلفة رأس المال البشري. أجاب 7% فقط إلى كون الأردن يتمتع ببنية تحتية جيدة هو السبب وراء بقائهم في الأردن، وأشار 2% إلى أن الدعم الحكومي عاملاً في ذلك.
وعند السؤال عن العوامل التي تدفعهم إلى التفكير في الانتقال، كانت الردود على النحو التالي:
- 74%- الوصول إلى أسواق أكبر
- 45%- الضرائب العالية
- 40%- عدم ثبات التشريعات
- 38%- الحصول على التمويل
- 31%- سهولة المعاملات والمزيد من القيود الرأسمالية الميسرة في أماكن أخرى
- 23%- البيروقراطية والفساد
وتلا ذلك تعزيز للميول السلبية للمستجيبين عندما سألناهم عن اعتقادهم بالنسبة للمدة الزمنية المتوقعة لتحسن الاقتصاد الأردني؛ فأجاب 27% بأنهم يعتقدون بأن الأمر سيستغرق أكثر من 10 سنوات، وكانت إجابات 36% أكثر إيجابية، متوقعين أن يستغرق ذلك ما بين 5-10 سنوات.
أما الآن، فنحن لا نقترح أو نجزم بأي حال من الأحوال أن 72% من رواد الأعمال في الأردن يقومون بحزم حقائبهم متوجهين إلى المطار، ولكن ما يعكسه استطلاعنا هو ميول وتوجهات رواد الأعمال. وتعني النتائج أن 72% من رواد الأعمال يشعرون بالإحباط لدرجة كبيرة من بيئة الأعمال في الأردن، وقد آن الأوان لنا أن نفعل شيئا حيال ذلك قبل تدهور الوضع بصورة أكبر.
إذا لم يكن السبب هو تحديات العمل، فما الذي يحبط رواد الأعمال؟
تسعى “إنديفور” إلى مساعدة الشركات في التغلب على التحديات المعيقة للنمو، حيث نقوم بذلك من خلال ربط الشركات بالأنسب لها من أدوات وموارد ومرشدين بناء على التحدي الذي تواجهه. وكوننا على تواصل مع رواد الأعمال إما أولئك الذين في شبكتنا أو هؤلاء الذين يخوضون مرحلة الاختيار أو الذين نتواصل معهم من خلال الفعاليات التي تنظمها “إنديفر”، فذلك يضعنا في مواقف نسمع من خلالها عن هذه التحديات. وفيما يلي خمسة مواضيع متكررة قمنا بالتوسع بتفاصيلها من خلال مشاركة بعض الأمثلة التي واجهها رواد الأعمال.
- القيام بأعمال تجارية في الأردن يتعلق بمن تعرف، وليس بما تعرف
هذه العبارة تعكس توجهاً عاماً في الأردن. لتسيير أي معاملة أو حل أي من العقبات، تحتاج إلى معرفة شخص ما في البلدية أو الوزارة أو البنك. وفي الواقع، للحصول على قرض في الأردن، فإن الأمر يعتمد إلى حد كبير على “إقراض الاسم” وليس على أداء الشركات.
- البيئة القانونية والتنظيمية في الأردن لا تسمح للأعمال التجارية بالازدهار
يشعر رواد الأعمال في الأردن بشكل مستمر أنهم في منطقة حرب لا تهدأ وتنتظر مباغتة الهجوم التالي. ولا يعتبر إنشاء الأعمال وتشغيلها في أي مكان أمر بسيط وسلس، فإيجاد التناسق المثالي بين المنتج والسوق واكتساب العملاء واستقطاب المواهب وإدارتها وإدارة المنافسة، وغيرها من الأمور، هي من التحديات التجارية التي ينبغي على رواد الأعمال التعامل معها. ومع ذلك، تلك ليست التحديات التي بتنا نسمع عنها، وعلى الأقل ليس في آخر عامين، حيث يقضي رواد الأعمال جزءاً كبيراً من وقتهم في التعامل مع التحديات المتعلقة بالبيئة التنظيمية التي تمثل مشكلة بالنسبة لهم بسبب العدد الهائل من القوانين والأنظمة المعمول بها وغموضها وتعقيدها، ناهيك أيضا عن كثرة تغييرها.
جملون، إحدى شركات “إنديفور الأردن”، هي منصة إلكترونية تتيح الوصول إلى الكتب باللغتين الإنجليزية والعربية. علاء السلال، مؤسس الشركة، في رحلة بحث مستمرة لتحسين خدماتها وخدمة العملاء من خلال تقليل الوقت المستغرق لتسليمهم الكتب. ولتحقيق ذلك أدرك علاء أنه سيضطر إلى إحداث ثورة نوعية في صناعة النشر في المنطقة. لذا قرر الاستثمار في خدمة الطباعة عند الطلب وقام باستئجار الآلات المطلوبة مع خطط لإنشاء هذا المرفق في الأردن.ولكن للأسف، وجد علاء أن البيئة التنظيمية المحلية لم تكن داعمة لهذا الأمر. فالأردن تفرض رسوماً جمركية على الورق المستورد، ولكن ليس على الكتب، مما يجعل استيراد الكتب إلى الأردن أقل تكلفة من طباعتها فيه. ومع مبيعات محلية تشكل أقل من 10% من مبيعات جملون، وإن ارتأى علاء تصدير الكتب من الأردن، فإنه لن يتمكن من منافسة أسعار الكتب المطبوعة في لبنان أو مصر حيث تزدهر هناك صناعة النشر. مما جعل علاء يتخذ قراره بنقل خط الإنتاج إلى دبي.
ومن التحديات الأخرى التي نسمع عنها في كثير من الأحيان فيما يتعلق بدائرة الجمارك، أن المدة الزمنية التي تستغرقها عملية انجاز البيانات الجمركية في الأردن قد تصل إلى 30 يوماً. هذا يشكل إطاراً كبيراً من حالة الشك وعدم اليقين لتعمل الشركات من خلاله. إذا ما قمنا بمقارنة ذلك مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لوجدنا أنها أعلنت مؤخراً تقليص الوقت المخصص لعملية انجاز البيان الجمركي من 20-40 دقيقة، ليصبح 4-5 دقائق!!
- حتى عندما تكون هناك قوانين وأنظمة جيدة، فيأتي العجز عند التنفيذ والتطبيق
في كثير من الأحيان يشعر رواد الأعمال أنهم تحت رحمة موظف الجمارك أو البلدية أو الدائرة الضريبية الذي تحط معاملاتهم على مكتبه، أو مَن مِن الموظفين يقرر زيارة شركاتهم، أو الحالة المزاجية لهم في ذلك اليوم.
تامر المصري هو مؤسس جوبدو، وهي منصة للفنانين العرب الشباب للتعبير عن أنفسهم، من خلال طباعة تصاميمهم على قمصان تباع عبر الإنترنت ومن خلال متاجر البيع بالتجزئة. قررت جوبدو في العام الماضي وضع التصاميم على سلاسل مفاتيح تم تصنيعها في الصين. قامت دائرة الجمارك عندها بحجز الشحنة لعدة أشهر بحجة أن بعض التصاميم غير ملائمة للثقافة الأردنية. وبعد أشهر من المراجعة ذهابا وإيابا دون جدوى، تم إرسال الشحنة إلى الإمارات العربية المتحدة. وقام بعدها تامر بطلب نفس الشحنة لنفس التصاميم، وهذه المرة لم يكن لدى موظف الجمارك مشكلة مع التصاميم وها هي الآن تباع في متاجر جوبدو.
- تشكل التشريعات غير الواضحة والمتداخلة والمتغيرة في كثير من الأحيان رادعا للمستثمرين وتؤدي إلى تصور متزايد للمخاطر
في عام 2015 فاجأت الحكومة صناعة الملابس بإعلانها بين عشية وضحاها خفض الضرائب على الملابس من 16% إلى 8%. وبالطبع لا أحد سيشكو من انخفاض مفاجئ في الضرائب.لكن بعد مرور عام واحد فقط، ومرة أخرى دون أي سابق انذار، قامت الحكومة بعكس القرار السابق لتعود الضرائب مرة أخرى إلى 16%.
- هناك حالة انفصال بين الجهات الحكومية المختلفة
لا يوجد اتجاه واضح يتم التواصل بشأنه لتعمل جميع الجهات الحكومية وموظفيها بموجبه. ولا يبدو أن البيئة القانونية والتنظيمية بأكملها مرتبطة برؤية طويلة الأجل للوجهة التي يسير نحوها الأردن.
على سبيل المثال، تتعامل صناعة المطاعم مع 12 جهة حكومية مختلفة، مما يجعل قطاع الضيافة يشعر وكأنه هناك حرب بين القطاعين العام والخاص. إحدى شركات “إنديفور” هي مجموعة مطاعم ايت “EAT” ولديها 15 فرعا في الأردن.
يشارك عمر الطباع قصصاً تتعلق بالصراعات والتحديات لفتح فروع جديدة وتشغيلها نظراً لعدم وضوح الإجراءات والأوراق المطلوبة لترخيص الأفرع الجديدة. حيث أنه ليس هناك تناسق أو وضوح في كيفية تطبيق الإجراءات والتشريعات التي لا يمكن التنبؤ بها، مما يصعب من مهمة التخطيط. على النقيض من ذلك، افتتحت المجموعة حالياً فرعها الثالث في دولة الإمارات. ويصف عمر الاجراءات هناك بأنها ميسرة إلى حد كبير بدرجة تسمح لرواد الأعمال بتوقع الزمن والتكلفة المرتبطين بخطط التوسع على نحو أكثر فعالية.
ما الذي يمكن للحكومة عمله لتحسين الأمور؟
على الرغم من كوننا بعيدون كل البعد عن الاعتقاد بأن تحسين مناخ الأعمال في الأردن هو مسؤولية الحكومة وحدها، هناك خطوات صغيرة لها مفعول طويل الأمد في جعل الأردن بيئة أكثر جاذبة للأعمال. نورد أدناه بعضاً من التوصيات التي نتجت عن مناقشات المائدة المستديرة التي جرى تنظيمها في وقت سابق من هذا العام.
- يجب أن تكون هناك استراتيجية اتصال واضحة للقضاء على حالة الانفصال بين القطاعين العام والخاص من جهة، وداخل المؤسسات الحكومية وفيما بينها من جهة أخرى. وينبغي أن تكون رؤية الحكومة واضحة لجميع موظفي القطاع العام لنتحدث جميعاً بلغة واحدة.
- ثمة ضرورة لوجود اجراء يضمن استشارة القطاع الخاص بشأن القوانين والأنظمة التي تؤثر على صناعاته.
- عند سن القوانين والتشريعات، علينا أن نكون قادرين على الالتزام بعدم المساس بها وتغييرها لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
- يحتاج الأردن إلى معالجة الثغرات في البيئة التنظيمية، لا سيما بما يتعلق بقوانين الإفلاس والإعسار. وعلاوة على ذلك، نحتاج إلى ضمان ألا يشكل قانون العمل لدينا عائقا أمام الإنتاجية.
- تحتاج الإجراءات التي تؤثر على سهولة ممارسة الأعمال التجارية في الأردن إلى تبسيط بحيث يمكن لرواد الأعمال التركيز على التحديات الفعلية للأعمال وعلى تنمية أعمالهم.