خاص – entrepreneuralarabiya.com
بقلم جون ج. هاردي، رئيس استراتيجيات العملات الأجنبية لدى ’ساكسو بنك‘
مقدّمة: سنركّز في الربع الثاني على ثلاثة محاور رئيسية كالتالي: أولاً، إعادة تقييم اليورو على خلفية انحسار المخاطر السياسية الأوروبية. ثانياً، تباطؤ الاقتصاد الصيني وتأثيره على العملات المرتبطة بالسلع وعملات الأسواق الناشئة. ثالثاً، الشكوك حول مستقبل الدولار الأمريكي على اعتبار أن الرئيس الأمريكي إما سيواصل مواجهة العراقيل أو سيعمل على تعزيز ما بات يعرف باسم “سياسة ترامب التجارية”، حيث شهدت سياساته تعثراً كبيراً خلال الشهرين الأوليين من توليه لمنصبه.
اقتباسات:
“من المحتمل أن يشهد الربع الثاني للعام 2017 تراجعاً أكبر لحالة الغموض على الصعيد السياسي في الاتحاد الأوروبي، لا سيما مع دخول الانتخابات الفرنسية مرحلتها التالية”.
“قد تستغرق عملية خروج المملكة المتحدة سنوات عديدة، وهو ما قد يدفع السوق تدريجياً إلى خفض الحسومات التي تقدّمها تحت عنوان حالة انعدام اليقين”.
اقتباس رئيسي: “مزيد من التقلّبات في سوق الفوركس”
تراجعت تقلبات الفوركس بشكل ملحوظ في الربع الأول من عام 2017، على الرغم من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والغموض الذي يكتنف سياسة الاتحاد الأوروبي قبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل / مايو، وكذلك عجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن المضي قدماً في تنفيذ ما قطعه من وعود في حملته الانتخابية، وتكريس جهوده للهجوم على وسائل الإعلام، واتهامه الآخرين بالتآمر عليه.
ومن المحتمل أن يشهد الربع الثاني من عام 2017 تراجعاً في حالة انعدام اليقين على صعيد سياسة الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأننا مقبلون على المرحلة التالية من الانتخابات الفرنسية، بينما تساهم أسعار السوق الملائمة في عودة النمو الأوروبي. أما في الولايات المتحدة فيجب أن نرى إذا ما إذا كان ترامب سيبقى عالقاً نظراً لعجزه عن التعامل مع “المستنقع السياسي” في واشنطن، أم أنه سينجح في حشد الأغلبية الاستثنائية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب لتمرير السياسات التي طال انتظارها والتي من المحتمل أن تعزز قوّة الدولار الأمريكي.
على أي حال، نعتقد أن الهدوء الملحوظ في التقلبات خلال الربع الأول (والذي أدى في بعض الأحيان لهبوط تقلبات خيارات الفوركس إلى أدنى مستوياتها منذ 2014)- سيفضي إلى حالة سوق أكثر تقلباً، وذلك استناداً إلى معطياتنا عن الأحداث الرئيسية، مع وصول مستويات الإقبال على المخاطر للربع الحالي إلى أقصى حدودها في الربع الأول.
سياسة ترامب التجارية… تعثرت ولكن لم تنته؟
بالحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية، استهل ترامب مشواره الرئاسي مواجهاً صعوبات جمة لإقناع السوق بأن وعود حملته ستتبلور على شكل سياسات حقيقية في أي وقت في المستقبل المنظور. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه العقبات، ما زال ترامب يتمتع بالأغلبية في كلٍ من مجلس الشيوخ والنواب، والتي تبقى شرطاً أساسياً لصياغة السياسات.
وبالنظر إلى الدورة الانتخابية المقبلة في 2018، يدرك الحزب الجمهوري أنه سيكون محطاً للوم أو المدح (تبعاً للوضع الاقتصادي في ذلك الوقت) عن سياسات ترامب، وحتى الجمهوريون المناهضون لترامب سيحاولون على الأرجح الحصول على مكاسب بناءة مع ترامب خلال الفترة الانتقالية. ولذلك لن نعول على انتهاء حظوظ ترامب، بالرغم من أن التوقيت لا يزال غير مؤكد.
ومن المفترض أن يتيح الربع الثاني أرضية أكثر رسوخاً لتكوين التوقعات بعد فترة مطولة من الفشل منذ تنصيب ترامب؛ ونشير إلى أننا نركّز على ترامب قبل مناقشة بنك الاحتياطي الفيدرالي، إذ نتوقع أن تعديلات الاحتياطي الفيدرالي على الإرشادات الحالية (مع تحديده في أواخر مارس قيمة أربعة خطوات قادمة لرفع أسعار الفائدة على مدى الأشهر الـ18 المقبلة) سوف تقتصر فقط على أي مفاجآت في البيانات أو على السياسات الجديدة التي تنتهجها إدارة ترامب.
وثمة مخاطر باتجاهين بالنسبة للدولار الأمريكي خلال الربع الثاني يتوقف معظمها على ترامب، على الرغم من أن احتمال صعوده قد ازداد بسبب الشكوك المتنامية في السوق.
انتعاش اليورو؟
نجح اليورو في اجتياز حالة انعدام اليقين السياسي التي شهدها في الربع الأول من 2017، وهذا مردّه إلى قوة البيانات الواردة من مختلف أنحاء أوروبا، وتصريح رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، بأن المنظور تحسّن بما فيه الكفاية، وأنّه يجدر بالمركزي الحد من قلقه إزاء مخاطر الهبوط.
وقد اتخذت السوق خطوة أبعد من ذلك عبر البدء بتحديد قيمة أول عملية رفع لسعر الفائدة من البنك المركزي الأوروبي بحلول مطلع العام القادم. وبالنظر إلى منحنى العائدات، فقد ارتفعت معدلات الفائدة الأوروبية بالفعل أكثر من نظيراتها في الولايات المتحدة خلال الربع الأول، مما أبقى اليورو بعيداً عن المستويات المتدنية التي شهدها مع دخول العام الجديد. ومن المرجح أن يكون هناك مزيد من الارتفاع في معدلات الفائدة إذا ما خفّت حدة المخاوف حيال الانتخابات الفرنسية مع تراجع زخم مرشحة اليمين مارين لوبان، وكذلك إذا ما شهدنا المزيد من التعديلات على توقعات أسعار الفائدة خارج إطار المنحنى في انتظار قيام البنك المركزي الأوروبي بتخفيضها.
ويجدر التنويه إلى إحدى المسائل الهامة على المدى الطويل (رغم أنه قد يكون من السابق لأوانه الحديث عنها في الربع الثاني) تتمثّل في كيفية تعامل البلدان المحيطية الأوروبية، وأهمها إيطاليا، مع تخفيضات المركزي الأوروبي التدريجية إذا لم يكن ثمة جهد للشروع في إصدار سندات الاتحاد الأوروبي؟ للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، ندعوكم لقراءة توقعاتنا عن أداء الفرنك السويسري …
الصين تشدد الخناق على نمو الائتمان…ما المضاعفات؟
ضخت الصين سيولة هائلة في منظومتها الاقتصادية خلال عامي 2015 و2016 لتنشيط النمو وتفادي حدوث أزمة ائتمانية. كما خفضت من قدرات القطاعات الرئيسية مثل الفحم والصلب بهدف دعم الأسعار وتجنب الضغط على الشركات المملوكة حكومياً والمثقلة بالديون. وعلى مدى الأشهر القليلة المنصرمة قامت الصين أيضاً بالحد من مخصصات السيولة وشددت الشروط الائتمانية مع دخول الربع الثاني.
ولا تقتصر أهمية التوجهات الائتمانية الصينية على الصين فقط، بل تعتبر هامة للنشاط الاقتصادي العالمي. ومن المرجح أن يكون لسحب السيولة أثر متزايد في الربعين الثاني والثالث، ما قد يفضي إلى بدء تراجع حدّة الحماس على السلع والاقتصادات المرتبطة بالصين.
ومن ضمن عملات مجموعة الدول السبع الكبار، سوف نخص بالذكر أستراليا، على اعتبار أن الصين تمتلك الآن مخزونات هائلة من أهم الصادرات الأسترالية، ألا وهي فلذات الحديد الخام. ويشار هنا إلى أن حماسة الإقبال على الأسواق الناشئة يمكن أن تنخفض في العموم كنتيجة لبوادر تباطؤ النمو الصيني.
بنك اليابان مقبل على صعوبات..
لم يكن بنك اليابان يحلم بتوقيت أكثر إيجابية عندما تحول إلى سياسة التحكم في منحنى العائد، إذ تزامنت الخطوة مع ارتفاع كبير في عائدات الولايات المتحدة، ما أدى إلى اتساع الهوّة بين اليابان وبقية دول العالم، ودفع باتجاه إجراء تعديلات على العملة اليابانية أكثر من سوق السندات.
وفي أواخر الربع الأول انتعش الين الياباني في ظل ظروف قاسية مع ضعف في الإقدام على المخاطر، ما أدّى أيضاً إلى انخفاض حاد في عائدات الولايات المتحدة مع بوادر التعثر التي بدت على سياسة ترامب الاقتصادية. وأكدت هذه الظروف مدى حساسية الين الياباني للعائدات والإقبال على المخاطر على حد سواء، وهما عنصران غالباً ما يتحركان معاً في الأوقات التي تسودها أجواء من التوتر. وإذا ما شهدنا مزيداً من الإحباطات من حيث عدم إحراز أي تقدم في سياسة ترامب التجارية، وكذلك في انتعاش التجارة العالمية (من المحتمل أن يكون ذلك مرتبطاً بمخاوف الصين) مع حدوث تصحيح واضح في الإقبال على المخاطر، فإن هذه العوامل جميعها قد تسمح للين الياباني بتحقيق مكاسب قوية في بعض الأحيان خلال الربع الثاني، لاسيما مقابل العملات التي شهدت شعبية أكبر خلال الأشهر الـ15 الفائتة، مثل عملات الأسواق الناشئة والعملات المرتبطة بالسلع.
أما على الجانب الآخر، فإذا ما ارتفعت العائدات مرة أخرى وظلت التوقعات العالمية ثابتة، فقد يضطر بنك اليابان خلال الربع الثاني إلى القيام بما فعله البنك المركزي الأوروبي في الربع الأول، أي الاعتراف بأن الاقتصاد المحلي يتحسن، ما يعني في نهاية المطاف وجوب الاعتراف بضرورة تعديل الإطار العام للسياسة النقدية.
وبشكل عام، قد يكون انخفاض الين الياباني محدوداً في إطار كلٍ من السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة.
الجنيه الإسترليني- ترقّب حذر
وفقاً لكافة الحسابات، يبدو الجنيه الاسترليني رخيصاً جداً في التداولات التجارية، على الرغم من أنه كان أضعف بكثير مقابل اليورو خلال الأزمة المالية العالمية. ومن المؤكد أن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني له مبرراته نظراً للعجز المزدوج الكبير في المملكة المتحدة، وحالة انعدام اليقين التي تخيّم على عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. ونعتقد أن المملكة المتحدة سوف تحصل في نهاية المطاف على صفقة معقولة مع القارة العجوز، ونرى بأن احتمالات صعود الجنيه الاسترليني على المدى الطويل تعتبر كبيرة من حيث أسعار الصرف عند النظر إلى الصورة الكاملة.
وتتمثل المشكلة الأساسية بالنسبة لنا في التوقيت. فهل حان الوقت الآن؟ أم يتعيّن علينا الخوض في مزيد من التفاصيل حول النقاط الشائكة في مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؟ ولا بد من الإشارة إلى أن هذه العملية لن تتم بشكل جدي إلا بعد الانتخابات الألمانية، وإذا ما شهدت تلك الانتخابات منافسة محتدمة فلن يكون بوسع السوق تحديد الجانب الذي ستتفاوض معه لندن.
والأهم من كل ذلك هو أن عملية خروج المملكة المتحدة قد تستغرق سنوات عديدة حتى تتضح ملامحها، وهذا قد يدفع السوق إلى خفض “حسومات انعدام اليقين” بالتدريج.
بقية العملات
كان أداء الفرنك السويسري محبطاً لكلٍ من المستثمرين والمتداولين في سوق الفوركس على مدى فترة طويلة؛ إذ بقي يرزح تحت ضغط متصاعد بما فيه الكفاية، ما دفع البنك الوطني السويسري لمواصلة التدخل بشدة للحيلولة دون هبوط سعر صرف اليورو-الفرنك إلى مستوياته أدنى (علماً أن هذا السعر كان يشهد حالة من الجمود).
ومن المحتمل أن العائق الرئيسي أمام طالبي الملاذ الآمن (الذين يتطلعون إلى الحد من مدخراتهم المكلفة بالفرنكات السويسرية نظراً لحملها السلبي) لا يتمثل في الانتخابات الفرنسية، وإنما في التوقعات السياسية طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن حقيقة أن المخاطر الوجودية ستبقى قائمة طالما أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع إصدار السندات المشتركة لحل أزمة الديون.
على سبيل المثال، هل سيكون من السهل على إيطاليا أن تسدّد 600 مليار يورو من ديونها السيادية المستحقة بين 2018 و2021 دون تيسير كمي من جانب البنك المركزي الأوروبي؟ قد لا تشرّع الأبواب أمام سندات الاتحاد الأوروبي إلا إلى ما بعد الانتخابات الألمانية في خريف هذا العام، حيث سيمهد انتصار شولتز في حال حدوثه الطريق لتعزيز التزام ألمانيا باتحاد أوروبي أكثر تكاملاً من الناحية المالية. وفي حين يبقى من الصعب التكهّن بالاحتمالات، غير أن هذا السيناريو يبدو أكثر ترجيحاً من أي وقت مضى، لاسيما في ظل قيادة وزير المالية شويبل.
وقد يكون الإعلان عن السندات المشتركة للاتحاد الأوروبي بادرة تنبئ بوصول سعر اليورو مقابل الفرنك السويسري إلى 1.20 أو أعلى بكثير.
الدولار الأسترالي، الدولار الكندي، والدولار النيوزلندي – أبدت دولارات السلع الأساسية أداءً مثيراً للاهتمام في الربع الأول، ويمكن أن نشهد تواصل هذا المنحى خلال الربع الثاني، فقد بدأ الدولار النيوزلندي بالتراجع عن قيمته المفرطة، في حين سيتمتّع الدولار الكندي على أساس نسبي بسعر أقل مما هو مفترض إذا ما أعيد العمل بسياسة ترامب التجارية، أو حتى لو لم يحدث ذلك. ونشير أيضاً إلى المخاطر التي يشهدها الدولار الأسترالي جرّاء تقلبات السوق السكنية الأسترالية؛ حيث تشدّد البنوك الأسترالية معايير الائتمان، كما أن الزخم الصيني قد يستمر في التباطؤ، لذا قد يكون كلّ من هبوط الدولار الأسترالي مقابل الدولار الكندي وارتفاع اليورو مقابل الدولار النيوزلندي بمثابة مثالين على الأحداث التي يمكن أن تطرأ استناداً إلى توقعاتنا للربع التالي.
الكرون النرويجي والكرون السويدي – نميل إلى تفضيل الكرون السويدي أكثر من اليورو على أساس القيمة النسبية، ولأن السويد بشكل عام تستفيد من الاقتصاد الأوروبي عبر منظوماتها الاقتصادية القائمة على التصدير. بالإضافة إلى ذلك، فإن البنك المركزي السويدي يبتعد عن اتباع المنهجيات الملطّفة. وبالمقابل يبدو الكرون النرويجي أقل جاذبية في ظل التراجع القوي في توقعات التضخم الصادرة عن بنك النرويج خلال الربع الأول. ونتوقع أن تظل أسعار النفط تحت الضغط جرّاء الارتفاع الكبير في المعروض.
عملات الأسواق الناشئة- بعد انقطاع كبير إثر انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر الماضي، ارتفعت عملات الأسواق الصاعدة بشدة في الربع الأول، نتيجةً للارتفاع الكبير في مطلع عام 2016. وكان البيزو المكسيكي الرابح الأكبر؛ حيث تعبت السوق أخيراً من التقريع المستمر من جانب ترامب (والذي كان له نتائج عكسية على أهداف ترامب الرامية إلى إضعاف قدرة البيزو على منافسة الدولار الأمريكي). وأدت الخطابات المدروسة من جانب المسؤولين في إدارة ترامب إلى نشوء اهتمام كبير بالبيزو في الربع الماضي.
وتمثلت أبرز الدعائم الرئيسية للأسواق الناشئة وتجارة النقل على كافة الأصعدة في التراجع العام للدولار الأمريكي إلى جانب غياب المخاوف من أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتسريع وتيرة رفع سعر الفائدة. ومن هنا، فإن توقع مزيدٍ من الارتفاع للأسواق الناشئة يبدو صعباً نظراً للتعديلات الهائلة، مع دنو المستوى العالمي للإقبال على المخاطر من مستوياتٍ عالية غير مسبوقة.
كما ينتابنا القلق من أن يؤثر سحب السيولة الصينية على توقعات عملات الأسواق الناشئة في الربع الثاني والثالث، مما يحدّ الإقبال والحماسة على النشاط التجاري.