في حال اعتمد العالم التكنولوجيا المثبتة حالياً فقط ــ وليس المتوقع إثباتها ــ فإن نصف الوظائف، التي تشكل 15 تريليون دولار كأجور في الاقتصاد العالمي، لديها القدرة على أن تتحول الى الأتمتة، لكن أقل من 5% من جميع المهن يمكن أن تصبح آلية بالكامل، في حين أن 60% من جميع المهن لديها على الأقل نسبة 30% لأن تصبح أنشطتها مؤتمتة، وفق تقرير جديد لشركة «ماكنزي»، المتخصصة في مجال استشارات الأعمال، درست فيه إمكانية الأتمتة في أكثر من 2000 نشاط في 800 مهنة
يقول تقرير حديث صادر عن شركة “ماكنزي”، المتخصصة في مجال استشارات الأعمال، إن الأنشطة الأكثر عرضة للأتمتة تشمل 81% من الأنشطة الجسدية في بيئات منظمة للغاية ويمكن التنبّؤ بها، فضلاً عن 69% من أنشطة معالجة البيانات و64% من أنشطة جمع البيانات، وتعد هذه الانشطة الأكثر انتشاراً في مجال التصنيع، السكن، الخدمات الغذائية وتجارة التجزئة وتشمل بعض الوظائف المتوسطة المهارات.
نصف الوظائف لديها القدرة على أن تتحول الى الأتمتة، لكن أقل من 5% من جميع المهن يمكن أن تصبح آلية بالكامل. في المقابل، لا يزال البشر حتى اليوم أفضل من الروبوتات في أمور أخرى هي: اكتشاف أنماط جديدة، التفكير المنطقي والإبداع، التنسيق بين وكلاء متعددين، فهم اللغة الطبيعية، تحديد الحالات الاجتماعية والعاطفية والاستجابة لها وعرضها، والتحرك في بيئات متنوعة. وتشير تقديرات الشركة إلى أن نصف أنشطة العمل اليوم يمكن أن يكون آلياً بحلول عام 2055، ولكن هذا يمكن أن يحدث قبل 20 عاماً أو بعد 20 عاماً تبعاً لعوامل مختلفة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية.
هل ستأخذ الروبوتات عملنا؟
ما يمكن قوله هو ان الروبوتات قادمة لا محال، “لكن ليس بين ليلة وضحاها”، وفق التقرير. ورغم محاولة التقرير التخفيف من هول “سرقة” الروبوتات للوظائف حالاً، إلا أنه يشير إلى أنه مع التطورات الأخيرة في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، فإن التكنولوجيا لن تفعل فقط الأشياء التي كنا نظن أن البشر فقط يمكنهم القيام بها، إذ إنها يمكن أن تقوم بها بمستويات خارقة من الأداء. بعض الروبوتات التي هي أكثر مرونة من تلك المستخدمة في بيئات التصنيع اليوم يمكن أن يتم “تدريبها” من قبل موظفي الخطوط الأمامية لأداء المهمات التي كان يعتقد في السابق أنها صعبة للغاية على الآلات، حتى إن بعض الروبوتات بدأت تستحوذ على أنشطة الخدمات، من طبخ الهمبرغر إلى توزيع الأدوية في صيدليات المستشفيات. في الواقع، تطوَّر الذكاء الاصطناعي نحو خطوات رئيسية: في أحد الاختبارات مؤخراً، تمكنت الكمبيوترات من قراءة الشفاه بدقة 95%، متفوّقة على قرّاء الشفاه المحترفين الذين يملكون دقة 52% في قراءة الشفاه. إن معالجة اللغة الطبيعية، وهي مجال في علم الحاسوب والذكاء الاصطناعي يهتم بالتفاعل بين الكمبيوتر واللغات الانسانية، تعد التكنولوجيا الرئيسية نحو تطوير الروبوتات، فكلما تطورت بشكل سريع باتت المهمات المؤتمتة أكثر.
سيكون للأتمتة تأثيرات واسعة النطاق، في مناطق جغرافية وقطاعات مختلفة. لكن على الرغم من أنها ظاهرة عالمية، فإن أربعة اقتصادات هي الصين والهند واليابان والولايات المتحدة الأميركية ستشكل ما يزيد قليلاً على نصف مجموع الأجور وما يقرب من ثلثي عدد الموظفين الذين سيتأثرون بأتمتتة الأنشطة، وفق تحليل “ماكنزي”.
تختلف إمكانية الأتمتة داخل البلدان تبعاً لنوعية القطاعات ونوعية النشاطات داخلها:على سبيل المثال، الصناعات مثل الصناعات التحويلية والزراعة اللتين تشملان أنشطة جسدية متوقعة، لديها إمكانيات فنية عالية لتصبح آلية، لكن انخفاض معدلات الأجور في بعض البلدان النامية يمكن أن يحد من اعتماد الأتمتة. الصين والهند تمثلان معاً أكبر إمكانية للأتمتة، إذ ستؤثر الأتمتة على أكثر من 700 مليون موظف بدوام كامل بسبب الحجم النسبي للقوى العاملة. كذلك يظهر التقرير أنه في أوروبا سيرتبط أكثر من 62 مليون موظف، وأكثر من 1.9 تريليون دولار أجوراً، بالأنشطة المؤتمتة في 5 اقتصادات هي فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، وبريطانيا. عالمياً، يقول التقرير ان 1.2 مليار موظف معرضون لفقدان وظائفهم بسبب الأتمتة، ما يساوي 14.6 تريليون دولار أجوراً.هل تكون الروبوتات حلاً لمشكلة الديموغرافيا؟
رغم الأرقام الضخمة التي يعرضها التقرير، والتي تعدّ تهديداً جدياً لوظائف الناس، تصل الشركة إلى نتيجة مناقضة يدور حولها عالمياً جدل كبير. ففي حين أن الكثير من النقاش الدائر حالياً حول الأتمتة يركز على احتمال ارتفاع معدلات البطالة، بناءً على وجود فائض من العمالة البشرية، يقول التقرير “إن اقتصاد العالم في الواقع سيحتاج الى كل جهد من اليد العاملة البشرية، بالإضافة إلى الروبوتات، للتغلب على اتجاهات الشيخوخة الديموغرافية في كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية”، لكن كيف؟
يشرح التقرير أن نمو الناتج المحلي الإجمالي كان نشطاً على مدى نصف القرن الماضي، مدفوعاً بمحركين اثنين: نموّ العمالة وزيادة الإنتاجية، اللذان ساهما تقريباً في نفس المبلغ. ومع ذلك، فإن تراجع معدلات الولادة والاتجاه نحو الشيخوخة في كثير من الاقتصادات المتقدمة وبعض الاقتصادات الناشئة يعنيان أن ذروة العمل سوف تحدث في معظم البلدان في غضون 50 عاماً. الانخفاض المتوقع في نسبة السكان في سن العمل سيخلق فجوة في النمو الاقتصادي: ما يقرب من نصف مصادر النمو الاقتصادي (نمو العمالة) في نصف القرن الماضي ستتبخر مع تقدم السكان في العمر. حتى في المعدلات التاريخية لنموّ الإنتاجية، فإن النمو الاقتصادي يمكن أن يصل الى النصف تقريباً. لذلك فإن الأتمتة يمكن أن تعوض على الأقل بعض من هذه الاتجاهات الديموغرافية. يقدّر التقرير أن الإنتاجية التي قد تضيفها الأتمتة الى الاقتصاد العالمي تتراوح بين 0.8 و1.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً، على افتراض أن العمال المستبدلين بالأتمتة سينضمون مجدداً إلى قوة العمل ويكونون منتجين كما كانوا عام 2014. وبالنظر إلى تأثير استبدال العمالة وحدها، يحسب التقرير أنه بحلول عام 2065، يمكن للأتمتة أن تضيف نمواً في الإنتاجية في أكبر الاقتصادات في العالم، وهذا ما يعادل 1.1 مليار الى 2.3 مليار عامل اضافي بدوام كامل. نموّ الإنتاجية المحقق من الأتمتة يمكن أن يضمن استمرار الازدهار في الدول العجوز ويوفر دفعة إضافية لتلك التي تنمو بسرعة. لكن الأتمتة وحدها لن تكون كافية لتحقيق تطلعات النمو الاقتصادي على المدى الطويل في جميع أنحاء العالم. لذلك، سوف تكون هناك حاجة إلى تدابير إضافية لزيادة الإنتاجية، بما في ذلك إعادة صياغة العمليات التجارية أو تطوير منتجات وخدمات جديدة.
بيل غايتس يطالب بـ«ضريبة الروبوتات»
“إذا كان العامل في مصنع ما ينتج ما قيمته نحو 50 ألف دولار، فإن هذا المبلغ يخضع للضرائب: فيكون هناك ضريبة على الدخل، ضريبة للضمان الاجتماعي وغيرها من الضرائب. إذا أتت الروبوتات وقامت بالعمل نفسه فيجب إخضاعها للضرائب في المستوى نفسه”، هكذا صرّح مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غايتس في مقابلة مع Quartz. يرى غايتس أن اختيار المزيد من الصناعات الأتمتة عوضاً عن التوظيف ودفع الأجور للعمال لا يعني إلغاء ضريبة الدخل، إذ إن على الروبوتات العاملة أن تدفع الضرائب مثل البشر من أجل الحفاظ على تمويل العديد من الخدمات الاجتماعية. فالشركات توفر الكثير من المبالغ سنوياً من خلال الانتقال إلى الآلات، ما يخلق فجوة كبيرة حيث إن الأرباح الإضافية الناتجة من الآلات لا تخضع للضرائب، وبالتالي فرض ضريبة الروبوتات من شأنه تعويض فقدان الوظائف في العديد من الصناعات.
ورداً على تصريح غايتس، سأل بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي: إذا كان يجب إخضاع الروبوتات للضرائب جراء الإنتاجية الإضافية التي تضيفها للشركات، أفلا يجب إذاً إخضاع البرامج التي تنتجها مايكروسوفت للضرائب جراء الإنتاجية التي أضافتها؟
للاطلاع على المقابلة:
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | Eva_choufi@