خاص – entrepreneuralarabiya.com
بقلم ستين جاكوبسن، كبير الاقتصاديين والرئيس الأعلى للمعلومات لدى ساكسو بنك
- سياسات ترامب الاقتصادية تنطوي على عيوب عديدة ولا تتعامل بالشكل الصحيح مع موضوع التوظيف
- من المرجّح أن تكون فترة حكم ترامب شبيهة بحكم الرئيس الأسبق نيكسون
- ثمة احتمال كبير بأن تكون موجة بيع السندات الحالية مجرّد حالة عابرة
في حين يعتبر دونالد ترامب شخصية لافتة للاهتمام، ولاسيما عند مقارنته بنظرائه من سياسيي القرن الحادي والعشرين، غير أنّ المستثمرين يجب أن يركّزوا على ما يفعله وليس ما يقوله. : Wikimedia Commons
بعد شهر أمضيته في السفر حول أوروبا بهدف اللقاء مع العملاء والمستثمرين، توصلت إلى مجموعة من الاستنتاجات بناءً على الحوارات الغنية التي أجريتها.
مما لا شك فيه أن الرئيس ترامب يمثّل لغزاً حتّى بالنسبة لمن يعرفه عن قرب، فشخصيته في أحسن الأحوال تعتبر عشوائية وفي أسوأ أحوالها “قهرية”، غير أن قدرته على “تسيير الأمور” رغم كل ذلك تذهلني بحق؛ حيث أقنع بأسلوبه الكثير من المستثمرين الذين أحترمهم بمفهوم “الروح الحيوانية”، وهو المفهوم الذي غرسه فينا (نحن معشر الاقتصاديين) أدم سميث من خلال فكرته حول الاقتصاد “الحر”.
(بالطبع كان ذلك هو “النموذج” الوحيد قبل قيام كارل ماركس بتعريف الرأسمالية والشيوعية).
ولكن هناك مشكلة واحدة في استحضار ترامب لهذه المفاهيم، ألا وهي أن الاقتصاد الحرّ يعتبر النقيض المباشر لأفكاره! فمن وجهة نظر ترامب تقتضي “الروح الحيوانية” إجبار الشركات (بطريقة دبلوماسية) على مواصلة تأمين فرص العمل في الولايات المتحدة رغم التأثير السلبي لذلك على أرباحها، وإنتاجيتها، ونموّها طويل الأمد.
وأرغب أيضاً بأن أرى الكيفية التي سيتبّعها الرئيس ترامب في “توفير فرص العمل” ضمن منظومة اقتصادية تشكل “سوق العمل الساخنة” فيها إحدى أهم مثارات اهتمام بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره؛ إذ أن معدلات البطالة الأمريكية تعتبر في الوقت الراهن أخفض من متوسطها التاريخي.
وأستطيع أن أنصح الرئيس ترامب بما يلي في هذا السياق: يجب ألّا يتمحور التركيز حول توفير فرص العمل كهدف بحد ذاته، وإنما تعزيز مستوى إنتاجية الولايات المتحدة بشكل عام، وذلك لأن رفع مستويات الإنتاجية سيثمر عن رفع الأجور، وبالتالي رفع جودة الوظائف المتاحة.
فكرة أخرى
ثمّة رابط شبه كامل بين الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية، وفي هذا المجال تسير سياسة ترامب في الاتجاه المعاكس تماماً للحل “المفضّل”، والذي يتمثل في الإقدام على استثمارات كبيرة في الأبحاث الرئيسية، مع تعزيز المنافسة وتحسين النظام التعليمي الأمريكي (وهو الأهم على الإطلاق).
بدلاً من ذلك سيحاول الرئيس الجديد إجبار فرص العمل على البقاء في الولايات المتحدة، ولكن جودتها ستكون محكومة بالمفهوم الخاطئ لـ”إبقاء القطاعات على قيد الحياة”، وهو مفهوم يفضل بطبيعة الحال إيلاء مزيد من الاهتمام للقطاع التصنيعي (ولو بتكاليف هامشية أعلى) أكثر من التحوّل إلى مجالات أكثر تنافسية وإنتاجية.
ويعكس ذلك محاولة يائسة من ترامب للعودة إلى القاعدة الصناعية التي قامت عليها الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات.
هل نحن أمام “نيكسون الثاني”؟
لطالما قلتُ بأن الطريقة الأمثل لفهم دونالد ترامب هي بالنظر مجدداً إلى عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، والذي شهدت الولايات المتحدة خلال حكمه تراجعاً عن تدخلها في الشؤون الخارجية (مبدأ نيكسون)، وتراجعاً في قوة نظام الدولار (قال أمين الخزانة الأمريكية حينها جون كونالي “الدولار لنا، والمشكلة لكم”)، مع اعتماد أجندة ذات توجّه أكثر وطنية، وتراجع في الدبلوماسية عند الحديث، فضلاً عن “الحرب” المتواصلة بين البيت الأبيض وبنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي خسرها الفيدرالي بقيادة رئيسه حينئذ، آرثر بيرنز.
إذاً نحن أمام العديد من القواسم المشتركة، وقد تأكّدت لي نظرتي هذه لي عندما سمعت بأن الأشياء الشخصية التي أحضرها ترامب إلى المكتب البيضوي اشتملت على رسالة من نيكسون. كما أن جولاتي التي أجريتها مؤخراً أكدت لي فكرتي بأن ترامب معجب بالرئيس نيكسون ويحاول تقليده، لا يسعني الكشف عن مصدري كوني تلقيت معلوماتي في إطار قاعدة تشاتام هاوس ولكني أؤكد لكم صحتها.
والسؤال المطروح الآن هو: ما الذي تعلّمناه الآن بعد مرور 3 أسابيع على انتقال ترامب إلى البيت الأبيض؟
لقد نجح في تأكيد الأحاديث والأقاويل حول الانتعاش الأمريكي، ولكن دون أي “أفعال حقيقية”، أي أنّه عند مقارنة ما فعله على أرض الواقع بما قطعه من وعود، سنرى الكثير من الثغرات:
- تمت إعادة توجيه “حظر السفر” إلى المحكمة العليا.
- من المرجح أن يتم استبدال قانون الرعاية الصحية ذي التكلفة المناسبة بدلاً من إلغائه، وذلك في 2018.
- دخلت السياسة الخارجية للبلاد في حالة من التخبط منذ استلام ترامب الذي يحاول لعب دور “الرئيس الحازم” الذي سرعان ما يتراجع عن أقواله (على سبيل المثال، بعد تحديد الصين كهدف رئيسي، فجأة اعترف ترامب بقصور السياسة الخارجية الأمريكية عبر التلميح إلى سياسة “الصين الواحدة”، أي عدم الاعتراف بـ “تايوان”).
- بعد أن كان يؤكد بأن “الناتو عديم النفع”، يعتزم ترامب الآن حضور قمّة الناتو التي تقام في مايو القادم (والتي ستكون بمثابة فعالية تمهيدية مشحونة سياسياً مع انتقال الناتو إلى مقر جديد).
- قطع ترامب بتاريخ 9 فبراير الجاري وعداً بإطلاق خطّة ضريبية “مذهلة، مما أدى إلى ارتفاع في الأسواق مجدداً…
الخلاصة: لا تحكموا على السياسة الأمريكية انطلاقاً مما يقوله ترامب، وإنما بناءً على ما يفعله، فهذا الأمر غاية في الأهمية. لذا تجاهلوا تغريداته على ’تويتر‘ وركّزوا على ما ينفذه قياساً بالوعود الفارغة التي يقطعها.
وعند هذه المرحلة يغدو ترامب أكثر شبهاً بأوباما على صعيد السياسة الخارجية، فيما يركّز جهوده المحلّية على الخطّة الضريبية “المذهلة”، والتي أثارت الكثير من الأسئلة الجديدة أكثر من تقديم الإجابات.
“ما هو الجزء الذي لا تفهمونه من كلمة ’مذهلة‘ أيها القوم؟”: Wikimedia Commons
وعند سؤال شون سبايسر، أمين الشؤون الصحفية للبيت الأبيض، عمّا إذا كان هناك احتمال لاستبدال الخطة المقترحة بخطة أخرى يقترحها الجمهوريون، كانت إجابته على الشكل التالي:
“لا أريد استعجال الأمور، ولكنّ سأقول بأن هذه ستكون المرّة الأولى التي تشهد البلاد فيها إصلاحاً ضريبياً شاملاً منذ زمن طويل جداً…”
لا يتبادر إلى ذهني في هذا الخصوص سوى عبارة تيدويل الشهيرة من فيلم ’جيري ماجواير‘: “أرني المال!”، ومعها نختتم حديثنا عن دونالد!
في هذه الأثناء تزداد السوق ارتباكاً لدرجة أن الاقتصاديين المخضرمين من ذوي الخبرات الممتدة لعقود العديدة يعانون في استخلاص أي وجهة ضمن هذا المشهد، ولكن رغم ذلك يمكننا أن نؤكد دون تردد بأنّه ثمة إجماع عام حول ما يلي:
الملكية: انتعاش، عدم وجود أي بديل، زخم، قوننة لرفع القيود.
الدخل الثابت: تعتبر حالة البيع الشاملة للأرباح مؤقتة، فإمّا أن ينفّذ ترامب وعوده أو أن يتأخر الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة.
الفوركس: سنشهد ارتفاعاً كبيراً في قيمة الدولار الأمريكي، وقد تؤدي الضريبة الحدودية إلى ارتفاع بنسبة 25% في قيمته دفعة واحدة.
الاقتصاد: تأثير محدود على النمو هذا العام، حيث يشير استبيان الإجماع إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2017 و2018 سيبلغ 2.3%، وسيرتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.4-2.5%.
وأنا أحافظ على رأيي ذاته (والذي ينبع بالطبع من كبر سنّي وعدم قدرتي على التأقلم):
يتمحور نموذجي العام حول المفهوم القديم “المحفظة الدائمة”، والذي يعني توزيع الاستثمارات بنسبة 25% على كل واحدة من فئات الأصول الأربعة هذه (السلع، والملكية، والدخل الثابت، والنقد أو العقارات).
وستتم إعادة التوازن إلى 25% سنوياً بعد ذلك- حيث أن المنهجية الحديثة تقوم على تكافؤ المخاطر، ويوضح الشكل التالي “تكافؤ المخاطر” بالمقارنة مع ’ستاندرد آند بورز 500‘، إذ سنرى الإيرادات ذاتها، ولكن مع تقلّبات أقل بكثير.
والآن إليكم منهجية التوزيع لاستثماراتكم التي أقترحها حالياً:
الملكية: 25% (احترام الزخم السائد)
الدخل الثابت: 50% (انظروا المذكرة المرفقة)
السلع: 25% (المكانة القوية للذهب والفضّة)
النقد: لا شيء
وها هنا لمحة عامة عن النظرة والوجهة التي يمكن استخلاصها
مؤشر الدولار الأمريكي: قصير (الأسبوعي)، ما زال متاحاً، ولكن المؤشر اليومي يظهر توحيداً (الشكل البياني)
مؤشر الدولار الأمريكي: طويل (اليومي)، أدّى ترامب إلى تغيير وجهة الدولار (الشكل البياني)
خام غربي تكساس: طويل، استجابة جيّدة للبيانات هذا الأسبوع، ولكن الجوانب التقنية بدأت تبدي بوادر إنهاك (الشكل البياني)
الذهب: طويل (الشكل البياني)
الولايات المتحدة على مدى 30 عام: طويل (أسبوعي)، بالرغم من الخطة الضريبية الموعودة (الشكل البياني)
مؤشّر ’ستاندرد آن بورز‘: طويل، زيادة في التثمين مع زخم قوي (الشكل البياني)
الصين: قصير، ولكن مع بعض الدعم الناتج عن تراجع ترامب في حديثه عن الصين (الشكل البياني)
اليابان: طويل، ولكن ثمة مخاطر كبيرة الأسبوع القادم (الشكل البياني)
مجموعة الأسواق الناشئة: طويل، زخم صاعد كبير (الشكل البياني)
وفي النهاية أتمنى لكم أسبوعاً رائعاً، وسأختتم مع دعابة من وحي ترامب…
– ”كيف يعرف المرء أنّه يقرأ أحد كتب ترامب؟”
– إذا كان الكتاب يبدأ من الفصل 11″