خاص – حنان سليمان:
في 2014، نظمت مؤسسة خيرية هي Global Smile Foundation تدريبا طبيا في لبنان، بالتعاون مع المركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت، يجمع جراحين بريطانيين ولبنانيين مع نظرائهم من سوريا والعراق لدراسة نحو 25 حالة من مرض الشفة الأرنبية. لم يتمكن الجراحون السوريون والعراقيون من السفر إلى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية، وضاعت فرصة التدريب الذي كان مخطط له أن يستغرق أسبوعا بعد قدوم الجراحون البريطانيون واللبنانيون الذين اضطروا لإجراء العمليات الجراحية للمرضى بأنفسهم.
فكرت حينها الجراحة اللبنانية نادين حرم في طريقة لتدريب الجراحين قليلي الخبرة عن بعد والتعاون معهم بشكل يوفر تكاليف العمليات ويوفر أيضا بالنسبة للطلبة المتدربين تكاليف السفر ويتجاوز الصعوبات الأمنية ويمدهم بالخبرة الجراحية اللازمة فطالب الطب لا يجد أمامه فرصا كثيرة لدخول غرفة العمليات بغرض التعلم. خلال رحلتها للتدريب في بيروت، تعرفت على طلال علي، مهندس اتصالات ذو خبرة تمتد لعشرين عاما جاء من بوسطن تطوعا في تسهيل عملية التدريب، وقررا العمل معا لتسهيل تعاون الجراحين سويا من أي مكان في العالم وأيضا لتدريب جراحين في مناطق حرب.. ومن هنا ظهرت Proximie.
تقول د.نادين: “بروكسيمي هي منصة شاملة تجمع الواقع المعزز augmented reality مع بيانات المرضى وتسمح بدخول عدد من الجراحين للتعاون في نفس الوقت في عملية جراحية أو تدريب. دمجنا كل هذا في منصة واحدة تعمل من أي جهاز إليكتروني سواء لاب توب أو هاتف محمول أو تابلت أو حاسب آلي لضمان دمقرطة الاستخدام، فلو فرضنا جهازا بعينه لتشغيل تكنولوجيا جديدة فهذا يعني أننا نستبعد تلقائيا عددا كبيرا من المستفيدين”.
وتشير الإحصائيات إلى الحاجة السنوية لـ143 مليون عملية جراحية إضافية لإنقاذ الأرواح ومنع حدوث الإعاقات بالإضافة إلى وجود 5 مليار شخص يفتقدون إمكانية الحصول على رعاية جراحية وتخديرية آمنة وغير مكلفة ماديا عند الحاجة، وذلك حسب تقرير لجنة “لانسيت” عن الجراحة العالمية. يوضح أيضا التقرير الذي صدر في عام 2015 أن هناك 33 مليون شخص يعانون سنويا من تحمل نفقات صحية ضخمة بسبب ارتفاع تكاليف التخدير والإجراءات الجراحية، ويوصي بالاستثمار في الخدمات الجراحية والتخديرية.
كيف تعمل المنصة؟
لتخيل كيف تتم العملية، تصور عرض المنصة لصورتي فيديو مباشرتين إحداهما من غزة مثلا حيث تُجرى العملية والثانية من لبنان حيث الجراح المساعد، ويقوم الجراح المساعد بتحديد أماكن وكيفية التدخل التي يوجه الجراح المنفذ فيها بواسطة قلم مثلا.
حفاظا على سرية المرضى، يقتصر دخول المنصة والوصول لبياناتها على الأطباء والجراحين والطلبة المسجلين مع مستشفيات وكليات طبية أو العاملين كأفراد في عياداتهم الشخصية أو مستشفياتهم الفردية الصغيرة أو أطباء ميدانيين يعملون في جمعيات خيرية أو في مناطق النزاع والحرب، وذلك بعد التأكد من حصولهم على التصريح اللازم لمزاولة المهنة. تحصل المستشفيات والكليات الطبية المتعاقدة مع المنصة على حزمة مدفوعة من الحسابات تقوم بدورها بتوزيعها على الأطباء المسجلين لديها.
تضيف مؤسسة “بروكسيمي”: “المشترك يدفع مقابل استخدام المنصة وليس مقابل كل عملية فالعمليات متضمنة في الاشتراك المدفوع للاستخدام. ويتحدد سعر رخصة استخدام المنصة وفق كل مؤسسة وهو للطلبة معقول جدا لا يتعدى ثمن كتابين دراسيين في السنة الواحدة. أما المنظمات غير الحكومية فيمكنها الحصول على الخدمة بشكل مجاني تقريبا إما في العمليات أو للتدريبات وهو ما تفعله إحدى المنظمات لتدريب الأطباء في أمريكا الجنوبية”.
فنيا، تعمل المنصة على أكثرمن نطاق ترددي bandwidth لتناسب مستخدمي الانترنت في أي مكان بما فيها مناطق الحرب والنزاعات مثل غزة، وهو ما تم اختباره مع جراح أمريكي في جامعة كاليفورنيا ومستشفى في بيرو لنحو 18 شهرا قبل أن تنطلق المنصة في النصف الأول من 2016. لدى المنصة اليوم مئات المستخدمين من الطلبة وأطباء من الأمريكتين وبريطانيا والشرق الأوسط وما لا يقل عن 10 منظمات مشتركين بالمنصة من أنحاء مختلفة بالعالم.
تناسب الخدمة التقنية جميع أنواع العمليات بما فيها العمليات التي تحتاج إلى منظار، حسب د.نادين، وأيضا عمليات القلب والأوعية الدموية وحتى الطب الإشعاعي. واستخدمت منصة بروكسيمي في 25 عملية جراحية خلال ثمانية شهور دون أي مشاكل فنية.
بدأت الشركة بتمويل ذاتي من المؤسسين الاثنين ثم نجحت في جذب استثمارات من شركة رأس مال مخاطر لبنانية أسبانية Venture Capital توسعت بعدها لتضم فرقا للتسويق والهندسة والمبيعات. وتجري مفاوضات مع منظمات تنشط في مجال الاستثمارات الطبية لدعم المنصة.
تقول د.نادين: “كأي شئ جديد يهتم به البعض ويرغبون في تجربته، هناك أيضا من لا يشعر بالراحة تجاه ما لا يألفه. بروكسيمي تغير من ثقافة العلاج”.
في أواخر العام الماضي، قامت “بروكسيمي” بتعيين مسئول عن منطقة الشرق الأوسط التي ترغب الشركة في التوسع فيها في 2017 وخاصة في الإمارات والسعودية والكويت، وهو ما سيتم عند التواصل مع كليات طبية معروفة تبدي رغبتها في استخدام المنصة وتجربة طرق تكنولوجية جديدة في العلاج.