حسن عبدالرحمن – رئيس التحرير – entrepreneuralarabiya
على طريقة المبشرين في العصور الغابرة يحمل طلال أبوغزالة أفكاره المستقبلية ويدور بها بين العواصم، يلتقي أصحاب القرار يحاورهم ويطرح أمامهم الحلول لأكبر المشاكل المستعصية، يشارك في أهم المنتديات حول مستقبل التعليم والملكية الفكرية وتعميم ثقافة المعرفة واقتصاد المعرفة. في كل ذلك يلقى ابو غزالة المزيد من الترحيب ويثير الكثير من الدهشة والاستغراب والاختلاف، ليس في ذلك غرابة فهو رجل يعيش في المستقبل!
الريادة كانت شغفه فهو نموذج للروّاد الذين لايوقفهم شيء.
“الرسالة” هذا ما يقلق طلال أبو غزالة، ففي حديثه الطويل معنا قال أن الحياة بالنسبة إليه رسالة، ولامعنى للحياة من دون رسالة، وهو الفلسطيني الذي هجرّه الاحتلال من أرضة ولم يتجاوز العاشرة من العمر إلى الجنوب اللبناني.
يقول أبوغزالة:” استقر بي الأمر بعد الهجرة إلى منطقة قريبة من مدينة صيدا، وكان عليّ أن أقطع أربع ساعات من وقتي ذاهباً وراجعاً من أول مدرسة التحقت بها”.
هذا الوقت الطويل الذي كان يقضيه أبو غزاله في الطريق كل يوم إلى مدرسته دفعه إلى التفكير أو على الأصح أرشده لما سيكون عليه في المستقبل، هل يكون مقاتلاً مناضلاً أم سياسياً أم أرهابياً كما يقول العالم عن شعبه، لم يفكر طويلاً، لقد أختار إبن العاشرة والقومي العربي لاحقاً، أن يكون أفضل من عدوه الذي اقتلعه من أرضه، أختار أن يكون متفوقاً عليه، وهكذا كان، فبعد تخرجه من مدرسته المتواضعة، وبسبب تفوقه انتسب إلى الجامعة الأمريكية في بيروت التي نقلته فيما بعد إلى عالم القادة.
من أهمِ مشاهيرِ ورجالاتِ المالِ والأعمالِ على الساحةِ الدوليةِ محققاً حُلمَ الطفولةِ لتأسيس “امبراطوريةٍ ضخمةَ” شركةٌ عربيةٌ عالميةٌ عملاقةْ، تحيطُ العالمَ بفروعِها ، في زمنِ قياسيِ وقصيرِ، سالكاً ومخترقاً حدودَ الاحلامِ لتصبحَ حقيقةً ساطعةً ، فغدا طفلُنا بطلاً يحتلُ مناصبَ رفيعةً ويمثلُ العالم العربي أمامَ الهيئاتِ والمنظماتِ الدوليةِ والعالميةْ.
مع بيل جيتس، وستيف جوبس وجريك باريت وزيكربرغ وجيف بيزوس صاحب أمازون وعلى بابا، هؤلاء الذين سادت شركاتهم العالم يقف صاحب طلال أبو غزالة للملكية الفكرية والمحاسبة القانونية جنباً إلى جنب بين أهم 20 شركة عملاقة في العالم. على مر السنين، نجح أبو غزالة في إنشاء شراكات وثيقة مع منظمات عالمية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. في 4 أبريل 2007، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأستاذ طلال أبو غزالة كنائب رئيس الاتفاق العالمي خـلال اجتماعه الثاني الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
و في حزيران 2009 عينت منظمة الأمم المتحدة طلال أبوغزالة رئيساً للائتلاف العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية التابع للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية خلفاً لرئيس شركة “انتل” كريج باريت.
اقتصاد المعرفة
أول من تحدث عن اقتصاد المعرفة وروّج له في المنطقة، قاد حملة لاتهدأ في سبيل تكريس هذا المفهوم وتبنيه لنهوض الأمة، وإذا كنا نشهد اليوم انتشاراً واسعاً لرواد أعمال في العالم الرقمي في المنطقة فلابد أن أبو غزالة كان من بين الأهم الذين وضعوا البوصلة على هذا الطريق.
يقول أبو غزالة :” حلم التفوق على العدو حققته عام 2001 عندما استدعاني كوفي عنان لأكون عضو في فريق عمل تقنية المعلومات والاتصالات الذي أوكلت إليه وضع خطة استراتيجية على مستوى العالم، وكنت بين 50 ممثلا كرئيس لواحدة من بين أكبر الشركات في العالم . إلى جانب مايكروسوفت وانتل وابل وغوغل، انتخبوني يومها عضو مجلس إدارة ومن ثم رئيساً لهذه الهيئة، يضيف أبو غزالة، “قلت لهم اشكركم على الثقة رغم معرفتكم أنني فلسطيني وعربي”، كان هذا في نوفمبر 2001 بعد شهرين من سبتمبر 2011. بالنسبة لي كان هذا انتصار لي على عدوي، قال لي كوفي عنان وقتها “هذه الجملة دافعت بها عن شعب كامل في وقت يتهمه الجميع بالإرهاب”، كنت في هذه اللحظة على قمة مجتمع المعرفة باعتماد دولي، شعرت هنا أني تفوقت على عدوي”.
الثورة الرابعة وثورة إنترنت الأشياء
يقول أبو غزالة:” مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة هو المجتمع الذي يستخدم التقنية الرقمية في كل مايقوم به، وعندما أتكلم عن مجتمع معرفي أقصد استخدام التقنية الرقمية في كل الأشياء التي نستخدمها، والقصد هو الثورة الرابعة وتسونامي إنترنت الاشياء”. الإنترنت التي نراها اليوم عظيمة هي انترنت “البيسك” أي البنية التحتية للثورة المقبلة والقادم هو طغيان الرقمية على كل مانستخدمه، إلى أن يتماهى الإنسان مع التقنية، في منظومة واحدة”.
وحسب أبو غزالة، سنعيش في عالم جديد بحلول 2050 عالم الانسان والآله في مجتمع واحد، علاقتنا بالأشياء ستكون كما هي علاقتنا معها البشر، بنفس الأهمية العملية. ينتقل الانسان فيها من مرحلة المستعمل إلى الصانع، وكما قال بيكاسو “كل مايمكن للعقل تخيله يمكن تحقيقه“.
عالم بلا مدارس أو جامعات
مفهوم الجامعات ولد في القرن السابع عشر، فكيف له أن يستمر إلى اليوم؟ يقول توماس فريدمان الكاتب المشهور، نحن أمام وفاة الجامعات والمدارس، يتساءل أبو غزالة، “من قال أن الطالب يريد مدرسة؟ لاحاجة لصفوف الدراسة والحاجة إلى المدرّس بالمعنى التقليدي، فنلندا هي التي تقود التعليم في العالم اليوم وليس أمريكا أوبريطانيا، مستقبل التعليم يرسم في الدول الاسكندنافية، فليس هنالك نجاح اقتصادي ولا اجتماعي ولا عسكري إلا من خلال الاقتصاد الرقمي، فنلندا لم تدخل حربا ولاتشكو من بطالة لأنها تحولت إلى مجتمع معرفة، كل إنسان فيها مبتكر”.
يوضح أبو غزالة:”ميزة الثورة الرابعة أنها لا تحتاج إلى مادة أو مصانع تقليدية ضخمة وملايين اليد العاملة الميكانيكية، الثورة الرابعة تحتاج إلى الموارد البشرية المؤهلة، ثورة المعرفة تعني أنك أنت من يصنع كل شيء لوحدك.”
أنظر إلى غوغل، وهي أكبر وأهم شركة تجارية تبيع المعرفة، لن تجد ملايين العمال، أنظر إلى مايكروسوفت وفيسبوك أيضا في عالم رقمي كهذا، سيتاح لنا انتاج معرفيات تساعدنا في اختراع ما نحتاجه بأعلى معايير مناسبة لنا، بالمقارنة فإن 80 % من أدويتنا اليوم هي أدوية مسكنة وعلاجية وليست أدوية شفائية، الأدوية الحقيقية في عالم الثورة الرابعة الجديدة هي أدوية مصممة على قياس الخارطة الجينية، هي الحل الذي سيوفر لكل مريض دواء يناسبه، كل قطاع سيبدع أكثر من خلال تقنية المعلومات ما سيحصل أن كل المهن ستتحول إلى مهن تقنية سنتحول من عمال عاديين إلى عمال معرفة”.
وفي رأي أبو غزالة، فإن الإشراف ومراقبة التعليم ستكون من خلال جمعيات متخصصة مهمتها مراقبة التعليم وتقييم مستويات الجامعات المختلفة وتصنيفها حسب الأفضلية وفق معايير جديدة، وستكون بمثابة الدليل والمرشد”.
أول درس اخذته بالكومبيوتر سنة 65 كانت تقودها اي بي ام
ليس هذه نهاية الدنيا ما أحاول قوله لمسئولي صنع القرر، نحن نعيش حياتين حياتنا التي نعيشها والحياة التي على الإنترنت،
في العالم الموازي لعالمنا العادي على الإنترنت وفي الدقيقة الواحدة هناك 4 ملايين عملية بحث على الإنترنت و220 مليون ايميل و20 مليون مشاهدة على يوتيوب، عدا مئات الملايين من المحادثات والاتصالات، ومن الطبيعي أن تتغير أساليب التعليم لتواكب الفجوة مع العالم الافتراضي، يولد الطفل اليوم وهو يرضع التقنية والتكنولوجيا مع الحليب، فكيف لنا أن نقنعه بطرق التعليم التقليدية؟ بعد عشر سنوات 80% من جامعات أمريكا ستكون جامعات افتراضية.
جامعات اليوم لا تختلف عن مدارس الكتُّاب والشيخ، الفرق الوحيد هو أننا كنا نجلس على الأرض واليوم على الكرسي،
في هذا الإطار فقد اتخذت في الأسبوع الماضي قراراً بتأيس الاتحاد العربي للجامعات الرقمية، فأنا مقتنع أن نصف مشاكلنا هي من الجامعات التقليدية وحرم الجامعات الذي يعج بامخدرات والصراعات والتخلف. في جامعة طلال أبو غزالة لا يوجد حرم جامعي تسدد رسومك وتمضي تتعلم من منزلك، ومؤخراً قامت مؤسسة طلال أبو غزالة، بالتوقيع لإنشاء 100 مركز تعليم افتراضي في فلسطين و120 مركز في الأردن ، فكل مشاريعنا تقوم على التعليم الجديد”.
يقول أبو غزالة:” 50% من أرباح مجموعة طلال ابو غزالة الدولية 50% تذهب لأعمال تطوير الشركة، واستثمارها في البحث، وال50% الثانية تذهب إلى مؤسسة طلال ابوغزالة فاونديششن التي لديها ثلاثين مشروعاً لتخريج الطلاب وبناء القدرات في الللغة والكومبيوتر تموّل ذاتياٌ وهي مؤسسات متخصصة بتخريج الملكية الفكرية والمحاسبة وبناء القدرات نموّلها بالكامل دون اي مردود للشركة الأم”.
يرى أبو غزالة أنه ليس من الضروري بناء 10 ملايين مدرسة في العلم العربي كما يقول البعض، الحقيقة تقول أننا إذا لم نغير ونؤسس تعليم آخر سنجد أنفسنا في العصر الحجري، “علينا بالمقابل إنشاء مراكز معرفية وبرامج مجانية تستخدم برامج التقنية مجانا . ودور الدولة يجب أن يبقى دوراً رقابياً، وفي هذا الإطار أقول لزملائي رجال الأعمال أن لمشاريع الاجتماعية أكثر ربحية من جميع أنواع المشاريع”.
نتائج البحث العلمي متاحة عالمياً
تعليقاً على تأثير الملكية الفكرية في تاخير البحث العلمي وظاهرة الاحتكار، قال أبو غزالة :”
أنا أرأس اليوم هيئة عربية تابعة للجامعة العربية، مهمتها تشجيع البحث العلمي مدعومة عالمياً من قبل الاتحاد الأوروبي،
يمك من خلالها متابعة البحوث العالمية في كل مجال عبر شبكة متصلة بمراكز البحث العالمية، لتطوير البحوث العلمية وتشاركها والاتحاد الاوروبي طلب مني تطوير جهة بحث عربية فاعلة.
في السياسة والاقتصاد
يقول أبو غزالة، :” أنا ضد ماسمي بالربيع العربي فهو انحطاط عربي، ولكن هذه القيامة التي نعيشها اليوم في رأيه عاشتها أمم أخرى، ميونيخ حصل لها نفس الدمار ألمانيا كان فيها 400 إمارة وظلت فرنسا 70 عاماً من الحروب الأهلية، أنظر اليوم إلى أين وصلت ألمانيا واين هي فرنسا، لقد دفعوا أثماناً أكبر بكثير مما دفعناه في هذا المجال، في هذه المرحلة نتعلم دروساً للمستقبل، تعلمنا اليوم ما هو السيء والذي دفعناه هو ثمن رخيص بالمقارنة لما دفعته شعوب غيرنا، مشكلتنا ليست ذاتية
وعلى الصعيد الدولي ومايحدث اليوم من شد وجذب في السياسة الدولية يقول أبو غزالة:” الصراع اليوم بين قطبين هما أمركا وبريطانيا من جهة وبين والصين وروسيا من جهة أخرى، وللطرفين من يتبعهما، نحن أما م قوتين واحدة تريد الدفاع عن سيطرتها والثانية تريد حصتها من العالم، قبل ثلاثين عماً حضرت ندوة في أمريا عن موقعها في 2022، النتيجة كانت أن القوة العظمى المستقبلية هي القوة الاقتصادية في العالم، وخلص المجتمعون إلى أن القوة الاعظم هي الصين والآن ونحن نقترب من هذا التاريخ نجد أن الصين هي القوة التجارية الأولى في العالم، ومن المتوقع اليوم في 2020 أن يكون الميزان لصالح الصين، والصينيون يسعون لإقامة طريق الحرير الذي كان يضمن لهم في الماضي 70% من التحارة العالمية.
العالم يتجه إلى تعددية القطبية ومن المفترض أن هذا سيكون أفضل بالنسبة لنا، غذا استطعنا استغلال امكاناتنا الكبيرة.
في نهاية لقائنا، ودعنا طلال أبو غزالة مسافراً إلى العاصمة المصرية القاهرة لحضور حفل أصدار كتاب عن مسيرته الحياتية عن مؤسسة دار الأهرام وهذا الكتاب لن يكون الأخير عن حياة شخصية عربية كبيرة رسمت قصة نجاح تدعو إلى الفخر.