القاهرة: حنان سليمان
في منطقة تصل فيها نسبة الشركات المملوكة لعائلات إلى 90% من إجمالي الشركات، حسب تقديرات الكتاب السنوي لبيزنس العائلات Family Year Book لعام 2014، بعضها يرجع إلى القرن التاسع عشر يحققون وحدهم 80% من إجمالي الناتج المحلي تقريبا ويمثلون 75% من النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص ويوظفون 67 مليونا ويسيطرون على 98% من الشركات المنتجة للنفط العاملة في منطقة الخليج.
وتأتي الشركات العائلية في الخليج وخاصة السعودية في طليعة الشركات العائلية في المنطقة، فبحسب التقرير كانت مجموعة بن لادن هي الأكبر إقليميا بعائد قدر بـ30 ألف مليون دولار عام 2012 وبعدد موظفين فاق 55 ألفا. ولكن كيف يدار هذا النوع من الشركات؟ وما هي التحديات التي تواجهها؟ وكيف يحدث تتابع الأجيال بشكل سلس؟
ريادة من الداخل
انضم أحمد رجب، المدير التنفيذي لمجموعة “بركة” للبصريات، هو من الجيل الثاني في العائلة وهو في أوائل العقد الثالث. انضم للشركة في 2003 واستطاع التوسع لأكثر من مائة فرع وهو قائم حاليا على خدمة سبع علامات تجارية خمس منها استثمارات لشركته. وقال: “تتابع الأجيال كان مدعوما من الجيل الأكبر ولكن التحدي كان في القبول فأنا أريد إثبات استحقاقي للمنصب وليس أني جئت بالوراثة فحسب، ولهذا صنعت قصة نجاحي الخاصة بإطلاق علامة تجارية جديدة هي C&CO وفتحنا لها عشرين فرعا في عام واحد”.
لم تنته التحديات هنا، فكان لزاما على أحمد أن يطور من مهاراته الشخصية والوظيفية فحصل على ماجيستير في إدارة الأعمال وواجه مقاومة البعض لكل ما هو جديد تحت إدارته بأن جعلهم يدركون احتياجهم لهذا التغيير.
وتبرز أهمية ريادة الأعمال من الداخل Intrapreneurship أو تطوير الشركة الكبيرة الموجودة بالفعل بإحداث توسع ما في السوق أو نمو في اتجاهات ومنتجات جديدة للأجيال المتعاقبة على إدارة الشركات العائلية لإبقاء الموظفين في حالة اندماج وعطاء متجددة ولأن الابتكار المستمر يهيئ الشركة للمنافسة في السوق الدولي.
واتفق كل من علاء هاشم، شريك مؤسس في “ترانسينديم” التي أسسها بعد عمله 15 عاما في بيزنس العائلة، وداليا إبراهيم، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي في شركة “نهضة مصر”، في أن القيادة يجب أن تكون لأصحاب الخبرة والمهارة حتى لو كانوا من خارج الأسرة اذا لم يوجد الشخص المؤهل من العائلة لتولي المهمة. وشددا في جلسة نقاشية الأسبوع الماضي عن “بيزنس العائلات” ضمن فعاليات قمة “رايز أب”، على أهمية وضوح معايير واجراءات التوظيف والترقية حتى يشعر الموظفون بأن لديهم فرصا متساوية مع أفراد العائلة داخل الشركة وأن المهارة هي الحكم وليست القرابة مشيرين إلى ضرورة تجنب المناقشات العاطفية والحساسيات. وقال علاء: “تعيين أفراد من خارج العائلة ضمن الفريق أو حتى كاستشاريين أو مستثمرين مستقلين يساعد في مأسسة البيزنس”.
وأضاف علاء إن بيزنس العائلات يفرض التزاما من نوع خاص على صاحبه فهو عمل لا يستطيع الهرب منه كأي وظيفة أخرى، وهو ما يضع أحيانا على كاهله إحساسا بالمسئولية والواجب تجاه العمل رغم أنه قد يكون مفتقدا للحماسة الكافية التي تحركه. ميزة أخرى وضحها علاء هي وتيرة اتخاذ القرارات التي قد تكون أسرع بعض الشئ في الشركات التي تديرها عائلات لأنهم لا يحتاجون لكل الاجراءات والخطوات الشكلية، وإن كان ذلك على حساب إدارة المخاطر.
تتابع الأجيال
وذكرت داليا: “تتابع الأجيال مشكلة حقيقية لكن التتابع من الحكمة فلا يمكن أن نظل في المنصب حتى الموت بل الانتقال أثناء الصحة يضمن مساعدة الكبير للصغير في تولي المسئولية وحل أي مشكلة تطرأ. لهذا على الأجيال الكبيرة أن تعرف أبناءها على عمل العائلة منذ الصغر حتى يدركون أهميته ويستطيعون حمله لاحقا. هذا أيضا يعني الاستثمار في تعليمهم بالشكل الذي يخدم البيزنس بالنظر لاحتياجات الشركة”.
في حالة مجموعة “بركة”، أكد أحمد أن العمل مع العائلة يؤثر على العلاقات الشخصية سلبا وإيجابا ويروي لـ”انتربرونور العربية” خلافاته الأولية مع عمه الذي ورث منه الإدارة؛ فالعم كانت له طريقة مختلفة في الإدارة تقوم أكثر على العاطفة من باب أن قيادة الأشخاص في العمل تستلزم القيادة العاطفية أيضا بينما هو على العكس من ذلك، مما تسبب في بعض المشكلات التي وقعت بينهما أمام الموظفين. ولكن على الجانب الآخر، فإن “روح العيلة” التي يتحلى بها الكل هي رابط عاطفي قوي يجمعهم ولا تتوفر إلا في هذا النوع من الشركات، كما يقول أحمد. ويضيف: “في أيام الثورة في 2011 حين غاب الأمن، نظم الموظفون أنفسهم في لجان شعبية لحراسة المحلات حتى أن بعضهم نقل المعروضات لمنزله لحمايتها من السرقة”.
وشدد أحمد على تعزيز روح العائلة في العمل في هذا النوع من الشركات والانسحاب التدريجي للجيل القديم وإعطائه مساحة متزايدة للجيل الجديد الذي عليه أن يصنع قصة نجاحه بنفسه ولا يركن لنجاح اسم الشركة الذي صنعه غيره. وأشار إلى أهمية عدم تداخل الأدوار والمهام الوظيفية لتجنب مناطق الصراع لافتا إلى أهمية وجود حوكمة الشركات أي وجود أفراد من خارج العائلة في مجلس الإدارة وبالتالي يتم وضع قواعد ونظم واجراءات ﺘﺤﻘﻕ ﺃﻓﻀل ﺤﻤﺎﻴﺔ ﻭﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﻤﺼﺎﻟﺢ ﻤﺩﻴﺭﻯ ﺍﻟﺸﺭﻜﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴـﺎﻫﻤﻴﻥ ﻓﻴﻬﺎ من جهة ﻭﺃﺼﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻷﺨﺭﻯ ﺍﻟﻤﺭﺘﺒﻁﺔ ﺒﻬﺎ من جهة أخرى.
تتابع الأجيال مسألة لم تشهدها سلسلة مطاعم “مؤمن” بعد فمؤسسها محمد مؤمن الذي بدأ مشواره أواخر الثمانينات بمطعم صغير في دمياط ثم باع سيارته واشترى سيارة صغيرة لحمل البضائع والخضروات وافتتح أول فرع لـ”مؤمن” بميزانية قدرها 12 ألف جنيه عمل فيه ثمانية موظفين، تلاه فرع آخر في الإسكندرية ثم القاهرة. ومع النجاح الذي تحقق، انضم له أخواه الصغيران ليكونوا معا “مؤمن جروب”. واجهت السلسلة تحديات اضطرتها لإغلاق بعض الفروع لكنهم لجأوا إلى نظام الفرانشايز فباعوا علامتهم التجارية عالميا للجادين فوصلت العلامة التجارية إلى السعودية والإمارات والكويت وماليزيا، كما افتتحوا مصنعا لتعبئة اللحوم والخضروات لتقليل المشتروات. زاد النجاح العائلي وأصبحت السلسلة تضم أكثر من 40 فرعا في مصر واستحوذت على شركات أخرى منا شركة استيراد وتوزيع ومصنعا لحفظ الأطعمة، كما استحوذت على سلسلة مطاعم “بيتزا كينج” ومطاعم “بلانت أفريكا”.
وبشكل عام، فإنه يمكن قراءة بعض الخصائص لهذا النوع من الشركات وهي أنها أكثر ربحية على المدى البعيد، تخطط للمستقبل بشكل أكبر ويفوق أداؤها أداء الشركات غير العائلية، أقل استعدادا لتسريح الموظفين رغم الصعوبات الاقتصادية وأكثر استعدادا لإفادة مجتمعاتهم بشكل خيري. وتشير بعض التقارير إلى أن الرغبة في وراثة الإدارة من الجيل الأكبر تقل عبر الأجيال فهي الأكبر في الجيل الثاني بنسبة 30%، تقل إلى 12% في الجيل الثالث ثم 3% فقط في الجيل الرابع.