القاهرة – ايمان مصطفى
تحوي مصر تعدادًا سكانيًا ضخمًا يبلغ 100 مليون نسمة. أقل من 7% من هذا التعداد يملك بطاقات ائتمانية.
يمثل نقص توفر الحسابات المصرفية للمصريين عقبة في طريق شرائهم أية منتجات من سوق أجنبية، ولاسيما الأمريكية، التي تشهد إقبالاً هائلاً على منتجات الملابس والإلكترونيات تحديدًا، لجودتها وإنخفاض سعرها عن السوق المحلية في مصر.
تتمثل تلك المشكلات في رفض التجار في الولايات المتحدة شحن المنتجات إلى المنطقة، في أغلب الأوقات، بالإضافة إلى رفض بطاقات الإئتمان الصادرة محليًا، وارتفاع تكاليف الجمارك على المنتجات المستوردة في مصر.
من هذا المنطلق ظهرت مبادرات لحل تلك الأزمة، على غرار منصة “My US” الأمريكية، وخدمة “Shop&Ship” من أرامكس، و”Lynks” المصرية .
تعمل تلك المواقع والخدمات على توفير أي منتج من الولايات المتحدة الأمريكية وشحنه إلى باب العميل سواء في نفس البلد أو في بلد آخر.
على صعيدٍ متصل، أسس محمد عطية “ادفعلي” Edfa3ly في مطلع 2011 (في أعقاب ثورة يناير)، كمنصة تجارة إلكترونية تتيح للمستخدم في مصر شراء منتجات متنوعة من أي متجر أمريكي، وتقوم بشحنه وتوصيله.
عمل عطية في بداية حياته العملية منذ أكثر من 10 سنوات، كتاجر منتجات تكنولوجية. ثم أنشأ شركة في مجال استيراد والتصدير المنتجات التكنولوجية ذاتها. لكن شركته أغلقت أبوابها في نهاية 2011، بمدينوية بلغت حينها 500 ألف دولار.
كانت الشركة تباشر أعمالها على نطاق واسع، إذ كان لها فرع أمريكا وفرع آخر في مصر بالإضافة إلى عدة متاجر.
كعادة رواد الأعمال، يولدون النجاح من رحم الفشل. اختار عطية أصغر مقر من مقار الشركة القديمة التي اضطر لإغلاقها، وأطلق من خلاله منصة “ادفعلي”، بعدما قرر الاستفادة من أوراق شركته المسجلة في أمريكا، إلى جانب خبراته في مجال الاستيراد.
أهم التحديات التي واجهت عطية لدى إطلاق “ادفعلي”، هي أن الشركة ليس لها رأس مال، بل وأعباءها محمّلة بالديون.
لم تحتاج “ادفعلي” رأس مال، لكونها جنت العوائد من يومها الأول، إذ يختار المستخدم المنتجات التي يريد شراءها من أمريكا، ويضع الروابط على “ادفعلي”، ثم يقوم بالدفع نقدًا أو عبر ماكينات فوري، أو عن طريق بطاقته الإئتمانية. بالتالي، فإن المستخدم يدفع مقدمًا ثمن المنتج شاملًا مصاريف شحنه وتوصيله، ثم ينتظر من 8 إلى 12 يومًا بعد وصول المنتج فرع الشركة في مدينة نيويورك الأمريكية.
بدأت الشركة كصفحة على “فيسبوك“، يديرها 3 أفراد من بينهم عطية، وموظفيّن اثنيّن، وهما في الأصل موظفان من الشركة القديمة قررا ألا يتخلا عن عطية في محنته.
كان عطية وشريكاه يباشرون مهام خدمة العملاء ومتابعة الطلبات والحسابات والشحن والتوصيل.
بعد عام واحد على الإطلاق، بدأت معاناة “ادفعلي” تتفاقم بسبب مدينويات عطية التي تثملت في صورة اقساط يقوم بسدادها شهريًا من دخله من الشركة. ومع نمو حجم الطلبات وقلة الموارد، كانت الخيارات محدودة جدًا أمامه.
شارك عطية في مسابقة “Start up with Google” عام 2012، والتي رصدت للفائز الأول آنذاك مليون جنيه مصري (60 ألف دولار)، لكنه خرج من السباق في المرحلة قبل النهائية.
في الوقت ذاته، كانت البلاد تعاني من انفلات أمني، في أعقاب الثورة المصرية، وتسبب ذلك في سرقة دراجات نارية كانت الشركة تملكها وتسخدمها في توصيل الطلبات للمنازل.
تكاثرت الإحباطات على كاهل عطية وشريكيّه. لكن معاناتهم لم تستمر طويلًا. استقبلت “ادفعلي” عروض استثمار على إثر مشاركتها في مسابقة “جوجل”. وبالفعل ضخ صندوق “تمكين كابيتال” 450 ألف جنيه، كجزء من استثمار بقيمة مليون و100 ألف جنيه. (61 ألف دولار).
طلبت “تمكين” من عطية وشريكيه التوسع والنمو، ووضعت لهم خارطة طريق وأهداف كان عليهم الوفاء بها.
قام المؤسسون بتعيين 14 موظفًا، وتكثيف الحملات التوسيقية على منصات التواصل الاجتماعي، حتى نفذت الموارد المالية، ولم تنجح “تمكين” في توفير باقي مبلغ الاستثمار فأصبحت الشركة في مأزق كبير مجددًا.
كثف المؤسسون جهودهم لتعديل نموذج العمل، وزيادة كفاءة التشغيل والتفاوض مع الموردين على تقليص هوامش أرباحهم. في الوقت ذاته، انخفضت قيمة حصة “تمكين” في “ادفعلي”، بعدما قل مبلغ الاستثمار.
استمرت محاولات “ادفعلي” في الصمود أمام كل المصاعب والتحديات. ونمت عوائد الشركة من 950 ألف دولار عام 2011 إلى 2 مليون دولار عام 2012، ثم 3.5 مليون دولار عام 2013، ثم حققت 6.5 مليون دولار عام 2014، ثم صعدت العوائد إلى 14.8 مليون دولار في 2015.
دعمت تلك الوثبات “ادفعلي” في الحصول على جولة استثمار ثانية بقيمة مليون دولار من “500 ستارت اب” في “سيليكون فالي”، و”Ace and Company” في سويسرا، و”تمكين” التي غيّرت علامتها التجارية إلى “انديور كابيتال”، وبعض المستثمرين الأفراد من دبي والكويت.
وجّه مؤسسو “ادفعلي” مبلغ الاستثمار للتوسع في مصر، السوق الكبيرة التي أثبتت فاعلية التركيز عليها في السنوات الماضية رغم ضعف الموارد، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن.
بدأ عام 2016 بعدم استقرار في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري. تلا ذلك إجراءات حكومية لخفض قيمة الجنيه، ورفع الرسوم الجمركية وتعطيل البضائع المستوردة في الجمارك، في محاولة لتعزيز الصناعة المحلية، وتقليص خروج العملة الصعبة من البلاد.
واحهت “ادفعلي” (التي تقوم بشراء المنتجات بالدولار من أمريكا، وتقوم بتوصيلها للمستهلك المحلي بالجنيه المصري) خسائر كارثية بسبب تلك الإجراءات.
“تسبب تعطيل البضائع في الجمارك في خسارة عدد لا يستهان به من العملاء، مما جعلنا نفكر جديًا في الخروج من السوق المصرية والتركيز على السوق الخليجية”، يقول عطية.
في شهر يوليو الماضي، بدأت “ادفعلي” أعمالها في الكويت. تلا ذلك قطر والسعودية في أغسطس وسبتمر على التوالي، ثم الإمارات في نوفمبر الماضي.
لم تتكلف “إدفعلي” مبالغ باهظة في سبيل تواجدها بالخليج. “لم نفتتح مقار إدارية بل اكتفينا بوجود شخص في مكاتب شركات الشحن التي نتعامل معها في كل دولة، مع توفير تأشيرات زيارة لهؤلاء الموظفين، لمتابعة الطلبيات والتزام تلك الشركات تجاهنا، كما أننا نستغل مخازن تلك الشركات، ونقوم على الصعيد الآخر بتشغيل قسم خدمة العملاء من مصر على أرقام محلية لكل دولة من دول التشغيل، وذلك بسبب انخفاض تكلفة التشغيل في مصر مع وجود كفاءات في هذا المجال”.
حققت تلك الأفرع عوائد “فاقت توقعاتنا” حسب عطية، رغم قصر فترة التشغيل، حتى أن السعودية اصبحت الآن أكبر بلاد “إدفعلي” من حيث العوائد، يليها الكويت.
“حققت الكويت في 3 أشهر ما حققته مصر في أول سنة ونصف من التشغيل”، يقول عطية.
في شهر أغسطس، حقق الكويت 11 ألف دولار كعوائد، ونمت الأرقام إلى 57 ألف دولار، 78 دولار دولار، ثم 183 ألف دولار على التوالي على مدار الأشهر الأربعة الماضية.
“لتعزيز تواجدنا بالسوق الكويتية، نهتم جدا بجودة المنتج، ونقوم الآن بالتحضير لإطلاق منتجات خاصة بالسوق المحلية، أهمها في الوقت الراهن “ادفعلي إيليت” وهي ميزة أطلقاناها للسوق المصرية وأثبتت فاعليتها على مستوى النمو والكفاءة” يشرح عطية.
“ادفعلي إيليت” هي عبارة عن اشتراكات شهرية أو ربع سنوية أو نصف سنوية دفع اشتراك”، يدفعها المستخدم مقابل إعفائه من أي رسوم إضافية على سعر المنتج، سواء كانت مصاريف شحن أو ضريبة مبيعات أو رسوم جمركية.
الآن وبعد قرار الحكومة المصرية بتعويم سعر صرف الجنيه أمام الدولار، يرى عطية فرصة كبيرة من جديد في السوق المصرية، إذ يقول: “تراجعنا الآن عن قرار الخروج من السوق المصرية، حيث خدم قرار التعويم مصالحنا المحلية كثيرًا، فقد أصبحنا نبيع المنتج بالقيمة العادلة دون اللجوء للسوق السوداء، والوقوع في فخ فوارق سعر الصرف الرسمية وغير الرسمية”.
رغم إيجابيات قرار التعويم على دورة رأس مال “إدفعلي”، إلا أن مبيعات الشركة انخفضت للنصف تقريبًا جراء هذا القرار، “إذ ارتفعت القيمة الشرائية للمنتجات على المستهلك، وهو ما تسبب في إحجام العملاء عن الشراء بشكل كبير وملحوظ”، يقول عطية.
أيضًا في الوقت الذي تم فيه تطبيق قرار التعويم، كان المؤسسون قد اشتروا بالفعل منتجات بالقيمة السابقة، والتي بلغت النصف تقريبًا، الأمر الذي كبدهم الكثير من الخسائر.
ويعلق عطية على رحلته الريادية قائلًا: “لم يكن قرارًا سليمًا أن أبدأ شركة بديون شركة أخرى، ولكن لم يكن أمامي خيارات أخرى حينها، ولم يكن قرارًا سليمًا أيضًا أن أوجه استثمار الجولة الثانية إلى السوق المصرية، وكان يجدر بي استغلالها أفضل في السوق الخليجية، لكن الفرصة لاتزال سانحة، وأتوقع أن نحقق إنجازات سريعة في المنطقة، بما يدعمنا في التوسع لأسواق أخرى أفريقية من المبكر الكشف عنها الآن”.
فهل ينتظر “إدفعلي” المزيد من التحديات؟ أم أن السوق الخليجية ستكون بمثابة مخرجه الآمن؟