القاهرة – ايمان مصطفى
تمثل المخلفات الإلكترونية مشكلة كبيرة تواجه الثورة التكنولوجية، إذ يتم إنتاج ما يصل إلى 50 مليون طن من المخلفات التقنية سنويًا، وهو ما يعتبر إهدارًا كبيرًا لثروة ضخمة.
للتصدي لتلك المشكلة، ظهرت العديد من المبادرات العالمية والعربية تسعى لتقديم حلول من شأنها الحد من كم الإهدار السنوي.
في هذا الصدد، أطلق عصام هاشم “سبير إنك” Spearink في مصر عام 2006. قامت الشركة في البداية على تصنيع ماكينة لإعادة تعبئة الأحبار، لأن الطرق اليدوية السابقة كانت ضارة جدًا، بسبب مخاطر استنشاق الحبر أثناء التعبئة، لاحتوائه على الكربون والرصاص والكثير من المعادن الثقيلة.
نجحت الشركة في تصنيع أكثر من طراز لماكينات إعادة تعبئة الأحبار ذات الجودة العالية، ثم بدأت في التوسع في عملية التصنيع و بدأت في دخول مرحلة جديدة من إعادة تدوير مخلفات الأحبار بالكامل.
وعلى سبيل تطوير نموذج العمل، بدأت “سبير إنك” مرحلة منح حق امتياز التكنولوجيا “فرانشايز” لشركات أخرى في مجموعة من البلدان العربية والأوروبية. تضمن ذلك الإمارات، والسعودية، وسلطنة عمان، والأردن، والكويت، والبحرين، وتركيا، واليونان، وقبرص، وإسبانيا، والمغرب، والجزائر.
بذلك أصبحت الشركة تعتمد في جني أرباحها على ثلاثة مصادر رئيسية هي: جمع عبوات الأحبار القديمة وإعادة تدويرها وتعبئتها وطرحها كمنتج بديل، وبيع الماكينات التي تبتكرها، ومنح حق الامتياز لشركات أجنبية سواء من داخل أو خارج المنطقة.
يتراوح سعر الماكينات بين 60 و90 ألف جنيه (من 3 إلى 5 آلاف دولار)، بينما يبلغ سعر الـ “فرانشايز” 120 ألف جنيه (6 آلاف دولار). فيما يبلغ سعر عبوة الأحبار 120 جنيه (7 دولارات).
وحسب تصريحات هاشم في حواره الخاص مع “انتربرنور العربية”: “توفر كل خرطوشة حبر لطابعات الليزر المُعاد تدويرها وتعبئتها؛ 1.1 كيلوجرام من المعادن والبلاستيك، بدلاً من أن تصبح مخلفات في مدافن النفايات”.
وتستطيع ماكينات “سبير إنك” إعادة ملأ طابعات جميع العلامات التجارية الكبرى بما في ذلك “إتش بي”، “ديل”، “كانون”، ” لكسمارك”، و”إبسون”. كما وتتعامل مع معظم الطابعات المنزلية والطابعات التجارية الصغيرة، سواء كانت الطابعات متعددة الوظائف أو ملونة أو أبيض وأسود.
المزيد من التطوير
واستمرت الشركة في تطوير منتجاتها التقنية حتى تلقى هاشم عرض شراكة من المهندس حازم داود مؤسس شركة “هيلثي تيك” Healthy tech، والتي كانت أحد عملاء “سبير إنك” في إعادة تدوير مستهلكات الطباعة.
بالفعل باع هاشم 50% من حصته في “سبير إنك”، مما ساعده في توفير رأس مال كافي لتأسيس شركة جديدة تعمل في مجال إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية بشكل عام.
أسس هاشم “أيكو”Ecoo، كشركة متخصصة في الأنظمة الصناعية الخضراء، والتي صممت صناديق جمع مخلفات تحمل علامة شخصية كرتونية أطلقت عليها الشركة اسم “دكتور وي” Dr.wee لربط مسألة التخلص من المخلفات الإلكترونية بصورة شيقة في ذهن المستهلكين الافراد والشركات.
حصلت “إيكو” على شهادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في إدارة المخلفات الإلكترونية. والشركة الآن في مرحلة جمع وفرز المخلفات الإلكترونية بشكل عام، تمهيدًا لدخول مرحلة إعادة التدوير.
ويتابع هاشم الآن أعمال “سبير إنك” و”أيكو” بالتوازي، ولاسيما أن الشركتيّن تعملان في القطاع ذاته، الأمر الذي لا يسبب له تشتتًا.
هذا وطورت “سبير إنك” ماكينة لإعادة تعبئة عبوات أحبار الليزر الألوان. ووجدت الشركة بعد دراسات للأسواق العالمية أن الهند من أكثر الأسواق استهلاكًا لأحبار الليزر الألوان وقبولاً للمنتج المعاد تدويره. من ثم يسعى هاشم الآن لاستقطاب عملاء يمكنّوه من اختراق هذا السوق العملاق.
كما وتتطلع الشركة إلى تصدير منتجاتها لدول الكوميسا، ومن ثم فهي تهتم بحضور الفعاليات والمعارض الدولية الكبرى داخل وخارج القاهرة باستمرار.
تحديات وإصرار
على مدار رحلتها، اعتمدت “سبير إنك”، التي يبلغ عمرها الآن في الأسواق 10 سنوات، على التمويل الذاتي؛ ثم بدأت في طرح نظام حق الامتياز خارجيًا، لتتمكن من النمو والانتشار دون استثمار مباشر. لكن ما يُعرف بـ “ثورة الربيع العربي” أثرت على التصدير سلبًا في مصر، مما أبطأ من نمو الشركة إلى حدِ ما.
كما وتعتبر ثقافة التخلص من النفايات التكنولوجية، أحد أهم التحديات التي واجهت هاشم، لذلك قامت الشركة بابتكار أشكال جذابة لصناديق تجميع هذه النوعيات من المخلفات، وتقوم بتوزيعها بنفسها علي الشركات.
أيضًا تواجه الشركة العديد من المشكلات الخاصة بالتسويق، من بينها صعوبة إيجاد عملاء يهتمون بالبُعد البيئي. “تغلبنا على ذلك بتقديم مميزات بيعية ملموسة مثل الجودة والسعر المنافس، بعد طرحها نشرح للعميل مدي تأثير ذلك إيجابًا علي البيئة”، يشرح هاشم .
تحظى الشركة بفريق عمل مكون من 12 عضوًا، بما في ذلك الشركاء والموظفين والعاملين. ويشكل العثور على مندوبي مبيعات للعمل في هذا المجال صعوبة كبيرة للغاية، بسبب عدم وجود انتشار لمثل هذه النوعية من المبيعات في سوق العمل، مما شكل صعوبات في البيع والتسويق والتوسع والانتشار، “لكننا نستطيع القول أننا في وضع مستقر وقادرون على المنافسة مع المنتج العالمي”، يقول هاشم.
هل من منافس؟
وفي الوقت الذي يوجد فيه شركات تعمل على استيراد الحبارات الفارغة، وتقوم بإعادة تعبئتها محليًا بطرق يدوية، تسيطر أزمة توفر الدولار على المناخ الاقتصادي في مصر.
تحفز تلك العوامل إحتماليات وجود بروتوكولات تعاون مثمر بين تلك الشركات و”سبير إنك”. “يمكننا تزويد تلك الشركات بحلول تقنية توفر عليهم الدخول في متاهة توفير الدولار مرتفع التكلفة لاستيراد تلك العبوات، مع الأخذ في الاعتبار أن منتجاتنا التقنية صديقة للبيئة”، يقول هاشم.
ويعتبر هاشم أن توقيع مصر على اتفاقية بازل للحد من نقل النفايات الخطرة عبر الحدود من أهم محفزات بقاء واستدامة شركته والشركات العاملة بالقطاع.
رغم ذلك، يتطلع هاشم إلى المزيد من الإجراءات من قبل الحكومة المصرية، بحظر تصدير المخلفات التي يمكن تدويرها بشكل أمن، مما يتوقع له أن يوفر الكثير من الموارد “إذ أنها تُصدر بأرخص الأثمان، كما ان تدويرها سيوفر فرص عمل، وهذا ما يطلق عليه في الدول المتقدمة الآن خلق الوظائف الخضراء “، يشرح هاشم.
الصناعة بالأرقام
ووفقًا لأحدث دراسة أجرتها مؤسسة “سميثرز بيرا” المتخصصة في مجال تحليل الأسواق فمن المتوقع أن يشهد سوق الطابعات النافثة للحبر نموًا كبيرًا، فالسوق الذي بلغت قيمته 33.4 مليار دولار عام 2011 ، من المتوقع أن ينمو ليصل إلى 67.3 مليار دولار عام 2017.
ويوفر هذا السوق مزايا هامة في العديد من سلاسل التوريد، وتُستخدم هذه الطابعات في طباعة المنسوجات، وزخرفة الزجاج والأرضيات والسيراميك، وتصنيع شاشات العرض، ووحدات الطاقة الشمسية وبعض المنتجات الإلكترونية.
ويتم استخدام 1.1 مليار خرطوشة حبر في جميع أنحاء العالم سنويًا، وفي حالة تكديس مخلفات هذه الخراطيش فإنها ستشكل هيكلاً أطول 129 مرة من سور الصين العظيم.
يتم إلقاء 60 إلى 80% من خراطيش الحبر المستخدمة في القمامة وينتهي بها الأمر في مدافن النفايات بدلاً من إعادة تدويرها، في حين تحتاج خرطوشة الحبر إلى ألف سنة لكي تتحلل بالكامل في مدافن النفايات.
ويوفر إعادة تدوير 100 ألف خرطوشة حبر 9599 كيلوجرامًا من الألومنيوم، 40 طن من البلاستيك، ومليون لتر نفط. كما يوفر إعادة التدوير العديد من المزايا الأخرى منها الحد من تلوث الماء والهواء والانبعاثات الناتجة عن دفن المخلفات، والحفاظ على الموارد الطبيعية مثل الماء والخشب والنفط، إضافة إلى توفير الطاقة، وتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتي تساهم في تغير المناخ العالمي.
فهل ستدعم تلك الإحصاءات “سبير إنك” و”إيكو” للوصول للعالمية بمنتجات تكنولوجية تحمل علامة “صُنع في مصر”؟