**تحدي الاستمرارية هو الأكبر.. والتوسع في السوق الدولي عامل جذب
**المجتمع ينظر لرائد الأعمال نظرة إيجابية ويتوقع تحسن مستواه المعيشي
**تزايد حاضنات الأعمال وتوصيات بتدريس البيزنس في التعليم الأساسي
القاهرة: حنان سليمان
في رصد لواقع ريادة الأعمال في مصر، أطلقت الجامعة الأمريكية بالقاهرة تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) Global Entrepreneurship Monitor Report، وهو دراسة مفصلة تتناول منظومة ريادة الأعمال مما يجعله مصدرا قيما للمنظمات الوطنية والدولية والحكومة في وضع السياسات البرامج المختلفة.
رصد التقرير تزايد عدد المنظمات الداعمة وبرامج الدعم الحكومي والجهات المانحة في بيئة باتت ريادة الأعمال إحدى مراكز اهتمام صناع السياسة والقرار فيها، ولكن رغم انتشار ثقافة ريادة الأعمال وخلق بيئة مفضلة لرواد الأعمال، يظل التحدي الذي يواجه غالبية الرواد بدء أو إطلاق عمل تجاري جديد، وإن كان هذا التحدي أسهل من تحديات العمليات والتنفيذ والاستمرارية، كما أوضحت نتائج الاستبيان الذي جرى على 2500 شخص.
وقال أحمد طلبة، المدير الأكاديمي المشارك لإدارة الالتحاق الاستراتيجي وأستاذ التسويق المساعد بالجامعة الأمريكية، في حفل إطلاق التقرير: “إن تحديد الأولويات هو الأساس، فالأولوية لا تكمن في تنظيم الكثير من الأنشطة بل في اختيار الأنشطة التي قد يكون لها تأثير على الاقتصاد”.
وقال التقرير إن الخمس سنوات الأخيرة كانت صعبة للرواد وأصحاب الشركات الموجودة بالفعل؛ فبالنظر إلى عدد الأشخاص الذين أطلقوا فعليا أعمالهم الخاصة على مدار الثلاث سنوات ونصف الأخيرة، مقارنة بالفترة التي أعقبت ثورة يناير مباشرة، فقد انخفضت بنسبة الثلث، أما الشركات القائمة بالفعل فهي متعثرة ماليا وشهد ثلثها خروج مؤسسيها خلال نفس الفترة، كما تضاعفت معدلات عدم استمرارية البيزنس بسبب نقص الأرباح أو عدم الوصول للتمويل الكافي بشكل أساسي، وذلك لأن السوق يتغير بشكل كبير من عام إلى آخر.
بالمقابل، شهد البعض توسعا في السوق الدولي بمعدل سريع حتى بات يشكل ربع عائد هذه الشركات وتضاعف من 21% إلى 45%، وهو ما عزاه التقرير إلى انخفاض قيمة الجنيه وظهور فرص أفضل في أسواق التصدير. وبين التقرير أن هناك فجوة في القدرة على الاستمرارية بين الأعمال التي تديرها النساء مقارنة بأعمال الرجال لصالح الرجال. وذكر التقرير أن النساء يشكلن 44% من أصحاب الأعمال في المراحل المبكرة مقابل 35% في أصحاب الأعمال التي أنشئت بالفعل. وأوضح أن الرواد في المراحل المبكرة من مشروعاتهم هم الأكثر إبداعا من والأكثر استخداما للتكنولوجيا.
رغبة وإحجام
وأوضح التقرير أن عدد رواد الأعمال المصريين في المرحلة المبكرة من مشروعاتهم يصل لنصف المعدل المتوسط في العالم، في مؤشر على زيادة اعتماد الأيدي العاملة على التوظيف بدلا من بداية عمل خاص بها؛ فعلى الرغم من الاهتمام المتزايد ببدء عمل خاص، إلا أن الخطوات الفعلية التي اتخذت في هذا الصدد أقل بكثير وذلك خوفا من الفشل ولنقص الثقة في معرفتهم ومهاراتهم. ورصد التقرير أن الوصول للتمويل بات أصعب خاصة لرواد الأعمال في المرحلة المبكرة، مما يجعلهم يعتمدون على مستثمرين غير رسميين (الأسرة والأصدقاء) بشكل متزايد. وأظهر التقرير تفضيل المجتمع لريادة الأعمال إذ ترى الغالبية أنها اختيار عمل جيد وأنها ستحسن من المستوى المعيشي للناجحين في أعمالهم، وإن كان الاهتمام الإعلامي بالمجال كان أكبر في 2010، وهو ما عزاه التقرير إلى تنامي الاقتصاد حينها وازدهار الدعم الحكومي للشركات الصغيرة والمتوسطة، أما منذ عام 2012 فالاهتمام الإعلامي في انخفاض ربما بسبب التغطية الإعلامية المكثفة للأخبار السياسية.
وصنف 42,4% من رواد الأعمال في المرحلة المبكرة من مشروعاتهم أنفسهم على أنهم رواد بالضرورة بدأوا أعمالهم لغياب بدائل وظيفية أخرى، في معدل أعلى من المعدل العالمي الذي تقف نسبته عند 25%. هؤلاء في الغالب يديرون صناعات صغيرة ومتناهية الصغر بشكل غير رسمي أو شركات تجزئة، وليس لديهم طموح للنمو أو خلق وظائف أو لديهم طموح محدود. ويعتبر القطاعان الأكثر نشاطا لرواد الأعمال هما التصنيع والخدمات الشخصية وتوزيع التجزئة وكلاهما يعتمدان على الكفاءة وبعيدين عن الابتكار، فهما قطاعان كثيفا العمالة لديهما حواجز منخفضة للدخول والمنافسة إذ لا يتطلبان معرفة أو رأس مال كبير.
الاحتياجات التي أظهرها التقرير هي تدريس أسس البيزنس الأساسي في المدارس والجامعات المصرية فهناك إجماع على أن نظام التعليم لا يقدم المعرفة والمهارات اللازمة التي يحتاجها رائد الأعمال، كما أن هناك حاجة لنشر السلوكيات الريادية في الثقافة المصرية خاصة في الإعلام ومنها سلوكيات المبادرة الشخصية وخوض المخاطرة والإبداع والابتكار والتعلم من الفشل، والحاجة لتحسين بيئة البيزنس بشكل عام خاصة في السياسات والاجراءات الحكومية والحاجة القوية للتمويل خاصة من مصادر بديلة.
عناصر داعمة
أما العوامل التي تدعم ريادة الأعمال كما رصدها التقرير فهي تزايد أعداد حاضنات الأعمال ومسرعات والبرامج الجامعية التي تساعد رواد الأعمال في بداياتهم، وجود منظومة ريادية تعمل على التشبيك بين المنظمات المختلفة كلها تكمل بعضها البعض، توفر تعليم أسس ريادة الأعمال في المدارس الخاصة والدولية في المرحلة الثانوية وفي الجامعات، وجود الكثير من المشاكل يعني أن هناك فرصا كبيرة، وأخيرا وجود شريحة شبابية لديها الشغف الكافي ومتابعة للتطورات التكنولوجية بما يمكنها من المساهمة في حدوث تحول إيجابي بالمجتمع.
وأشار كريم صغير، عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية، إلى ضرورة الاستفادة من نتائج التقرير لكي تصبح السياسات القائمة وتصميم البرامج أكثر فعالية مستندة على أدلة.
وخلص التقرير ضمن توصياته إلى أهمية وضع ريادة الأعمال في صدارة اهتمامات صناع القرار والأجهزة الحكومية، إجراء إصلاحات في السياسات والبرامج الحكومية بمجالات تعليم البيزنس وإصلاحات تشريعية خاصة بقوانين الإفلاس والاستثمار والمشتريات وتبسيط عمليات الترخيص وتحسين طرق الوصول للتمويل. أما المنظمات المانحة المحلية أو الدولية فذكر إن عليها التركيز على بناء القدرات على المدى الطويل. أوصى التقرير أيضا بدعم تحويل واستدامة التكنولوجيا المصنعة محليا وزيادة التواصل بين الأكاديميا والصناعة.