خاص – entrepreneuralarabiya
العودة إلى الأسطوانة القديمة؟ متداولو النفط بانتظار نتائج الاجتماع المقبل لمنظمة ’أوبك‘ في فيينا، ولكن تبقى التساؤلات مطروحة حول نتيجة الاتفاقية المنتظرة التي تحتمل وجهين مختلفين
بقلم أولي هانسن – كبير محللي الأسواق – ساكسو بنك
تواصل أسواق المال العالمية تعديل توقعاتها ونظرتها المستقبلية على ضوء نتائج الانتخابات الأمريكية؛ حيث أدى الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة ستقود موجة من النمو تقوم على رفع مستوى الإنفاق المالي بدل تبني استراتيجية التيسير الكمّي والتقشف إلى إحداث ردات فعل كبيرة ومباشرة ضمن جميع فئات الأصول، مقرونة بتسجيل ارتفاع ملحوظ بقيمة الدولار الأمريكي والأسهم وعائدات السندات.
وغالباً ما يتسبب الارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي بإحداث أثر سلبي على قطاع السلع عموماً، إلا أن التوقعات برفع مستويات الإنفاق على البنية التحتية- على مستوى العالم وليس فقط في الصين- وتوجه ’منظمة الدول المصدرة للبترول‘ (’أوبك‘) لتوقيع اتفاقية خفض الإنتاج العالمي من النفط بتاريخ 30 نوفمبر الجاري وفرت دعماً كبيراً لقطاعي المعادن الصناعية والطاقة.
وفي المقابل، بدت المعادن الثمينة الخاسر الأكبر مع مواصلة الدولار الأمريكي والأسهم وعائدات السندات ارتفاعها، مما أسهم في الحد من التوجه نحو الذهب والفضة كاستثمارات بديلة تشكل ملاذا ًآمناً. ولذلك، شهدت حصص الصناديق المتداولة في البورصة التراجع الأكبر لها على مدى 4 أسابيع منذ شهر يوليو 2013، وذلك مع تدني الذهب إلى مستويات قياسية دفعت الكثيرين للتشكيك باستمرار المنحى التصاعدي لأسعاره، والذي تم توقعه لمدى عام تقريباً.
باقي انواع السلع
من جهته، سجّل القطاع الزراعي أداءً معقولاً نسبياً باستثناء مادتي السكر والقهوة بسبب استمرار ضعف الريال البرازيلي؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع التوقعات بارتفاع قيمتها على المدى الطويل.
وسجل عقد الغاز الطبيعي الشهير بتقلباته تعافياً كبيراً مدعوماً بتوقعات حلول فصل شتاء أبرد من المعتاد في الولايات المتحدة وتسجيل انخفاض أولي مبكر في المخزون الفصلي من الغاز على مستوى الولايات عموماً.
كما تستمر حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الذهب، والفضة بشكل خاص، بسبب التركيز الحالي على تحسن الدولار الأمريكي والأسهم وعائدات السندات، وذلك بالتوازي مع بدء انحسار مستويات المرونة التي ميزت مستثمري المدى الطويل الذين وجهوا تركيزهم نحو المنتجات المتداولة في البورصة مقرونة بتخفيضات بدأنا نشهدها بشكل متواصل منذ 9 نوفمبر.
وبموازاة ضعف الذهب الناتج عن قوة الدولار الأمريكي، من الجدير الاطلاع على أسعار الذهب المسجلة بعملات أخرى. وعلى سبيل المثال، شهدت عملتا الصين والهند- أكبر مشتريين في العالم للذهب الفعلي- تراجعاً خلال الأسبوعين الماضيين؛ ففي حين تراجع سعر تداول الذهب مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 6.8% منذ الانتخابات الأمريكية، سجلت الروبية الهندية واليوان الصيني تراجعاً بنسبتي 3.7% و4.7 % على التوالي مقابل الذهب.
مشكلة الذهب
وبدأ المستثمرون الذين توجهوا نحو المنتجات المتداولة في البورصة والمدعومة بالذهب يشعرون بتأرجح كبير مع الهبوط المستمر في إجمالي الحيازات منذ تاريخ 8 نوفمبر. ويعد الانخفاض بمقدار 100 طن تقريباً الذي شهدته الأسواق منذ الانتخابات الأمريكية الأكبر منذ شهر يوليو 2013. وتبقى مخاطر التصفية الإضافية طويلة المدى مرتفعة مع احتمال شراء من 100 إلى 200 طن من الذهب فوق المعدلات الحالية.
وعلى المدى القصير، تتوجه الأنظار إلى نتائج الاستفتاء في إيطاليا بتاريخ 4 ديسمبر، والتي ستدخل البلاد في حالة من الفوضى السياسية إذا تم رفض الإصلاحات التي قدمها رئيس الوزراء. ويتبع ذلك اجتماع ’لجنة السوق المفتوحة الفدرالية‘ الأمريكية يوم 14 ديسمبر؛ حيث ألقى التوقع بارتفاع أسعار الفائدة بظلاله مسبقاً على أسواق التداول العالمية..
وفي حال تجاوز سعر الذهب عتبة 1203 دولاراً للأونصة، من المرجح أن يشكل ذلك مؤشراً لتعزيز مكانة الذهب، بينما سيعني الانخفاض إلى ما دون حاجز 1172 دولاراً للأونصة مقدمة للانفتاح على مرحلة جديدة من ضعف الأداء.
المعادن
واصلت المعادن الصناعية، ولاسيما النحاس، أداءها التصاعدي القوي الذي ميز شهر نوفمبر، وذلك بعد تداولها ضمن نطاق الصعود والهبوط لأكثر من عام؛ حيث أدت التوقعات بارتفاع مستويات الطلب على المعدن من قبل الصين (وحالياً الطلب الأمريكي عليه، بالإضافة إلى الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي الجديد) إلى اتساع حجم الفارق للنحاس بنسبة 30% مقابل الذهب خلال الشهر الفائت.
ونتيجة لذلك، شهدت الأسواق هبوط معدل سعر الذهب إلى النحاس، أو مجموع أرطال النحاس الكافية لشراء أونصة ذهب، إلى أدنى مستوياته خلال 16 شهراً. وغالباً ما يشير النهج غير القائم على أسس علمية في التحليل إلى أن معدل الهبوط في مسار حركة الأسعار يحدث عندما يراهن المستثمرون على نمو في النشاط الاقتصادي العالمي. وفي المقابل، يسجل معدل الأسعار ارتفاعاً عندما يعبر المستثمرون عن قلقهم حيال حماية ثرواتهم ضمن بيئة اقتصادية تتسم بالتباطؤ.
وتتحضر أسواق النفط لهذا اليوم منذ شهر سبتمبر الفائت عندما قطعت المنظمة التي اجتمع أعضاؤها في الجزائر العاصمة وعوداً بالسعي نحو التوصل لاتفاقية تحدّ من انتاج النفط إلى ما دون مستوى 32.5 – 33 مليون برميل يومياً، وذلك ضمن أجواء ميزها الارتفاع في معدلات الطلب والانخفاض الحاد في الأسعار.
اوبك ومعدلات الانتاج
ومن وجهة نظرنا، ستقوم ’أوبك‘، أو بالأحرى سيتوجب عليها، الحد من معدلات الإنتاج، إلا أنه سينبغي عليها أيضاً تحديد حجم الانخفاض والدول التي ستقع على عاتقها هذه المسؤولية. ويعدّ ذلك من أهم التساؤلات التي حافظت على الأسعار في أسواق النفط حول معدلاتها المعهودة لعدة أشهر، إلا أنه لم يتم حتى الآن توقيع هذه الاتفاقية التي تعد مقدمة لخفض الإنتاج العالمي من النفط بمعدل مليون ونصف برميل في اليوم؛ حيث تشكل الجمهورية الإيرانية الغائب الأبرز عنها.
وفي حال توصل الاتفاقية إلى حلّ ناجع، ستشهد الأسواق ارتفاعاً في أسعار النفط إلى نحو 50 دولاراً أمريكياً للبرميل. وفي المقابل، سيؤدي الخروج باتفاقية ضعيفة إلى عودة الأسعار إلى ما دون 45 دولاراً للبرميل؛ حيث من المحتمل لهذه النتيجة التي تحتمل وجهين مختلفين أن تسهم في تهدئة الأسواق نسبياً حتى موعد الاجتماع المنتظر يوم الأربعاء المقبل.
وخلال الأشهر السبعة الماضية، حاولت أسواق النفط بشتّى الوسائل، إلا أن جهودها غالباً ما باءت جهودها بالفشل، لتقدير الخطوة التالية التي ستخطوها ’أوبك‘. وخلال هذا الوقت، قوبلت حالة تدني الأسعار بتصريحات وتدخلات كلامية من قبل مجموعة الدول المنتجة، إلا أن هذه التدخلات لم تثمر عن نتائج ملموسة، وتوجهت الأنظار نحو آفاق الأسعار السلبية المترافقة مع الزيادة في انتاج الدول غير الأعضاء في ’أوبك‘، ولا سيما في قارة أمريكا الشمالية.
وبينما نتوقع من ’منظمة الدول المصدرة للبترول‘ الخروج بصفقة تثمر عن خفض الإنتاج العالمي للنفط، يبقى التساؤل مشروعاً عن مدى محافظة ’أوبك‘ على وحدة صفوفها عند طرح بنود الاتفاقية؛ حيث سيعني الخروج باتفاقية جيدة خفض انتاج جميع الدول الأعضاء بنسبة 4.5%، أو بما يعادل 32.5 مليون برميل يومياً، مع استثناء ليبيا ونيجيريا. وسيسهم ذلك في عودة أسعار خام برنت إلى الحد الأعظمي الذي تم تسجيله في شهر أكتوبر، وهو بالكاد أقل من 54 دولاراً للبرميل.
ومبدئياً، سترتفع الأسعار مدعومة بعمليات التغطية القصيرة، والتي بدأنا نرى بوادرها بارتفاع ملحوظ في بيع خام برنت على المكشوف خلال شهر نوفمبر استجابة لمتطلبات السوق التي شهدت فائضاً في العرض.
وعلى أية حال، فإننا نشكك بقدرة هذه الاتفاقية في المرحلة الراهنة على إحداث نقلة نوعية في الأسعار، ولاسيما من وجهة نظر تحليلية تاريخية قائمة على مدى التزام دول منظمة ’أوبك‘ بمعدلات خفض الإنتاج المتفق عليها؛ إذ لطالما شكل هذا الأمر تحدياً كبيراً للمنظمة. وبعد انتهاء موجة ارتفاع الأسعار الأولية، من المرجح أن تتبنى الأسواق نهج الانتظار والترقب ريثما ترد الدلائل الكافية التي تبرهن عن بدء تنفيذ عمليات خفض الإنتاج.
وفي حال تم إقناع روسيا والدول غير الأعضاء في ’أوبك‘ بالالتزام بخفض الإنتاج بمعدل نصف مليون برميل يومياً، يمكن لهذا الأمر أن يغير من النظرة المستقبلية بشكل جوهري ويسهم في الوصول إلى عتبة الخمسين دولاراً، ما يعني عودة التوازن إلى الأسواق بشكل أسرع مما كان متوقعاً.