القاهرة: حنان سليمان
في منتصف الشهر الحالي، دعي د.عمر شكري للمشاركة في مؤتمر Egypt Mega Projects الذي أقيم برعاية وزارة التخطيط وفي حضور ممثلين عن وزارات الصناعة والتجارة والنقل ومستثمرين كبار من داخل وخارج مصر لعرض مشروعه “نواة” كأول حاضنة علمية في مصر تستقطب أصحاب الاختراعات العلمية لتنقلهم إلى عالم السوق والتجارة يتم إطلاقها مطلع العام القادم.
المشكلة أو الفجوة التي يراها شكري هي أن العلماء غالبا ما يتوقفون عند تسجيل براءات اختراعاتهم دون أن يحولوها إلى صناعات أو بيزنس. ويقول لـ”انتربرونور العربية”: الباحثون والمستثمرون عادة لا يجتمعون فالباحثون أكاديميون ليسوا مدربين على مخاطبة المستثمر أو شرح أهمية العلم الذي توصلوا إليه وكيف يترجم في الحياة العملية وما الفارق الذي سيحدثه. يسرد شكري بعض الأرقام قائلا إن هناك ما يقرب من 25 ألف باحث مصري في مجالات الصيدلة والزراعة والعلوم والطب البيطري لكن أبحاثهم لا تترجم لشركات ناشئة، لافتا إلى أنه باانظر إلى نحو ثلاثمائة براءة اختراع مسجلة في الكيمياء والأحياء لدى المركز المصري لبراءات الاختراع، لم يجد سوى اختراعين فقط تم تحويلهما لشركات.
حتى وقت ليس ببعيد، كانت خبرة شكري كلها في مجاله العلمي فهو صيدلي، كان معيدا بالجامعة الألمانية بالقاهرة قبل انتقاله لألمانيا لتطوير أبحاث وعمله هناك في شركة دواء صغيرة كانت هي بداية تعارفه على ريادة الأعمال حيث كانوا يصنعون مكونات صغيرة يبيعونها لاحقا إلى شركات الدواء الكبرى. انتقل بعدها شكري إلى سويسرا حيث حصل على الدكتوراه في تخصص تكنولوجيا الصيدلة وأخيرا لندن حيث يدرس حاليا ماجيستير إدارة الأعمال. وعاد شكري إلى مصر بشكل رسمي في شهر يونيو الماضي بعد فترة إدارة للشركة من الخارج مع وجود فريق عمل بالقاهرة.
وسيط بين العالم والمستثمر
يوضح شكري أن قطاع الطب الحيوي في مصر يفتقر لإمكانيات تطوير هذه الأبحاث من معدات وأجهزة فالمراكز الطبية التي لديها أجهزة متقدمة محدودة وغالبا ما يتم ارسال العينات إلى الخارج لتحليلها، رغم وجود المهارات البشرية المدربة وصاحبة الكفاءة العالية. ويضيف: سمعة البحث العلمي في مصر سيئة وهناك حاجة للتحكيم المستقل من قبل طرف ثالث يربط بين الباحث والمستثمر. نواة ستكون هذا الوسيط الذي يدعو المستثمرين لتطوير مكونات صغيرة باستثمارات كبيرة وعائد أكبر. الاستثمار في مجال التكنولوجيا الحيوية يحفه المخاطر لكن لو نجح فأرباحه ستكون ضخمة. ويشير إلى الحاضنات العلمية في ألمانيا وسويسرا التي ساهمت بشكل كبير في تحويل العديد من الاختراعات إلى شركات صغيرة ومتوسطة.
من هنا، يطمح شكري لأن تغير “نواة” شكل البحث العلمي في مصر تدريجيا عبر تقديم خدمة أو منتج جديد كل سنة إلى السوق وإحداث فارق ملموس. ستستقبل “نواة” الباحثين أصحاب الأفكار التي يرون فيها فرصا تجارية ممكنة للاحتضان والتمويل ودراسة السوق ووضع خطة عمل والاختبار المعملي مقابل استحواذ على الاختراع بنسبة تتراوح بين 5-10%، كما ستعرض على المستثمرين نتائج صحيحة ومختبرة وتساعد الباحث على وضع خطة خروج يحصل بها المستثمر على نسبة من الاختراع، بخلاف نسبة “نواة”.
ويشرح رئيس مجلس إدارة “نواة” اختلاف الاختراعات العلمية عن غيرها قائلا إن هناك مسافة ومراحل عدة بين الاختراع والمنتج النهائي فهو يبدأ بفكرة يتم تطويرها لمستوى معين ثم تباع لشركة تطورها أكثر ثم تباع لشركة تطورها أكثر ثم يتم البيع لشركة أدوية كبيرة. تتدخل “نواة” في المرحلة الأولى من تطوير الفكرة لتنقلها للمرحلة التالية، ومن المقرر أن تقبل حاضنة “نواة” مشروعين أو ثلاثة في الدورة الواحدة.
ولكن كيف ستتمكن “نواة” من اختبار الاختراع وتجربته وأين ستجد الأجهزة اللازمة؟
“نواة” هي بالأساس شركة قبل أن تكون حاضنة علمية بدأت نشاطها في يناير 2015 كأول مركز بحثي متخصص في مجالات العلوم الطبية والطبيعية فتتيح للباحثين خدمة تطوير أبحاثهم وتجربة عينات على ثلاثة أجهزة علمية متطورة هي جهاز الفصل الكروماتوجرافي PuriFlash 4100 وجهاز التحليل الكروماتوجرافي ذو الضغط العالي HPLC و جهاز تحليل حجم الجزيئات Nanotrac Wave II في مقر المركز فوق جبل المقطم بالقاهرة لا يوجد مثلها في مصر، وتسعى لشراء جهازين في الفترة القادمة بتكلفة ملايين الجنيهات هما وحدة زراعة الخلايا Cell Culture Unit وجهاز الفصل و مقياس الكتلة LC-MS-MS، كما تنظم تدريبات للطلبة وتطور مشروعات لشركات، ومؤخرا عقدت شراكة مع شركة “أرامكس” للشحن ليتمكن من يقطن خارج القاهرة من ارسال عينات للتحليل والحصول على النتائج على الانترنت.
حسب تقديرات “نواة”، فإن إجمالي حجم السوق المحلي يتجاوز 500 مليون جنيه سنويا مقسمين بين الأكاديميين والطلبة والشركات؛ فعدد الأكاديميين، وهي الشريحة الأولى التي تستهدفها الشركة، يتجاوز 23 ألفا ينفق الواحد منهم قرابة 7 آلاف جنيه سنويا على الأبحاث أي أن حجم التعامل مع هذه الشريحة يمكن أن يدر 165 مليون جنيه سنويا. أما طلبة كليات الصيدلة والعلوم والطب البيطري وهم الشريحة الثانية المستهدفة فيقترب عددهم من 150 ألفا ينفق الواحد منهم نحو 750 جنيها على التدريبات سنويا أي أن الحجم المالي لهذه الشريحة هو 120 مليون جنيه سنويا. وأخيرا، يصل عدد الشركات المهتمة بنطاق عمل “نواة” إلى 10 آلاف شركة بحجم تعاملات سنوي يقدر بـ250 مليون جنيه سنويا.
بدأت الشركة باستثمارات وصل حجمها إلى 2,5 مليون دولار من 34 مستثمر وحققت في السنة الثانية معدل نمو بلغ 420% كما يقول شكري وهو ما يثبت أن هناك سوقا كبيرا للعلوم في مصر لكنه لم يستغل بعد. وينتظر أن تتلقى “نواة” قبل نهاية العام استثمارات إضافية بقيمة 400 ألف دولار من مستثمرين سيتم الإعلان عنهم لاحقا.
وتستهدف نواة التوسع رأسيا في مصر ثم أفقياً في الدول المجاورة التي تحتوي على أسواق ذات خصائص مشابهة أي وجود نشاط بحثي طموح مع ضعف في الإمكانيات مثل الأردن والسودان وتونس والجزائر والمغرب.