خاص – ايمان مصطفى
يعتبر الغاز الحيوي أو “البايوجاز” من أهم المصادر الطاقة المتجددة. ، ويمكن الحصول عليه من تخمير روث المواشي.
وتحتاج وحدة انتاج الغاز الحيوي 50 كيلوجرامًا من الروث، يتم خلطها بـ 50 لترًا من الماء، ليتم التفاعل الكيميائي اللازم للإنتاج.
من ثم يُنظر للغاز الحيوي على أنه المخرج الآمن لمصر من أزمة الطاقة، إذ أن بلد الـ95 مليون نسمة تنتج 90 مليون طن مخلفات سنويًا، 56% منها مخلفات عضوية.
ويعد التخلص من تلك المخلفات معضلة تواجه الحكومة المصرية، لما تشكله من خطر واضح يهدد البيئة، إذ يتم التخلص من تلك المخلفات على حافة الترع والمصارف، الأمر الذي يعكس ضرورة توجيه تلك المخلفات لتوفير الغاز الحيوي، كمصدر نظيف للطاقة، حيث أنه يوفر طاقة بديلة للغاز الطبيعي، وسماد عضوي للأراضي الزراعية كبديل للسماد الكيميائي، إلى جانب إنتاج علف يصلح لتغذية الحيوانات.
وفي ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار نتيجة قفزات الدولار المتكررة، وخفض قيمة الجنيه المصري، تزداد حاجة البلاد إلى الاعتماد على مصادر متجددة للطاقة للحد من استهلاك منتجات الطاقة غير المتجددة؛ بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية.
وتفعيلًا لخطط الدولة نحو التنمية المستدامة، اتجهت وزارة البيئة المصرية إلى استغلال تلك المخلفات لإنتاج الغاز الحيوي. من هذا المنطلق، أعلنت الوزارة عام 2013 عن مشروع الطاقة الحيوية للتنمية المستدامة بدعم من مرفق البيئة العالمية GEF بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
تضمن المشروع تدريب جهاز شئون البيئة التابع للوزارة باستمرار، لمهندسين من كافة أنحاء الجمهورية ومن مختلف التخصصات، على آليات إنشاء وحدات الغاز الحيوي، على سبيل تأهيلهم لتأسيس مشروعاتهم الخاصة بالمجال.
رائدة أعمال من صعيد مصر
انضمت رائدة الأعمال المصرية منى الخضيري، وهي من محافظة الأقصر في صعيد مصر، للبرنامج التدريبي التابع لوزارة البيئة، والذي استمر 4 أشهر، لتبدأ رحلتها الريادية بمجال الطاقة الحيوية بعد إنهائه مباشرًة.
أطلقت الخضيري شركتها “الخضيري بايوجاز” ElKhodairy Biogas، في سبتمبر 2014، كشركة متخصصة في إنشاء وحدات إنتاج الغاز والسماد الحيوي من روث المواشي.
حصلت الخضيري على دعم من وزارة البيئة، بتمويل وحدات الغاز الحيوي التي تتعاقد عليها مع المستفيدين في القرى والمراكز. وكان ذلك جزءًا من دعم قدمته الوزارة آنذاك لتمكين رواد الأعمال المقبلين على العمل بإنشاء وحدات الغاز الحيوي.
تمثل دعم الوزارة في توفير احتياجات المشروع بالكامل، باستثناء المهندس المشرف وعامل البناء، وهي العمالة التي كان على “الخضيري بايوجاز” أن توفرها.
وتشرح الخضيري بداية رحلتها الريادية لـ”أنتربرنور العربية” قائلة: “ساندني أصدقائي وزملائي في النمو بفكرة مشروعي، إذ كنا نزور القرى والمراكز في الصعيد، ونشرح أهمية الغاز الحيوي وفوائده، وبالفعل نجحنا في إقناع المستفيدين وبدأت الفكرة تنتشر، حتى أننا بدأنا نستقبل طلبات من المحافظات أخرى مثل الشرقية والفيوم، ولاسيما أن الوحدات كانت ممولة من قبل وزارة البيئة وهو ما حمّس الفلاحين والمزارعين على خوض التجربة”.
استمرت عوائد “الخضيري بايوجاز” قائمة على تنفيذ الوحدات بالشراكة مع وزارة البيئة، حتى قررت الأخيرة أن “ترفع دعم وحدات الغاز الحيوي نهاية 2015، واقتصر دورها منذ ذاك الحين على الإشراف على تنفيذ الوحدات ومنح المستفيدين مواقد وتوصيلات تدعم العمل بالغاز الحيوي مجانًا، الأمر الذي أثّر سلبًا على المشروع، فكثيرًا ما نقابل مستفيدين متحمسين للفكرة ولكن غير قادرين ماليًا على تنفيذها”، حسب الخضيري.
متطلبات وحدة الغاز الحيوي
ويتطلب إنشاء وحدة الغاز الحيوي، مساحة لا تقل عن 3 X 4 أمتار، ويتم بناؤها من الطوب والأسمنت ويتم عزلها عن الأكسجين. وتتكلف الوحدة 5 آلاف جنيه (حوالي 600 دولار) في المتوسط، وتحتاج ثلاثة أيام ليتم تنفيذها بالكامل، و15 يومًا في المتوسط لتوليد الغاز الحيوي. ويتطلب ذلك من المستفيد أن يوفر على الأقل 3 رؤوس مواشي، ليحصل على 4 ساعات غاز، وهو حصيلة إنتاج 2.5 إسطوانة غاز شهريًا، علمًا أن أسعار تلك الإسطوانات غير مستقرة أيضًا، وتشهد أزمات من وقت لآخر.
في المقابل، تنتج وحدة الغاز الحيوي سمادًا عضويًا كافيًا لتسميد ثلاثة فدادين سنويًا، وهو ما يزيد من خصوبة الأرض الزراعية، ويرفع المحصول بنسبة 30%. أيضًا يُستغل الغاز الحيوي أيضًا في تقليل نسبة الري، وتحفيز الزراعة العضوية، بما يجنّب المزارعين تحديات غلاء أسعار الأسمدة التي تتأثر مباشرة بتذبذب سعر الدولار.
وتخاطب الخضيري قطاع عريض من العملاء بدايًة من المزارع البسيط ،على أن يمتلك 3 رؤوس مواشي بحد أدني، ومرورًا بالمزارعين الكبار حتى 50 ماشية، ووصولًا إلى أصحاب مزارع العلف والتسمين ومزارع الدواجن. هذا مع العلم أن عدد المزارعين في مصر أكثر من نصف تعدادها السكاني، بواقع 51 مليون مواطن.
خطوات جادة نحو النمو
وضمن مساعيها للنمو بشركتها والوصول إلى أكبر نسبة من قاعدة العملاء، اهتمت الخضيري بالتسويق لمشروعها بالعديد من الفعاليات الريادية بهدف الحصول على دعم فني ومالي.
في هذا الإطار، شاركت الخضيري، في أبريل 2015، في مسابقة “كبر شركتك” Grow Your Company التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية يونيدو UNIDO، لدعم رواد الأعمال الشباب في مجال إدارة المخلفات للتوظيف والتنمية الاقتصادية المحلية.
كانت المسابقة بمثابة نقطة انطلاق حقيقية للخضيري، إذ أتاحت لها فرصة لقاء عمر المراغي المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لحاضنة Sustaincubator المصرية، المعنية بدعم المشروعات الناشئة في قطاع البيئة المستدامة.
واختار المراغي “الخضيري بايوجاز” للاحتضان لمدة عام مقابل حصة رفضت الخضيري أن تفصح عنها، وتم تغيير اسم الشركة منذ ذلك الحين لـ”ايكو طاقة” Eco Taqa لسهولة تسويقها عالميًا.
https://www.youtube.com/watch?v=8Pwx3vVj1g4
وتسعى الخضيري بدأب لتطوير شركتها الآن، وتطّلع إلى إنشاء ألف وحدة بحلول 2018. كما وتخطط لتطبيق وحدات إنتاج غاز حيوي من مخلفات الطعام بالتعاون مع الجامعات والمطاعم، ثم الانتقال لإنشاء وحدات تعمل بمخلفات المنازل.
ورغم أن مشاركة النساء في القطاع الريادي لم تعد أمرًا غريبًا على عالم الابتكارات وريادة الأعمال، حتى أن بعضهنّن وصلنّ إلى وادي السيليكون، إلا أن المذهل في قصة نجاح الخضيري، هو قدرتها على مواجهة قيود المجتمع الصعيدي في مصر، والمفروضة على الفتيات تحديدًا.
وبعد أن نجحت في الخروج من دائرة القيود المحلية، هل لها أن تتطلع إلى العالمية؟ سؤال ستجيب عنه السنوات (أو ربما الأشهر) المقبلة.