خاص – entrepreneuralarabiya
– بقلم كريستوفر إيفانس، المدير الإداري لمجموعة كولينسون
قبل فترة ليست ببعيدة كانت وظيفة مدير البنك أكبر بكثير من مجرد الإدارة، فقد كان مديرو البنوك بمثابة مستشارين ماليين، ووسطاء قروض ومؤتمنين موثوقين لعملائهم. وكانت علاقتهم بعملائهم علاقة شخصية فكان العملاء يطلبون مشورتهم في كثير من القرارات الحياتية الهامة بدءاً من تمويل حفلات الزفاف، وشراء سيارة، والتخطيط لإنجاب أطفال أو شراء منزل. ولكن بمرور الوقت أصبح مدير فرع البنك مندوباً للمبيعات أكثر من كونه مستشاراً. وشيئاً فشيئاً تقلصت العلاقة الشخصية بين العملاء وبنكهم بسبب ظهور الخدمات البنكية الرقمية رغم أن مثل هذه الخدمات منحت العملاء مرونة أكثر في كيفية تفاعلهم مع بنكهم. ورغم أن التجربة الرقمية المتكاملة أصبحت بالغة الأهمية بالنسبة للبنك الحديث، لا يزال العملاء يقدِّرون اللمسة الإنسانية، وهي اللمسة التي لم تفقد أهميتها وستبقى جوهرية في إقامة العلاقات مع العملاء وكسب ولائهم. ويمثل ذلك فرصة أمام البنوك التي يمكنها تحقيق التوازن المنشود بين تقديم تجارب رقمية متميزة وعودتها مرة أخرى للقيام بدور المستشار الموثوق. ولكي يحدث ذلك لابد أن تحوِّل البنوك تركيزها من التفاعلات والاتصالات المعاملاتية القائمة على المنتج، إلى نموذج أكثر تركيزاً وتمحوراً حول العميل.
شاعت في الغرب حالات إغلاق بعض أفرع البنوك، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال انخفض عدد الفروع البنكية بنسبة 6 بالمائة منذ عام 2009، وهو الآن في أدنى مستوياته منذ أكثر من عقد[1] من الزمن بينما أغلق أكثر من 600 فرع بنكي أبوابه في المملكة المتحدة العام الماضي[2]. وهذا الانخفاض الحاد في عدد الفروع يرجع إلى زيادة الطلب على الخدمات الرقمية، والتحسينات التي يتم إدخالها على المنصات البنكية على الإنترنت. ولا شك في أن البنوك بحاجة لاستغلال قوة هذه الأدوات الرقمية من أجل تقديم خدمة أكثر شخصية واستقطاب مشاركة العملاء وتفاعلهم، ولكنها الآن بحاجة إلى جعل العميل محور كل ما تقوم به من تصميمٍ وتقديمٍ للمنتجات وللخدمات بحيث تلبي بمجملها احتياجات العميل، وليس المنتجات والبنية الأساسية البنكية. والآن، مع انخفاض رسوم التبادل وتأثيرها على الإيرادات وعلى قدرة بطاقات الائتمان على تقديم المكافآت كما كانت عليه الحال في الماضي، ومع ظهور مشروعات جديدة خلخلت السوق، أصبح واجباً على البنوك أن تلبي توقعات العملاء وإلا فإنها معرضة إلى انخفاض مشاركة وتفاعل العملاء بل وإلى خسارة العملاء أنفسهم.
إن التمركز والتمحور حول العميل لا يتعلق فقط بالإنصات للكيفية التي يرغب من خلالها العملاء في التواصل والتفاعل معك، بل التعرف على ما يقدره العملاء فوق منتجاتك وخدماتك، وذلك حتى تتمكن من تحديد القيمة والأهمية الإجمالية لعلاقة العميل والعلامة التجارية. وكثير من شركات التكنولوجيا المالية التي خلخلت السوق، أسست أعمالها من منظور المستخدم النهائي بدلاً من منظور المنتج. وهذا ما يمنحها ميزتها التنافسية.
فالعملاء يتوقعون الآن الحصول على تجربة مفصلة حسب احتياجاتهم الفردية. ولقد كشفت دراستنا لعملاء الطبقة الوسطى الموسرة في الإمارات العربية المتحدة أن ثلثاها (65 بالمائة) يشعرون بولاء أكثر نحو العلامات التجارية التي تتعرف عليهم وتعاملهم بشكل مختلف، وتتوقع نفس هذه النسبة من بنوكها الاستباق والمبادرة إلى تقديم منتجات وخدمات تلبي احتياجاتهم. علاوة على ذلك، فقد وجدت الدراسة البحثية أن 69 بالمائة من عملاء البنك يتوقعون مكافأتهم على البقاء، وترغب نفس هذه النسبة فعلياً في اختيار المكافآت والمزايا التي تناسب أذواقهم واهتماماتهم بأفضل شكل.
لدى البنوك الإمكانيات اللازمة لاستخدام البيانات بغرض تحسين تجربة المستخدم وإقامة علاقة شخصية ووجدانية أفضل. ويمكن لمؤسسات الخدمات المالية الاستفادة من أفكار العملاء لكي تصبح بمثابة “صديق مالي” ومستشار موثوق للعميل. على سبيل المثال، يمكن للبنوك تحليل سلوك الإنفاق لكي تتعرف على اللحظات الهامة في حياة العميل مثل الزواج، أو تكوين أسرة، أو حجز عطلة فاخرة. إن جمع وتحليل البيانات –على مستوى المعاملات والسلوك والتوجه – هو المحرك الرئيس وراء هذه الفكرة وخلق الفرص، وينبغي استخدامها بشكل أفضل لتقديم عروض وخدمات مفصلة تحظى بتقدير العملاء بشكل حقيقي.
ولاقتناص هذه الفرصة، يجب أن تقدم البنوك حلولاً تساعد على تلبية احتياجات نمط الحياة الأوسع للعملاء. وعندما تم إجراء استطلاع للرأي، عبّر 68 بالمائة من عملاء الطبقة الوسطى الدولية الموسرة في الإمارات العربية المتحدة عن تقديرهم الشديد لخدمة التأمين الصحي، و64 بالمائة لخدمة المساعدة في حالة فقدان البطاقات، و62 بالمائة للتأمين على السفر. بل حظيت كل الخدمات التالية على معدل تقدير عالٍ من قبل أكثر من نصف عدد من شملهم الاستطلاع وهو أكثر من 6000 شخص: نجدة السيارات المعطلة، والحماية من سرقة الهوية، وخصومات أو عروض التجار الشركاء، وتأمين حماية المشتريات، والمساعدة العاجلة أثناء السفر، والتغطية التأمينية للطوارئ المنزلية/أجهزة التدفئة، ودخول استراحة المطار.
إن طلب العملاء لهذه الخدمات الإضافية يعدّ بمثابة فرصة لكسب ولائهم على مستوى البنك بالكامل كما أنه يحسّن إلى حد كبير من إدراك العميل للقيمة ومن تجربة العميل. كما أوضحت الدراسة أن العملاء يفضلون وجهة واحدة لكل منتجات خدماتهم المالية، بدلاً من تفريقها ما بين مقدم حسابهم الجاري، وتأمين المنزل، والقروض، ولكن لا يوجد لديهم في الوقت الحالي حافز للقيام بذلك. ومن خلال تحليل بيانات العملاء للاستفادة من المناسبات الحياتية الهامة وتقديم عروض مخصصة ذات صلة استناداً إلى هذه الفكرة، يمكن للبنوك تقديم حوافز لتشجيع شراء منتجات متعددة. والمحصلة النهائية في هذه الحالة هي تحقيق ولاء على مستوى البنك بالكامل، وتحفيز العملاء على التفاعل مع البنك، وزيادة الأرباح.
وهذا التركيز على احتياجات العملاء، باعتباره محورياً لإستراتيجية الأعمال، هو ما يخلق اللمسة “الإنسانية” مرة أخرى في العلاقة البنكية، حتى عبر القنوات الرقمية.
إلا أن نجاح هذا الأمر يتوقف على استفادة البنوك من التعاون مع الشركاء، وتبني نهج مفتوح لواجهة برمجة التطبيقات (API) من أجل السماح بمستويات أكبر من تحسين البيانات. ويمكن للعلامات التجارية، من خلال تجميع بياناتها مع بيانات الأطراف الخارجية، رسم صورة لعملائها على امتداد نقاط تماس متعددة. ويتضمن ذلك التفاصيل الدقيقة لرحلات العملاء وتفضيلاتهم وسلوكياتهم الفريدة من أجل تقديم خدمات وتجارب متكاملة وذات صلة بالعملاء عبر القنوات الرقمية وغيرها من القنوات.
وفي النهاية فإن مؤسسات الخدمات المالية بحاجة إلى وضع أهداف وغايات واضحة جداً لتحقيق تفاعل ومشاركة العملاء وتنسيق استثماراتها مقابل تلك الأهداف من أجل تكوين وظائف تسهل أداء العملاء للإجراءات الأساسية دون عناء. وينبغي لتجربة العميل أن تمنحه الشعور بالسيطرة سواء كانت تجربته تتعلق بتكرار الشراء نفسه، أو شراء خدمات إضافية، أو الحصول على حوافز أو مكافآت. وفي معظم المؤسسات يتطلب تحقيق ذلك تحولاً تنظيمياً نحو تنسيق أفضل للعمليات والموارد، وربطاً أفضل ما بين أقسام التسويق وخدمة العملاء. ورغم أن ذلك يبدو تحدياً صعباً، إلا إن هناك منافع جمّة تنعكس على من يقوم به بشكل صحيح. فنحن نرى ذلك يتحقق بالفعل في أسواق ناشئة بمستويات عالية من الثروة. ودولة الإمارات العربية المتحدة لها الريادة في هذا الصدد، فمبادرات الولاء على مستوى البنك بالكامل تدفع نحو زيادة مستويات رضا العملاء وزيادة تفاعلهم. وقد كشفت دراستنا للطبقة الوسطى الموسرة في الإمارات العربية المتحدة عن أن المشاركة في برامج ولاء البنوك قد زادت بنسبة 56 بالمائة في العام الماضي.
فإذا قامت البنوك بمكافأة وتحفيز وإشراك العملاء، يصبح البيع المتقاطع لمنتجات وخدمات أخرى أسهل. ويمكن أن يتضمن ذلك مدخرات وقروض وحماية ومنتجات للتجربة. وإن النظرة الفردية للعميل تشكل الأساس لتطوير وتمويل مبادرات الولاء على مستوى البنك بالكامل، وهو ما سيحقق عائداً متزايداً للقطاع ويسمح بالاستثمار في العملاء معنوياً ومادياً في البنك.
تمثل الزيادة السريعة في الطلب على الخدمات الرقمية فرصة أمام مؤسسات الخدمات المالية لتطوير علاقات أعمق مع العملاء من خلال تحقيق الاستفادة المثلى من البيانات وأشكال التفاعل والعروض وتكاملها. وإن تقديم منتجات وخدمات تتسم بدرجة أكبر من الاختيار الذاتي والتفصيل يمكن أن يبشر بعصر جديد للدور الذي تؤديه البنوك في حياة العملاء في وقتنا الحالي وفي المستقبل. وقد لا يكون تحقيق مفهوم “بنكي الخاص” منا ببعيد.