الكويت : الدكتور مساعد الرزوقي
تنفق حكومات دول مملس التعاون الخليجي مليارات على تحسين بنيتها التحتية في مجال خدمات الرعاية الصحية حيث لا يطلع صباحٌ إلا وتضجّ صفحات الصحف المحلية والإقليمية بروايات تطال المشاريع الاستشفائية الأجدد أو الأصخم أو الأبرز.
في هذا السياق، تتضمّن موازنة المملكة العربية السعودية أموالاً مخصّصة لإنشاء 19 مستشفى جديدًا فضلا عن 102 مستشفى قيد الإنشاء حيث ترتبط 9 مشاريع منها تقريبًا ارتباطًا وثيقًا بالقطاع الخاص. من جهتها، تنوي وزارة الصحة الكويتية تخصيص حوالى 5 بلايين دولار امريكي لبناء المستشفيات والأبراج الطبية لتحسين بنيتها التحتية الحالية. أما أبو ظبي وقطر فتنكبّان على بناء مستشفيات ومراكز (بحوث) طبيّة بقيمة بلايين الدولارات ومنها مستشفى كليفلاند كلينك أبو ظبي ومركز السدرة للطب والبحوث المتوقع الانتهاء من تشييدهما في السنوات القليلة المقبلة.
وقد تم تسليط الضوء على الوعد الذي قطعه الاستثمار الخاص في مجال الخدمات الصحية داخل دول مجلس التعاون الخليجي عبر النجاح الأخير الذي أحرزته أبو ظبي في مجموعة مستشفيات النور ومستشفى المركز الطبي الجديد اللذين دخلا سوق لندن للأوراق المالية للتداول بشكلٍ إيجابي، لغاية تاريخ إعداد هذه المقالة، مع مكرّر ربحية (نسبة السعر للعائد) ملفتٍ بقيمة 23,37 و18,69، على التوالي.
لكن تخبّئ زيادة النشاط المسجّل في خدمات الرعاية الصحية أمرا غير صحيّ وغير سليم بين أفراد هذه الأسر. إذ ارتفاع عدد الخخدمات الصحية لسكان في دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من اعتبارها نسبة فتيّة لكون 50% من سكان دول مجلس التعاون الخليجي دون سنّ الـ 25 أمرا يدعو للقلق وخصوصا لداء السكري المتفشي في هذه المجتمعات. وكما هو معلموم يرتبط داء السكّري ارتباطًا مباشرًا بانتشار ظاهرة السمنة التي تتراوح نسبتها بين 30 و66% من عدد السكان وفقا لكلّ بلدٍ في دول مجلس التعاون الخليجي. وبالنسبة إلى الأمراض المزمنة للسكّري، من المقدَّر معاناة حوالى 30% من شريحة السكان الراشدين في تلك الدول من مرض السكّري النوع الثاني.
التيارات
يشهد قطاع الرعاية الصحية اتجاهاتٍ عالميّة عدّة في أيّامنا وهي تبرز جليّة في منطقة الشرق الأوسط. فيما يلي ثلاثة من الاتجاهات الرئيسة:
- المحاسبية – يُعتبَر مبدأ المحاسبية إحدى الاتجاهات العالمية الحديثة الأكثر إثارة للاهتمام في مجال الرعاية الصحية. كما يشكّل النقطة الأساسية لقانون الرعاية الصحية بكلفة مناسبة (ما يُعرَف بـ أوباماكير) في الولايات المتحدة الأميركية. ترتكز الفكرة الرئيسة على عدم إمكانية استفادة الأطباء من حالات مرضاهم بل يتم تحفيزهم عوضًا عن ذلك للمحافظة على صحة المرضى وتعزيز الطب الوقائي والطب القائم على الأدلّة. وهذا ليس بالأمر الجديد. بالعودة إلى منطقة الهلال الخصيب في القرن السابع عشر قبل المسيح، فقد نصّ قانون حمورابي آنذاك على عدم تلقي الأطباء أي أجرٍ إلا في حال كان المرضى معافون وسليمون.
أما بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط اليومَ فيُعتبَر نموذج دفع الرسم مقابل الخدمات المشار إليه آنفًا المعيار الطبيعي. في هذا الصدد، تحاول دول مجلس التعاون الخليجي إعادة تنظيم أنظمة الرعاية الصحي الخاصة بها (تغطي الحكومة حوالى 80% من النفقات على الأقلّ) وتحويلها إلى نظام أكثر استدامة ومحاسبة يتضمّن مشاركة فعّالة من القطاع الخاص.
- الاستهلاكية – تتمثّل إحدى النزعات العالمية الأخرى المثيرة للاهتمام في مجال الرعاية الصحية ذات التأثير الواضح على القطاعات الأخرى مثال السياحة والسفر بنزعة الاستهلاكية أو النقلة النوعية المتمثّلة بتحمّل المرضى مسؤولية تلبية احتياجاتهم الصحيّة. هذا ويشهد النموذج الأبوي والتقليدي للطبّ حيث تعتبر كلمة الطبيب الدليل القاطع والنهائي تآكلاً بطيئًا إما من خلال “التسوّق” عبر الإنترنت أو إلكترونيًا حرصًا على توفير خدمة الرعاية الصحية بأفضل الأسعار وإمّا عبر تشخيص المرضى لحالتهم الصحية قبل زيارة الأطباء من خلال تصفّح مجموعة متنوّعة من المصادر الإلكترونية للرعاية الصحية. وبصورةٍ خاصةٍ، تزداد أهمية عامل شفافية الأسعار باعتبارها نزعة فرعية عالمية نظرًا لزيادة الفرص التي تمكّن المستهلكين من الإطلاع على المعلومات الخاصة بالأسعار قبل الحصول على الخدمات الطبية. إضافة إلى ذلك، انخفضت قيمة دفعات المطالبات الخاصة بشركات التأمين وفقا للبحث الجديد الصادر في مجلة الجمعية الطبية الأميركيّة.
تم التركيز على نزعة الاستهلاكية في مجال الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط نظرًا لعدم امتلاك معظم المداخل/ البوابات الإلكترونية الطبيّة العربية الإشرافَ الملائم ووحدة المراجعة الاختيارية التي يُجريها النظراء كما هي الحال بالنسبة إلى المواقع الإلكترونية الغربية. كما تم تعزيز هذه النزعة بفضل التنقلية العالية للمرضى الموجودين في دول مجلس التعاون الخليجي الذين لا يتقيّدون بنموذج ناظم الرعاية الأوّلية بل يفضّلون عوضًا عن ذلك استشارة أخصائيّ بصورة مباشرة أو الدخول بشكل مفاجئ إلى الطوارئ في حال كانت زيارة الرعاية الأولية الروتينية تفي بالغرض.
لعلّ إحدى المسائل الأخرى التي تعزّز نزعة الاستهلاكية هي قلة تنسيق الرعاية بالنسبة إلى المستهلِك الطبّي. في هذا السياق، يعمد الشخص العادي في الولايات المتحدة الأميركية إلى استشارة حوالى 18 طبيبًا مختلفًا طوال حياتهم وفقا لاستفتاءٍ قامت به Gfk Roper. يمكن تطبيق هذه الحالة على مرضى في دول مجلس التعاون الخليجي حيث يحتمَل أن تشكّل هذه الظاهرة مسألة تامة أكثر خطورة وحدّة نظرًا لعدم امتلاك هؤلاء المرضى أيّ صلة تجمعهم بطبيب الرعاية الأوّلية، حتى أنهم قد يجدون صعوبةً في تحديد اسم طبيب العائلة الخاص بهم.
بالنسبة إلى نزعة الاستهلاكية في مجال الرعاية الصحية، لطالما اشتهرت منطقة الشرق الاوسط بحركة السياحة الطبية الخارجية إلى أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وصولاً إلى جنوب شرق آسيا. إلا أن هذه العملية تشهد نقلة نوعية وبخاصةٍ في دبي. إذ تنفق دول مجلس التعاون الخليجي حوالى 12 مليار دولار امريكي (10 مليار دولار امريكي على شكل مخصّصاتٍ حكوميّة) لإرسال المرضى إلى الخارج للخضوع للعمليات الجراحية للحالات الحرجة ومعالجة مرض السرطان المزمِن والمعالجة الفيزيائية.
تعتبَر دبي إحدى الوجهات القليلة في الشرق الأوسط التي تعتمد استراتيجية متينة للسياحة الطبية ولعلّها تتمتع بالإمكانات الأقوى لتصبحَ المركز العالمي للسياحة الطبية. وبناءً لحسابات الخبراء وتوقعاتهم، تبلغ نسبة السرير/ لعدد السكان حاليًا في دبي 1.65 أسرّة/000. في هذا السياق، وتسعى حكومة دبي جاهدةً لإضافة حوالى 400 سرير مستشفى في الوقت الذي يتولى القطاع الخاص إضافة حوالى 2.486 سريرٍ، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع نسبة السرير/ لعدد السكان لتبلغَ 2.72 سريرًا /000 في السنوات الخمس المقبلة حيث يُتوقع زيادة عدد السكان بنسبة 3%. تظلّ هذه النسبة منخفضة للغاية بالمقارنة مع نسبة 4 أسرّة/000 في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) لكنها تتفوّق على متوسّط النسبة السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي بمعدّل 2 سريرَين/000؛ بعبارة أخرى، يتعيّن على المؤسسات الاستشفائية في دبي جذب المرضى (والسعي لزيادة الطلب) الوافدين من خارج دبي لتلبية هذه العروض المتزايدة.
- التضخّم الطبي – تتخطى حالة التضخّم المنتشرة في قطاع الرعاية الصحية التضخم البارز في مؤشّر أسعار المستهلك (CPA) بأشواطٍ بنسبة 700% تقريبًا على مرّ السنوات الأربعين الأخيرة وفقاً لمكتب إحصائيات العمل الأميركي. بالنسبة إلى خدمات الرعاية الصحيّة، تتمثّل سلة التكلفة الأضخم بالتعويض على عمّال الرعاية الصحية. إذ يترتّب على موظفي مَرافِق الرعاية الصحية تكاليف إضافية سواء تمثّل ذلك برواتب مسؤولي مراكز الرعاية الصحية أو أطبائها المعالجين أو موظفيها الإداريّين. إضافة إلى ذلك، لم تبثّ التكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية الفوضى عينها التي أحدثتها في قطاعاتَ أخرى. إذ يستخدم حوالى 50% فقط من الأطباء الأميركيّين بعضًا من السجلّات الطبية الإلكترونية (EHR) وفقا لشركة باركتيس فوجِن Practice Fusion ومقرّها الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث تعتبَر هذه النسبة أقلّ بكثيرٍ في دول مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى ذلك، تتمثّل العوائق الأخرى المرتبطة بالتكلفة بالتكاليف الإدارية المرتفعة ذات الصلة بالرعاية الصحية. تتراوح هذه التكاليف بين 24 و31% وفقا للبحث الذي أجرته مجلة نيو إنغلاند الطبية/ نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين حول الولايات المتحدة الأميركية. وقد اتفق عدد من الخبراء على اعتبار الرعاية الصحية في تلك البلاد نظام الرعاية الصحية الأكثر انتفاخًا في العالم مع تجسيل نسبة إنفاق في مجال الرعاية الصحية من 16 إلى 18% من إجمالي الناتج المحلي (يبلغ المتوسط في دول مجلس التعاون الخليجي بين 3 و4%).
دور الشركة الكويتية للعلوم الحياتية :
نظرًا لاستمرار نموّ قطاع الرعاية الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي، يستفيد المستثمرون من مجموعة فرصٍ لاكتساب عائداتٍ مالية واجتماعية ثابتة على الاستثمار في قطاع الرعاية الصحية. تركّز الشركة الكويتية للعلوم الحياتية (KLSC) جهودها لتطوير والاستثمار في مفاهيم مبتكرة للرعاية الصحية والعمل على تطوير نماذج وخدمات تجارية استثنائية بهدف تطوير قطاع العلوم الحياتية في دولة الكويت ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لهذه الغاية، أنشأت الكويتية للعلوم الحياتية كشركة لخدامات الرعاية الصحية المتكاملة مزوذدة بمنصاتٍ إقليميّة في مجال توزيع الأدوية وبيع وتوريد التكنولوجيا الطبية والبحث الصحي وتوريد الكيماويات الطبية والخدمات التدريبية والتعليمية في مجال الرعاية الصحية. وتعتبَر الكويتية للعلوم الحياتية إحدى الشركات القليلة الاستثمارية في رأس المال النامي في منطقة الشرق الأوسط التي تعنى بالاستثمار على الصعيدين العالمي والإقليمي فضلا عن إنشاء مشاريعَ ومنصات متعونة للارتقاء بقطاع العلوم الحياتية في المنطقة.
في هذا الإطار، تبذل الكويتية للعلوم الحياتية قصارى جهودها لدعم الاطراف المعنيّة في القطاعين العام والخاص بغية النفاذ إلى التكنولوجيا الناشئة واعتماد الممارسات الدولية السائدة في قطاع الرعاية الصحية الحديث. لهذه الغاية، تأسّست الكويتية للعلوم الحياتية في العام 2010 مع رأسمال مدفوع بقيمة 15 مليون دينار كويتي (د.ك) وهي مملوكة بالكامل من قبل الشركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا.
* الدكتور مساعد الرزوقي
يشغل د. مساعد الرزوقي منصب الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال لدى الشركة الكويتية للعلوم الحياتية. تشمل مهامه تحديد فرص العمل الجديدة لكافة الشركات التابعة