حنان سليمان
12 عاما نظم فيها عمار لطيف، البريطاني ذوي الأصول الباكستانية، عشرات الرحلات سنويا عبر شركته “ترافل آيز” جاذبا الآلاف من المسافرين بين مكفوفين ومبصرين تراعي الشركة أن يكون عددهم أكبر من المكفوفين على كل رحلة مغامرة تقوم بها بين سفاري أفريقيا وتسلق الجبال والبراكين والغطس في البحار والنوم في الغابات ورحلات أخرى تثير الحواس الخمسة، ساعيا لإعادة الثقة بالنفس للمكفوفين الذين يبلغ عددهم في بريطانيا وحدها نحو المليونين ويقبع معظمهم في المنازل يعيشون على هامش الحياة. يحاول عمار أن يعيد إليهم إيمانهم بأنفسهم وأنهم قادرون على الحياة والسفر دون أسرهم. عندما تعود هذه الثقة فهي لا تقتصر على السفر بل تنعكس على جميع نواحي الحياة فكثيرا ما يعود المسافرون لبلدانهم ليقدموا على وظيفة بعد أن تخلصوا من الاعتقاد بأنهم غير صالحين للحياة الطبيعية.
عمار نفسه كفيف فقد بصره وهو في التاسعة عشر من العمر ولم يرغب في السفر مع جمعية خيرية فأسس الشركة في 2004 وهي الأولى من نوعها كشركة تجارية لسفر المكفوفين والمبصرين لكي تعطي المكفوفين إحساسا بالاستقلال. يقول: “لكي تنجح لا بد أن يكون لديك فكرة عظيمة وشغف. في حالة ترافل آيز كان لا بد أن يكون المؤسس نفسه كفيفا لكي تعرف كيف تدير الأمور”.
مؤخرا عاد عمار من رحلة إلى كوبا التي قدم الخبراء 10 نصائح عند السفر إلى هافانا. يوضح المؤسس والمدير التنفيذي للشركة: ” نختار وجهاتنا على أساس الرغبة في المغامرة ثم نجعل المكان مناسبا لجمهورنا، أما بالنسبة للفنادق التي نقيم بها فكلما كان بهو الفندق ضيقا، وكذلك الغرف، كلما كان أسهل للمكفوفين التعرف عليه والتحرك بمفردهم بسهولة”. لكل مكفوف رفيق مبصر مختلف يصاحبه يوميا من بين المسافرين المبصرين على نفس الرحلة. أهم ما يتدرب عليه المبصرون قبل رفقة المكفوفين في السفر هو أن يكونوا على طبيعتهم وألا يتجنبوا كلمات معينة فالمعتاد أن يقول الناس “أرايت كذا؟” وعليهم ألا يغيروا ذلك. يضيف عمار: “أحيانا يشعر البعض بصعوبة في التكيف مع الوضع فالمبصرون المصاحبون ليسوا إلا دليلا للإرشاد لكنهم لم يأتوا لخدمتهم بمعنى أن المسافرين المكفوفين عليهم أن يعرفوا كيف يحضرون أمتعتهم وكيف يتسوقون بمفردهم، ولا يجب أن ينسوا أن مرافقيهم المبصرين هم أيضا مسافرين للاستمتاع مثلهم تماما”.
بجانب كونه المدير التنفيذي لـ”ترافل آيز”، يظهر عمار أيضا في الأفلام التليفزيونية ولديه عقد مع القناة الرابعة بالتليفزيون البريطاني. وذاعت شهرته من المسلسلات التليفزيونية لصالح التليفزيون البريطاني قبلها.
تستهدف الشركة الفئة العمرية بين 18-75 عاما وغالبية المسافرين هم في الثلاثينات والأربعينات، غالبيتهم نساء بالنسبة للمبصرين بينما لا يوجد فرق بين النوعين وسط المكفوفين. يقول عمار: “المبصرون من غير المرتبطين غالبا ما يرغبون في الشعور بأنهم جزء من مجموعة وأنهم ليسوا بمفردهم وفي نفس الوقت يبحثون عن سفر آمن ورؤية مختلفة للعالم وهو ما يجدوه معنا عبر الأحاسيس والروائح والمعرفة.. فهي بالنسبة لهم مغامرة مختلفة”.
انتشار أوسع من بريطانيا
يسافر الآلاف مع “ترافل آيز” كل عام غالبيتهم من بريطانيا ثم أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوروبية. يتجه المسافرون من خارج بريطانيا إلى وجهة الرحلة مباشرة لمقابلة المجموعة هناك، ومعظمهم يكونون من المبصرين. ولا يسمح باصطحاب الكلاب.
يعتبر التحدي الأساسي لـ “ترافل آيز” هو جذب المسافرين المبصرين الذين سيرافقون المسافرين المكفوفين في الرحلات، فبينما لا توجد إلا فرص محدودة لسفر المكفوفين غالبيتهم تابعين لمؤسسات خيرية، فإن المبصرين لديهم خيارات متنوعة ولهذا تقدم الشركة لهم 50% تخفيض على الرحلات كوسيلة للجذب فيما تظل الأسعار للمكفوفين في مستواها الطبيعي.
أثرت “ترافل آيز” في حياة مسافريها المكفوفين فأحدهم ويبلغ 37 عاما لم يكن قد سافر بالطائرة في حياته من قبل وهو اليوم سافر 15 مرة خلال عامين مع “ترافل آيز”، وآخر يبلغ 65 عاما سافر ثلاث مرات مع الشركة، وتعود الغالبية العظمى لتكرار التجربة كما يقول عمار.
يقع مقر الشركة في بريطانيا مع مراكز لخدمة العملاء تليفونيا في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. من ضمن رحلات الشركة، كانت مصر والأردن وتونس وآخرهم كان سلطنة عمان، لكن الأوضاع غير المستقرة في مصر وتونس ألغت أيضا رحلتين للبلدين.
تعمل الشركة حاليا على زيادة تنوع رحلاتها بين الإبحار والسير والتزحلق على الجليد بالإضافة إلى رحلات السياحة والزيارات المعتادة وقريبا رحلات ركوب الخيل. ولا يشكل السوق الأوروبي فرصة كبيرة للنمو لـ”ترافل آيز” وذلك لأن المساحة كبيرة للتغطية وأيضا لعدم وجود أعداد كبيرة من المكفوفين هناك، كما يقول عمار.
لا يرى عمار أن الشرق الأوسط على استعداد لفكرة مماثلة ولا حتى باكستان أو الهند فهناك تفاوت شديد في العقليات بين الناس؛ لا شك أن الكل سيتعاطف مع ذوي الاحتياجات الخاصة لكن في الشرق الأوسط ربما لن يرون في الاستقلالية شيئا مهما رغم أنهم سيتعاملون بطيبة كبيرة مع المكفوفين لكنهم لن يرغبوا في مساعدتهم للسفرا بمفردهم مثلا فضلا عن قدرتهم المالية على تحمل تكاليف هذا النوع من الرحلات.