القاهرة – خاص
إيمان مصطفى
تعاني مصر من مشكلات ضخمة ناجمة عن التلوث البيئي، وتحتل العاصمة – القاهرة المركز الثالث عالميَا في نسب التلوث.
وتتسبب ظاهرة السحابة السوداء سنويًا في زيادة معدلات تلوث الهواء في مصر. وتنتج السحابة السوداء عن حرق قش الأرز سنويًا في مصر خلال موسم حصاد الأرز، ويكون ذلك في شهر سبتمبر من كل عام.
يحرق الفلاحون قش الأرز الناتج عن عملية جمع المحصول في حقولهم. و تبدأ عملية الحرق مساءً، و تستمر طوال الليل، فيحمل الهواء كميات كبيرة من الأدخنة ونواتج الاحتراق إلى التجمعات السكنية القريبة والبعيدة من الحقول والتي تسبب حالات اختناق وأمراض تنفسية خطيرة لملايين المصريين.
يستمر تأثير السحابة السوداء لعدة أسابيع بعد انتهاء الحرق، بسبب الجسيمات التي يحتويها دخان حرائق قش الأرز، والتي تظل موجودة بالهواء لفترات طويلة.
وكونها بلد زراعي بالدرجة الأولى، تنتج مصر سنويًا من 30 إلى 35 مليون طن من المخلفات الزراعية. النسبة الأصغر من تلك المخلفات تُستغل في تصنيع علف للحيوانات والوقود الحيوي وصناعة الورق. أما النسبة الأكبر من المخلفات تسهم في زيادة معدلات التلوث البيئي، إذ غالبًا ما يتم التخلص منها إما بالحرق أو بإلقائها على حافة الترع والمصارف.
“دواير” تطرح حلًا
وكعادة الشركات الناشئة، تسعى دائمًا لابتكار حلول من شأنها التصدي للمشكلات المجتمعية المختلفة.
“دواير” Dawayer هو استديو تصميم متخصص في إنتاج ألواح خشبية صديقة للبيئة، من إعادة تدوير المخلفات الزراعية وقش الأرز، بهدف الاستخدام في صناعة الأثاث الخفيف.هذا كما وينتج استديو التصميم أيضًا أنواع مختلفة من الديكورات المنزلية من مختلف المواد الخام.
تأسست الشركة في مارس 2014 على يد سلمى شريف وخديجة رضوان وحبيبة شوكت، وهن ثلاث طالبات بكلية الفنون التطبيقية بالجامعة الألمانية في مصر.
وفي حوارها الخاص لـ”انتربرنور العربية”، تقول شريف إحدى المؤسسات الثلاثة: “كان المشروع جزءًا من مشروع تخرجنا بالجامعة، وقررنا تطويره واستمرار العمل عليه وتحويله إلى مشروع ربحي يخدم البيئة، باستخدام المخلفات الزراعية، وبالأخص قش الأرز، بعد إعادة تدويره”.
تهدف “دواير” إلى توفير ديكورات منزلية وقطع أثاث مستدام صديق للبيئة بجودة عالية وبأسعار معقولة، كوحدات الإضاءة والطاولات والكراسي الصغيرة.
في سبيل ذلك، يمر التصنيع بثلاث مراحل: “التجفيف، وتحضير المادة اللاصقة، ثم اللصق لتحويل القش إلى مادة خام صديقة للبيئة بديلة للخشب”، تشرح شريف.
مسابقات وجوائز
اعتمدت “دواير” خلال العاميّن الماضييّن على التمويل الذاتي، إلى جانب جوائز مالية بسيطة فاز بها المشروع من المسابقات الريادية التي خاضها في المرحلة الماضية.
في نوفمبر 2014، فازت “دواير” بمسابقة شركة “إنجاز مصر” السنوية لريادة الأعمال ضمن 8 شركات ناشئة أخرى. وحصلت الشركة على تمويل تأسيسي قيمته 8 آلاف دولار، بالإضافة إلى مساحة عمل للفريق، وورش عمل مختلفة عن التسويق والماليات وإدارة المشروعات.
وبفوز الشركة في مسابقة “إنجاز مصر”، تأهلت للمشاركة في مسابقة “إنجاز العرب” الإقليمية السنوية، والتي فاز فيها فريق “دواير” على 18 فريقًا من 13 دولة عربية، كافضل فريق لديه وعي بالمنتج ومتطلباته التسويقية والمالية. لم يحصل الفريق على جائزة مالية ولكن حققت للمشروع “انتشارًا إقليميًا مُرضيًا”، حسب شريف.
في إبريل 2015، فازت “دواير” بمسابقة “شغال” التي أطلقتها منظمة “نهضة المحروسة” ضمن مسابقات برنامج “جوائز المبتكر الشاب”.
أتاحت “نهضة المحروسة” لفريق “دواير” حضور معسكرات تدريب لكتابة نموذج عمل ربحي، وتحديد آليات ومتطلبات التسويق، كما منحت الشركة ألفيّ دولار مكنت الفريق من تطوير النموذج الأوليّ.
وفي يونيو 2015، فازت “دواير” بمسابقة “انت الخير” عن فئة البيئة والطاقة، والتي أطلقتها مؤسسة “MBC الأمل” الخيرية لدعم المشاريع الرائدة التي تخدم المجتمع.
وحصلت الشركة بفوزها على تمويل “لن أتمكن من الكشف عن قيمته الآن لأننا لم نتسلمه كاملًا بعد”، تقول شريف.
وتعلق شريف على رحلة المسابقات والجوائز قائلة: “لم نكن لنتمكن من الوصول إلى فكر واضح عن توجهاتنا بالمشروع لولا تلك المسابقات”.
“مكنتنا رحلة المسابقات من تحديد أساليب التسويق المثلى والشريحة المستهدفة وتكاليفنا المتوقعة وعوائدنا المحتملة، ووفرت لنا الأدوات اللازمة والإرشاد الريادي، لم نكن نمتلك إلا فكرة ومهارات فنية، أما الجزء الخاص بالأعمال ندين بفضله تمامًا للبيئة الريادية المحلية والإقليمية”، تضيف شريف.
تحديات وإصرار
وبرغم وضوح الرؤية الآن، إلا أن ثمة تحديات لاتزال تواجه المؤسسات الثلاثة. تكمن أبرز تلك التحديات في سد الفجوة بين التصميم والتصنيع.
تشرح شريف: “البرنامج الذي احترفنا العمل عليه أثناء التدريب في الجامعة، ليس متاحًا في سوق التصنيع المصري، ومن ثم نضطر لأن نخضع التصميم للعديد من التعديلات على برامج أخرى قبل التنفيذ، وهو ما يكلفنا الكثير من الوقت والمال”.
تتابع شريف: “أيضًا لا تتوفر ماكينات تدعم البرنامج في السوق المصري، والماكينات التي يمكن اختبار المنتج عليها ليست متاحة بسهولة”.
رغم التحديات، بدأت “دواير” بالفعل إنتاج قطع أثاث وديكورات واكسسوار منزلي. ووفرت أول طلبية بالفعل لإحدى فعاليات “إنجاز مصر”. وينتظر أن تطرح أول خط انتاج لها في السوق تجاريَا “نهاية العام الجاري”، حسب شريف. وتعتزم المؤسِسات تسويق منتجاتهنّ في معارض الأثاث والنوادي الاجتماعية والمعارض الفنية.
وما أن تثبت منتجات “دواير” وجودها في السوق المصري، ستنطلق المؤسِسات الثلاثة في رحلة نحو جذب استثمار يمكنّهن من النمو محليًا وإقليميًا في الأسواق المشابهة لمصر.
جدير بالذكر، أن “دواير” ليست اللاعب الوحيد على الأرض في مجال إعادة تدوير المخلفات الزراعية للحصول على بديل الأخشاب، إذ تقوم شركة”جريد” Jereed و”جذور” Jozour بالنشاط ذاته تقريبًا. فالأولى تعيد تدوير جريد النخل، والأخرى تعيد تدوير المخلفات الزراعية بشكل عام.
تعلق شريف على نصيب “دواير” من السوق المصري: “لا أنظر للمسألة من زاوية التنافس، بل أنها من الممكن أن تتحول إلى تكامل أو مشروع شراكة، هذا بالإضافة إلى أن السوق المصري واسع ولازال بحاجة إلى المزيد من المشروعات فيما يتعلق بإعادة تدوير المخلفات الزراعية للحصول على بديل للأخشاب”.
في النهاية، إذا علمنا أن مصر أنفقت 1.8 مليار دولار عام 2014 لاستيراد الأخشاب ومنتجاتها، بزيادة 28% عن 2013، وإذا أخذنا في الاعتبار الارتفاع المستمر لسعر الدولار في مصر، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع صاروخي في الأسعار، فهل لنا أن نتوقع أن تسهم “دواير” ومثيلاتها بالسوق المصري في خفض تلك الأرقام قريبًا؟