الرياض – محمد راعي
انطلق مشروع “تاله الجود” بمبادرة من المهندس ياسر بكر وشركائه المؤسسين، ماجد ومجدي درويش عام 2001 بحجم استثمار مبدئي وصل إلى 400 ألف دولار، وحققت الشركة زيادة في المبيعات بنسبة 25% من العام 2013، ما يشير إلى نمو قوي، مع توقع حدوث زيادة سنوية مقدارها 20% في السنوات المقبلة.
عند الحديث مع روّاد الأعمال، غالباً ما تتلخص طلباتهم وطموحهم في إنشاء شركة متخصصة تساعدهم في دراسات الجدوى الاقتصادية التي تتركز على الانتشار والتوسع الاقليمي والعالمي، وتكون الجهة المساندة في توفير مصادر تمويل.
نجاح الشركات الجديدة وتوسعها يتوقف بشكل كبير على الضمانات التي توفرها شركات دراسات الجدوى، وتوفر الشريك الاستراتيجي حتى لا تتحول هذه الشركات إلى حالات فردية يخفق فيها رواد الأعمال إيجاد الطريق الصحيح للنمو والاستمرار والمحافظة على روح العمل.
كان هذا محور نقاشي مع رائد الأعمال، المهندس ياسر بن يوسف بكر، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي (تالة الجود)، إحدى شركات بيع التمور في السعودية.
يطمح بكر كما غيره من روّاد الأعمال بالانطلاق إلى العالمية، ويجد نفسه مستعداً لهذه الخطوة، بعد خبرته الكبيرة في تأسيس شركته التي أصبحت تملك الحصة السوقية الأكبر في بلدٍ يعدّ من بين الدول الأضخم إنتاجاً للتمور في العالم.
انطلق مشروع (تالة الجود) انطلاقة بسيطة مثل أي مشروع ريادي، عمل فيه 3 موظفين في عام 2001، وتم اختيار اسم تالة التي تعني شجر النخيل الصغيرة، واليوم توظف الشركة أكثر من 250 عامل، ولها أكثر من 10 فروع في جدة والرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة، ومايزال المشروع في نمو مع طرح العديد من المنتجات التي يدخل التمر في إعدادها مثل التمور المحشوة والمعجنات التقليدية والمعمول، وجميعها يصنّع في مصنع الشركة في جدة أما فيما يتعلق بمصدر التمور، فيقول الريادي السعودي، الذي اعتاد معاونة والدته في صنع المعمول فترة الأعياد، مصدرها من المنطقة الوسطى في السعودية والمدينة المنورة. انطلق المشروع بمشاركة ياسر بكر وشركائه المؤسسين، ماجد ومجدي درويش بحجم استثمار وصل إلى 400 ألف دولار، وحققت الشركة زيادة في المبيعات بنسبة 25% من العام 2013، ما يشير إلى نمو قوي، مع توقع حدوث زيادة سنوية مقدارها 20% في السنوات المقبلة .
كما تؤلّف منتجات التمور في السعودية ما نسبته %14.14 من الإنتاج العالمي وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
انتشار واسع
يصعب رصد حجم المبيعات نظراً إلى كون سوق التمور متفرقة، حيث تُباع في متاجر مستقلة وأكشاك ونحو ذلك، لكن مهرجان (بريدة) السنوي للتمور يكشف لنا عن جزءٍ يسيرٍ من الإعجاب الجماهيري الكبير الذي تحظى به التمور. يُقام المهرجان في المنطقة الشمالية الغربية من المملكة، حيث توجد هناك أكثر من 6 ملايين شجرة نخيل من أصل 23 مليون نخلة مثمرة في السعودية- ويعدّ الأضخم من نوعه في العالم. ووفقاً لما يقوله المنظمون، يقدّم المهرجان الممتدّ لشهر كامل أكثر من 160 طناً من التمور يومياً.
واليوم يُقابل الطلبَ القوي على التمور ظهورُ عددٍ متزايدٍ من تجار التجزئة، لكن الكابتن خالد بكري، الطيار السعودي والعميل المخلص لشركة (تالة الجود) يرى أنّ علامة (بكر) التجارية تتمتع بالأفضلية. إذ يقول: “حين نزور الأصدقاء، أو نقيم المناسبات، نشتري ما يلزمنا من (تالة الجود) لأنها تصنع منتجات رائعة. وأينما ذهبت، تجد الناس يجلبون معهم منتجات (تالة)”. ويتحدث عن سر شعبيتها قائلاً: “إنها تهتم بالجودة أكثر من الكمية، وهي تقدّم أفضل التمور الطازجة دائماً”.
تنافسية شديدة
في ظل وجود سوق تنافسية، لا يقتصر تحقيق النجاح ببساطة على بيع المنتجات. يشير بكر الذي عمل في قطاع الطيران السعودي قبل أن يختار الانطلاق في عالم الريادة: “من أجل أن نثبت وجودنا في هذه السوق التي تزداد حدتها التنافسية يوماً بعد يومٍ، نبذل قصارى جهدنا لنضيف عنصر الابتكار إلى منتجاتنا وعبواتنا ومعروضاتنا، فضلاً عن الخدمات التي نقدمها”. ويعدّ التوصيل للمناسبات الخاصة مصحوباً بسحر القهوة العربية من الإضافات، القليلة ولكن القيّمة، التي تدرجها الشركة على قائمة خدماتها، إلى جانب مجموعات الهدايا المعدّة مسبقاً وإتاحة الخيار أمام الزبائن كي يجلبوا أطباقهم الخاصة لتتم تعبئتها وتغليفها.
فيما يهتم بكر بتطوير المنتجات والخدمات، يبقي اهتمامه منصباً أيضاً على التوسع- وهي خطوةٌ يستوجبها، حسب رأيه، تنامي الاهتمام الإقليمي والعالمي بهذه العلامة التجارية الراسخة. يوضح الشريك المؤسس بالقول: “لمسنا في الآونة الأخيرة اهتماماً كبيراً من جهات مستقلة فيما يتعلق باحتمالية منح حقوق امتياز”.
لكن خطة (تالة الجود) الذكية لا تزال في طور التحضير، وتنقسم إلى 3 مراحل: أولاً منح حقوق الامتياز للجهات المهتمة داخل السعودية بواقع 25 فرعاً مع حلول عام 2016. ومن ثم التوسع أكثر في منطقة الخليج قبل الانطلاق عالمياً في نهاية المطاف.
ربما أن استراتيجية بكر الطموحة لم تؤتِ ثمارها بعد، ولكن اذا أخذنا صادرات السعودية من التمور بعين الاعتبار، ندرك أن الانتشار دولياً يعدّ خطوة ذكية. وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن ( الفاو)، احتلت المملكة المركز الثالث كأكبر مصدر للتمور في العام 2011 بعد تونس وإيران، إذ بلغ حجم صادراتها 77.795 طن بقيمة ناهزت 86.3 مليون دولار. وبفضل هذه الكمية الهائلة، جاءت التمور في المركز 11 كأضخم سلعةٍ تصدّرها المملكة في ذاك العام. ولكن في ضوء التقنيات المتطورة التي تتوافر اليوم، لا يقف الانتشار العالمي عند حدود الصادرات أو البيع في المتاجر، فقد بات الحضور الإلكتروني عنصراً مهماً في نجاح أي علامة تجارية على الصعيد الدولي- وهي حقيقةٌ يسعى بكر لتحويلها إلى فرصة ، بعد فترة قصيرة على إطلاق الموقع الإلكتروني الجديد لشركة (تالة الجود)، والذي يسمح للزبائن بتصفح أفضل ما تقدمه الشركة من منتجات وخدمات، تجري الاستعدادات لتفعيل خدمة الشراء الإلكتروني عبر الموقع قريباً.
بيع الكتروني
غير أن الانتقال إلى مرحلة البيع الإلكتروني غيرُ كافٍ لإحراز النجاح في السوق السعودية عالية التنافس. يرى بكر أن بناء علامة تجارية قوية في موطنه يعتمد على عناصر مهمة عديدة. إذ بالإضافة إلى ضبط النفقات الجارية وإجراء التحليلات الضرورية فيما يتعلق بالجدوى الاقتصادية والمخاطر المحتملة، يشدد رجل الأعمال المتمرس على أهمية فهم طبيعة السوق والمستهلكين والمنافسة.
والقائمة تطول: من تطوير الأفكار الإبداعية، واختيار المواقع الملائمة والأهم، ضمان الجودة العالية للمنتجات. يوضح الرئيس التنفيذي بالقول: “إن إهمال أي من هذه العناصر يقوض أركان المؤسسات على المدى الطويل، وللأسف أنّ هذا يحدث مع كثير من الشركات الناشئة المتسرعة هذه الأيام”.
ربما أن التحديات التي تواجهها المشاريع الجديدة أصبحت ذكرى من الماضي البعيد بالنسبة لبكر، لكن صناعة التمور تُفرز تحديات معينة طوال العام ويمكن لبعضها أن يشكّل اختباراً صعباً حتى لأمهر رجال الأعمال. يقول الشريك المؤسس: “رغم أن التمور رائجة طوال العام، إلا أننا نشهد في شهر رمضان المبارك إقبالاً منقطع النظير- وتكمن المشكلة في تباعد الفترة الفاصلة بين هذا الشهر وموسم حصاد التمور عاماً بعد آخر”.
وهذا يعني أن على التجار والمزارعين الإبقاء على منتجاتهم مخزنةً في درجات حرارة منخفضة للحفاظ على الجودة. قد يرى البعض أن ذلك عمل سهل، لكن المنشآت المعدة لهذا الغرض محدودة في المملكة حالياً.
متابعة الابتكار
لكن بكر لا يأبه للتحديات التي تفرضها صناعةُ هذه الثمار الموسمية، ويمضي قدماً متمسكاً بنصيحته الخاصة بإحراز النجاح عن طريق متابعة الابتكار. إذ يكشف الرئيس التنفيذي عن قرب اتخاذ خطوة مهمة قائلاً: “يعكف فريق التطوير في شركتنا حالياً على إنشاء خط إنتاج جديد سيبدأ العمل مع حلول العام الجديد”. وبدلاً من الإفصاح عن تفاصيل هذه الخطوة، يؤْثر بكر إثارة حماس المعجبين بمنتوجاته الشهية قائلاً: “أبقوا أعينكم مفتوحة وزوروا متاجرنا وموقعنا الإلكتروني!”. في ضوء عمليات التوسع والتطوير الجارية، من المتوقع أن يشهد كلّ من المتاجر والموقع الإلكتروني إقبالاً متزايداً، ليس في السعودية فحسب بل منطقة الخليج، ومن ثم سائر بقاع العالم. عقب أكثر من 50 عاماً على تذوّق ياسر بكر لأوّل تمرة في حياته، ها هو اليوم يتذوّق حلاوة النجاح بفضلها. ومثلما أنّ ذائقته للتمور قد بلغت حدّ النضوج، كذلك هي الحال أيضا مع شركته (تالة الجود) التي يتفانى المشاركُ في تأسيسها في سبيل الارتقاء بها إلى العالمية.
كوادر:
انطلق المشروع بمشاركة ياسر بكر وشركائه المؤسسين، ماجد ومجدي درويش بحجم استثمار وصل إلى 400 ألف دولار
– في ضوء عمليات التوسع والتطوير الجارية، من المتوقع أن يشهد كلّ من المتاجر والموقع الإلكتروني إقبالاً متزايداً، ليس في السعودية فحسب بل منطقة الخليج والعالم
– صناعة التمور تُفرز تحديات مستجدة طوال العام ويمكن لبعضها أن يشكّل اختباراً صعباً حتى لأمهر روّاد الأعمال
– تطوير الأفكار الإبداعية، واختيار المواقع الملائمة والأهم، ضمان الجودة العالية للمنتجات. أي إهمال لواحد من هذه العناصر يقوّض أركان المؤسسات على المدى الطويل