كل من في دبي أو مر بها وقف أمام برج خليفة والتقط صورة تقول: «أنا هنا أمام أطول برج في العالم». صورة محمد العبار أمام برج خليفة تقول: «أنا هنا شيدت أطول برج في العالم».
«ولدت فقيرا.. بدون منزل، وأنا فاشل في السياسة» هكذا تحدث محمد علي العبار، رئيس «إمبراطورية «إعمار العقارية» الإماراتية التي تقدر أصولها وقيمة مشاريعها بمئات المليارات من الدولارات، عن نفسه، رغم أن العبار أو أبو راشد -كما يحلو له أن يٌنادى- اسم لا يخفى على أحد في عالم «البيزنس» إقليميا ودوليا، فهو من بين قلائل ساهموا بقوة في صياغة الصورة الذهنية عن إمارة دبي كواحدة من المراكز المالية والتجارية والسياحية العملاقة، وأكثر دول العالم نموا.
رحلة حياة
شغل أبو راشد، الذي يبلغ من العمر حاليا 49 عاما، مراكز ومناصب عدة، قبل أن يتبوأ منصبه الحالي على رأس أكبر شركة عقارية عربية، وبدأ حياته العملية عقب تخرجه في جامعة سياتل بأمريكا، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة المالية والأعمال عام 1981 في المصرف المركزي قبل أن يتولى منصب مدير عام مؤسسة الخليج للاستثمارات.
ولعب العبار دورا كبيرا في تدعيم القطاعات غير البترولية في مؤسسة الخليج للاستثمارات، مثل صناعة الألمنيوم، عندما شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة ألمنيوم دبي المحدودة «دوبال»، وفي تدعيم صناعة المعارض والمؤتمرات إبان عمله نائبا لرئيس مجلس إدارة مركز دبي التجاري العالمي.
ويشغل العبار حاليا منصب مدير الدائرة الاقتصادية بإمارة دبي وعضو مجلس دبي التنفيذي وعضو مجلس هيئة الأوراق المالية والسلع في الحكومة الاتحادية، وهو صاحب فكرة مهرجان دبي للسياحة والتسوق الذي اجتذب الملايين إلى الإمارة، وفتح الأنظار في المنطقة على أهمية سياحة التسوق، كما أنه رئيس مجموعة إعمار العقارية ذائعة الصيت، والتي يخطط العبار لجعلها أكبر شركة عقارية في العالم من حيث القيمة السوقية بحلول عام 2010.
شخصية مثيرة للجدل
وقد غدت شخصية العبار مثار جدل في الفترة الأخيرة؛ ففريق يؤكد إعجابه الكبير ببراعته وعبقريته كرجل أعمال مبادر ومنطلق وصاحب رؤية ثاقبة، تلتقط موجات التغيير وتؤثر فيها في ذات الوقت، ويذكرون بخاصة دوره في صناعة القوانين الاقتصادية في البلاد، والبعض الآخر احتار في «مغامراته» التي عرضته للهجوم من شركائه في إعمار أحيانا، وسببت حرجا للسياسيين في دولة الإمارات العربية المتحدة في أحيان أخرى.
ورغم أنه ولد فقيرا -كما يقول- فهو وبعد رحلة مثيرة في عالم «البيزنس» والإدارة يعيش حاليا في قصر فاخر تحيطه أشجار النخيل من كل جانب وتزينه الزهور والورود وحمامات السباحة والخدم من كل ناحية، واسترجع العبار تاريخه وتاريخ أسرته، وبدت الشخصية التي حفرت لها مكانا واسما في العالم العربي شديدة التواضع والصراحة لا تخجل إطلاقا من كونها بدأت من الصفر.
سيارة حددت تاريخ ميلاده
قال العبار «أنظر إلى هذا المنزل الكبير الذي أعيش فيه وأشعر بنعمة رب العالمين عندما أتذكر أنني ولدت فقيرا وفي أسرة فقيرة بالراشيدية، لم يكن لديها منزل وكان والدي يعمل قبطانا لمركب صغير، ولكنه لم يتعلم القراءة. ويحكى العبار قصة طريفة يدلل بها على بساطة أسرته فيقول عن تاريخ ميلاده سألت أمي ذات مرة عن تاريخ ميلادي فقالت إني أتذكر أنه كان في شهر ربيع الثاني، وعندما وضعتك كان أحد الجيران قد اشترى سيارة لاندروفر، فضحكت وقلت لها يا أمي تربطين يوم ميلادي بسيارة «لاندرو فر» والله عجيبة، وبالبحث في تاريخ السيارة والسؤال من الجيران استطعنا تحديد التاريخ ويبدو أنه كان عام 1958، كما أعتقد.»
ورغم هذه البداية المتواضعة إلا أن إصرار العبار على التغيير والإرادة الصلبة التي تميز بها حققت له الكثير من الإنجازات في مدة قصيرة جدا أهلته ليكون صديقا للرجل الأول في دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم الإمارة وباعث نهضتها، والذي يقول عنه «يا الله هذا الرجل عظيم.. وأنا أحبه وأخافه أيضا».
وللعبار مفاهيم خاصة في السياسة والصحافة والاقتصاد، إذ يقول إنه يجب على العالم العربي أن يتخلى عن روح الانهزامية، فكفانا جلدا للذات لا يجب أن نتمادى في الكلام عن أنفسنا، علينا أن نبدأ بالعمل وبسرعة، ويضيف إنه رغم إعجابي بالأسلوب الأمريكي في خدمة «الزبون» فإني أتوقف عند التجربة الصينية بإعجاب أكثر لأنها تجربة قريبة لنا، ويمكن أن تلهمنا.. الشعب الصيني لا يمشي مثلنا ببطء إنه يقطع الخطوة في ألف خطوة، شيء عجيب جدا.
نبات الخوف
ويقول العبار عن الشخصية العربية للأسف الإنسان العربي تربى في بيئة مزروعة بنبات الخوف منذ ولادته وحتى وفاته، تعودنا على الخوف في الصغر من الأب والأم والمدرس وناظر المدرسة والعسكري في الشارع والشيخ في المسجد، والخوف كذلك من الحاكم.. يا الله، يتعجب العبار ويقول كيف يفكر المواطن العربي؟ وكيف يبدع وقد تربى على ثقافة النواهي والخوف والقهر؟ لقد آن الأوان للتحرر من كل ذلك وتحقيق النهضة التي حلمنا بها أجيالا.
وعن أصدقائه يقول العبار لي صداقات كثيرة في العالم العربي والخارجي، ولكن أبرز أصدقائي رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير والمستشار الألماني السابق شرودر، وقد قابلت بيل غيتس وأعجبني تفكير هذا الرجل فهو شخصية عبقرية فعلا، واستطرد قائلا «ويا سلام لو جلست مع الرئيس الهندي شخصية هادئة وعميقة التفكير.»
قصة مدينة
رئيس مجلس إدارة شركة إعمار، ذكي فطن يسعى إلى توسيع نطاق الشركة بصورة سريعة خارج حدود الإمارات. في العادة يعتبر من غير اللائق أن يتأخر الصحافي ساعة عن موعد المقابلة. ولكن العبار رئيس مجلس إدارة «إعمار» العقارية، وهي أكبر شركة مساهمة للتطوير العقاري في العالم العربي، يبدو سعيداً بقبول الأعذار وحملها على ظاهر القول. ذلك أن من السهل بالنسبة للزائر العابر لدبي أن يستهين بمدى كثافة الحركة المرورية وسط الطفرة الإقليمية في قطاع العقارات.
احتياطي دبي من النفط لم يكن أبداً بكميات كبيرة، كما أنه يتناقص الآن بسرعة. ولكن دبي تسبق الآن بقية دول الخليج في إنشاء قطاعات التجارة والخدمات، وبذلك وضعت نفسها في قلب الطفرة النفطية في الخليج، واجتذبت المليارات من الدولارات النفطية نحو تطوير مبان فخمة، وتوسعة البنية التحتية، وإنشاء فنادق الخمسة نجوم، والاستثمار بشكل متزايد في الخارج من خلال القنوات الاستثمارية في دبي. لعب العبار دوراً رئيسياً في التطور السريع الخاطف الذي تشهده دبي، باعتباره واحداً من ثلاثة من المواطنين من الذين لا ينتمون للأسرة الحاكمة،
ومن الذين أعطاهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، مساحات واسعة من الأرض وكذلك الوسائل اللازمة لتطويرها. تأسست شركة إعمار في 1997 وخلال فترة ثماني سنوات فقط، وقبل أن تشتهر الشركة خارج منطقة الشرق الأوسط، أصبحت نشاطاً عملياً تبلغ قيمته السوقية 40 مليار دولار، وتمتلك أعلى مبنى في العالم هو برج دبي، كما أنها وضعت المخططات لتشييد أكبر مول للتسوق، وأكبر مشروع عقاري على الإطلاق في السعودية، وهو مدينة الملك عبد الله الاقتصادية. وبوجود مخططات لإنشاء ما لا يقل عن 200 ألف وحدة سكنية قسم منها قيد الإنشاء، فإن دبي ستصل إلى حد التشبع. لذلك ينشغل العبار بتصدير نموذجه ليصبح واحداً من أصحاب المشاريع العرب الذين يتنامى عددهم ممن يقيمون المشاريع خارج حدود بلدانهم. وعبر دخوله في شراكات مع مصالح عملية محلية قوية ترغب في الاستفادة من قوة الإنفاق الخليجية، أو عبر التفاوض على المستوى الحكومي بدعم من الشيخ محمد، استحوذ العبار على كم هائل من الأراضي يمتد من المغرب إلى الهند، وباكستان مروراً بسورية، ومصر، والأردن، من أجل إقامة سلسلة مشاريع بقيمة مليارات الدولارات. يبلغ العبار من العمر 50 عاماً، وهو رجل سريع البديهة وماهر في التحوط لأسئلة من قبيل طبيعة علاقة الشركة بعائلة مكتوم الحاكمة، أو التي تتطرق إلى صفقات الأراضي في قاعدة إمبراطوريته الآخذة في التوسع. ومع ذلك، فإن التوسع الإقليمي يشبه لعبة المونوبولي (الاحتكار) بالنسبة للعبار: اندفاع لتأمين مواطئ أقدام رئيسية حول لوحة اللعب الفارغة، ومن ثم الانطلاق لبناء المساكن والفنادق بالسرعة الممكنة. تعتمد هذه الاستراتيجية على البحث عن الأسواق النامية التي تقل فيها العقارات عن قيمتها الحقيقية، أو التي سوف تصمد فيها الأحياء التي تبنيها الشركة على الطراز الأمريكي للمنافسة. العبار يفضل أن يكون الاثنين
ويقول: «من حسن الطالع أن عدد سكان البلدان التي تغطيها مشاريعي يقارب 1.5 مليار نسمة ما بين الهند وباكستان والشرق الأوسط. إن السياسات الحكومية تتغير، واللاعبون الذين يصلون أولاً يجنون ميزة السبق. إن شركات التطوير المشهورة في الولايات المتحدة وأوروبا تتطلع إلى بعض هذه البلدان، ولكنها لا تدري كيف تحصل على تذكرة السفر إليها، ولا تعرف أي باب ينبغي عليها أن تقرعه. ولكنها سوف تأتي. ومع أن شركة إعمار تحقق أرباحاً متنامية بشكل ثابت، إلا أن سعر سهمها أصابه ما أصاب غيره في المنطقة، فهبط إلى نصف قيمته حين انهارت أسواق الأسهم في وقت سابق من هذا العام، ولم يبدأ سعر سهمها باستعادة قيمته إلا منذ فترة قريبة. ولكن العبار يصرف النظر عن الطريقة التي أعاق بها مستثمرو التجزئة المحليون المتقلبون تحقيق طموح آخر عزيز عليه.
وهو جعل شركته أكبر شركات التطوير العقاري في العالم من حيث القيمة السوقية، وهذا حد كانت على وشك بلوغه قبل أن تهبط قيمتها من 40 إلى نحو 20 مليار دولار هذا العام. هذا الموقف- والقدرة على عدم المبالاة ببعض القضايا المربكة التي حولت الشرق الأوسط إلى مرجل يغلي بالعواطف المعادية للغرب – جعل العبار شخصية محببة في المناقشات العامة التي تجريها الهيئات والمجموعات المختلفة التي يدعى إليها كثيراً للتحدث عن أهم المشكلات التي تواجه العالم العربي. واشتهر بنقده الصريح اللاذع، على عكس الكثير من نظرائه. يقول عن الرئيس الأمريكي، جورج بوش: حتى الكاوبوي يتعلمون من أخطائهم. قال هذا مبدداً المخاوف الإقليمية من أن يؤدي الخلاف بين واشنطن وطهران حول برنامج إيران النووي إلى صراع ثان في المنطقة يكون على عتبة باب دبي. وخلافاً لشركة نخيل العقارية، وهي شركة أخرى من شركات التطوير العقاري في دبي، لها منتجعات فخمة على شكل أشجار النخيل في الجزر التي استصلحتها من البحر، انصب تركيز شركة إعمار في البداية على سرعة إنشاء أحياء ذات أسماء مختلفة على شاطئ الخليج.
منذ ذلك الوقت، رسخت شركة إعمار نفسها كعلامة تجارية شرق أوسطية. ورغم ذلك، فإن العبار يتحدث بتواضع أكثر عن أثرها حتى الآن في الأسواق البعيدة.