قال لي محمد الريّس وهو جالس في الصباح الباكر خلف مكتبه في واحد من أبراج مرسى دبي المطل على مرفئٍ تركن فيه مجموعة من القوارب الخاصة.
في ذلك المكان وداخل مكتبه وأنت تتناول مع الريّس أطراف الحديث حول ما يجري في دبي وما سيجري في القريب، لا يمكنك إلا أن تشعر بالرضا. لا يحثك شيء على التفكير بالذهاب إلى مكان آخر. يقول الريّس: «إلى أين قد يرغب أحد بالذهاب؟ انظري حولك. هنا يوجد الأجمل من كل شيء». وبحسب ما قال فقد عُرض على المكتب الإقليمي للشركة الانتقال أو كان قد جرى الحديث عن أمرٍ كهذا، إلا أن الفكرة رُفضت. وكما يوضح فإن فكرة الانتقال من دبي إلى أي مكان آخر في العالم ليست مرفوضة لأسباب متعلقة بالعمل فحسب، بل بالمعيشة بشكل رئيسي.
الريّس، العراقي الأصل، جاء وعائلته إلى الإمارات منذ أكثر من 30 عاماً، لم يشعر حتى اليوم أنه بحاجة للذهاب إلى أي مكان آخر. يقول: «سافرت كثيراً ونزلت في مطارات وفنادق كثيرة في العالم، لكن مستوى الخدمات الموجودة وجودة الحياة هنا لا مثيل لهما. الحكومة الالكترونية من جهة أخرى توفر أسلوب حياة مرن ومتطور وسهل للغاية». وبحسب ما يعتقد الريّس فإن دولاً كثيرة ترى في الإمارات وما حققته في السنوات القليلة الماضية مثالاً يحتذى به، وتلك دولٌ لا تقتصر على المنطقة بل تتعداها إلى أنحاء العالم.
دبي المتقدمة والمتطورة والمتحركة دائماً تعيش فترةً مميزة مجدداً، يصفها الريّس بتعبير مميز، لكنه ذو حدين؛ «الكل بدأ العيش في المستقبل».
العيش في المستقبل
المشاريع التي يتم إطلاقها في دبي تباعاً، من حيث الكم والنوع والحجم، كلها تعد بأيامٍ مقبلة واعدة على كافة الأصعدة وفي كافة القطاعات. القطاعات كلها نشطة وكلها تعمل وتتحرك باتجاه المستقبل بِدأً من قطاع العقار إلى الضيافة إلى البنية التحتية إلى الخدمات وغيرها من القطاعات الرئيسية والقطاعات المساندة والثانوية.
لناحية المستقبل لا يقلق الريّس على موجة النمو التي يرى أنها ستأخذ مداها، وإن كان لديه بعض التعليقات عليها. يقول: «معظم المشاريع حكومية أو شبه حكومية». الأمر بحد ذاته جيد جداً، فالمشاريع الحكومية على مستوى معين من الجودة وهامش الاستدامة فيها عالٍ ما يعزز خطوات ثابتة إلى الأمام على صعيد الاقتصاد الوطني. والتنوع الذي تضمنه المشاريع أيضاً جيد. ولكن، يعبر الريّس على مأخذ واحد لهذه الناحية، «منافسة الحكومة ليست أمراً سهلاً».
بالعموم، المنافسة هي واحدٌ من الشئون التي على الخطط الاقتصادية لأي سوق أخذها بعين الاعتبار. فتحديد ملامح المنافسة يجب ألّا يكون نتيجة تلقائية لمعطياتٍ واتجاهاتٍ معينة في السوق، بل يجب أن يخطط لمناحها وترسم ملامحها على أسسٌ محددة. الأسواق جميعها بحاجة إلى حالة صحية بدرجة معينة من المنافسة تضمن فيها استدامة النمو، وهذا أمر على الحكومات أخذه بالاعتبار. من هنا يجب ألّا تكون الحكومة منافساً قوياً بقدر ما تكون شريكاً وجهةً مشجعة للاستثمار.
وعلى كل حال، فإن حالة الحماس الشديد انتابت الجميع. الكل يسير إلى الأمام ونصب عينيه «دبي 2020، والإمارات 2021 وأبو ظبي 2030»، يرغب الجميع ويستعدون لدخول الماراثون. الأمر من جهة محفز وواعد، لكنه من جهةٍ أخرى، قفزاً فوق الواقع.
القفز فوق الواقع
في طفرة النمو السابقة التي بدأت في 2004 تقريباً واستمرت حتى 2007، سبق الحماس جاهزية السوق. بدأت السوق بالغليان قبل أن تضع قوانينها وتنظم أسس العمل فيها. بدأ العمار قبل أن تكون البنى التحتية جاهزة، أي أن الناس يومها قفزت إلى قلب الحدث وأنجزت مشاريعاً قبل أن تجهز السوق من الناحية البنيوية والتنظيمية. اليوم الوضع يختلف كثيراً، فالبنية التحتية والتنظيمية للسوق أكثر جهوزية وأكثر ملائمة لرعاية الازدهار القائم وذلك القادم. لكن الأمر لا يخلو من قفزٍ فوق الواقع مجدداً.
الكثير من المشاريع التي توقفت في العام 2008 وما تلاها، ما تزال واقفة على حالها ولم تحل شئونها حتى اليوم. مجرد المرور من الخليج التجاري يذكرك بالعام 2008. أبراج نصف مكتملة ومتوقفٌ العمل بها، وأراضٍ مباعة ومخططة والعمل فيها متوقف أيضاً.
الريّس على ثقة بأن هذه المشاريع سوف تحل قضاياها يوماً، فقد حلت الكثير من القضايا حتى اليوم واسترد العديد من المستثمرين حقوقهم في مشاريع مختلفة، ولكنه يتساءل، متى سيحدث ذلك؟ هناك الكثير من الإشاعات عن حلول قريبة ولكن لم يحدث الكثير بهذا الخصوص بعد.
محاولة اللحاق بالطلب
السوق في دبي تقفز للحاق بالمستقبل، وأسواق أخرى في المنطقة تحاول القفز للحاق بطلبٍ متراكمٍ منذ زمن، كالسوق السعودية أو العراقية أو المصرية أو غيرها، وإن كانت السوق السعودية لها وضع خاص. الحركة في السوق السعودية نشطة في هذا الخصوص والمشاريع التي يتم إطلاقها لا بأس بها ومع ذلك فإن أزمة السكن لم تحل بعد وما يزال الطلب أعلى بكثير الأمر الذي يطرح تساؤلاً هاماً حول السبب في ذلك وما إذا كانت الحكومة بحاجة لدعم وتعزيز القطاع أكثر أو تنظيمه أو فتح أبواب أعرض للاستثمار الخارجي.
الوضع في المملكة اليوم مختلف عنه في السنوات السابقة لناحية انفتاح السوق ودعم القطاع الخاص ومن الناحية التنظيمية وغيرها، إذا ما هو السبب؟ يجيب الريّس: «الوضع أفضل اليوم في قطاع الإنشاءات السعودي، ولكن المشكلة تكمن في أن السوق راكمت على مدى سنوات طويلة الطلب المتزايد على السكن، من هنا الحل لن يكون سهلاً أو سريعاً ويحتاج إلى جهود مضاعفة. اليوم ما نراه من مشاريع تحاول اللحاق بما فات من حاجة السوق، لكن الطلب لم يتوقف ولا يتوقف وإنما يتزايد في كل يوم، أي أن على القطاع تلبية الطلب القديم وسد الطلب المتزايد في كل عام».
الأمر بحسب الريّس لا يختلف كثيراً في العراق، فالسوق بدأت بالحركة ولكن أمامها الكثير جداً لإنجازه وسد الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب.
على حدود النار
هيل موجودة في كل مكان في الوطن العربي. والحال في الوطن العربي متباين جداً من مكان إلى آخر. فالشركة موجودة في الخليج العربي ومن جهة أخرى موجودة في العراق وفي مصر وفي ليبيا وكانت موجودة في سوريا.
سألت الريّس أحوال العمل هناك. يقول أن الوضع في العراق حيث تعمل الشركة في البصرة بالتحديد جيد جداً الحركة نشطة والوضع الأمني مستقر. في سوريا اضطرت الشركة للانسحاب، وفي ليبيا ما تزال موجودة ولكن متوقفة عن العمل لآن ريثما تستقر الأوضاع السياسية والأمنية فيها.
الصغار شركاء
سوق عملاق وحركة كبيرة في المنطقة وفي قطاع الإنشاءات بشكل خاص. هل للصغار مكان فيه؟ يقول الريّس أن الشركات الكبيرة في السوق لا يمكنها القيام بالعمل لوحدها، وخصوصاً بحجم النشاط الموجود في المنطقة اليوم وحجم المشاريع التي أطلقت وتلك القادمة في المستقبل القريب.
في مثل هذه الوتيرة من النمو عادةً ما تقوم الشركات الكبيرة بتعهيد العمل أو جزء منه إلى شركات صغيرة. بالنسبة لهيل فإن هذا ما تفعله. يقول الرّيس: «شركات الصغيرة شركاء لنا في العمل، مهما كانت الشركة كبيرة ومواردها البشرية كبيرة تظل دائماً بحاجة إلى تعهيد جزء من العمل إلى شركات أخرى».
هيل مختلفة
«أسست هيل إنترناشيونال على مبدأ أن التخطيط السليم والعقود المكتوبة بشكل جيد والإشراف المستمر يمكنها أن توفر الكثير من النزاعات، ومن هنا أصبحت هيل إنترناشيونال من رواد الاستشارات في مجالات النزاعات القانونية في المشاريع العقارية على مستوى العالم». هكذا يبدأ إرفين ريتشر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة هيل إنترناشيونال الكلام عن شركته في كلمته على موقع الشركة. ومحمد الريّس الرئيس التنفيذي لشركة هيل إنترناشيونال الشرق الأوسط بمقرها الإقليمي في دبي يضيف على ذلك ليخبرنا الكثير عن بدايات الشركة وعن حاضرها كما يحدثنا عن سوق المنطقة في وقت فيه الكثير ليقال.
في نيوجرسي في العام 1976 تأسست الشركة لتقدم خدماتها الاستشارية في مجال تسوية النزاعات القانونية في المشاريع العقارية. برعت الشركة في ذلك وراكمت خبرةً وثقةً في السوق جعلتها توسع خدامتها، ومن باب توفير النزاعات في المشاريع العقارية قدمت الشركة خدامتها في إدارة المشاريع، وكان هذا التوسع في الخدمات بناءً على طلب العملاء.
من نيوجرسي إلى جميع أنحاء العالم، وحيث اليوم لدى الشركة ما يقارب الـ 100 مكتب و4300 موظف تعتبرهم الشركة ثروتها الرئيسية، هذا ما يتضح جلياً من حديث الريّس وتركيزه على موارد الشركة من الخبرات.
هناك الكثير من شركات الاستشارات في مجال الإنشاءات، وهيل عملت على رسمِ مكان محدد لها على الخارطة، مكانٍ مرتكزٍ على مبدأ المصداقية. يشير الريّس إلى واحد من العوامل الرئيسية لتميز هيل: «تقدم شركات الاستشارات في قطاع الإنشاءات مجموعة متكاملة من الخدمات، فمن تصميم إلى تقييم إلى إدارة المشاريع. لكن بالنسبة لنا تهمنا جودة التقييم جداً، من هنا نتساءل كيف يمكن أن تقدم شركة ما رسماً هندسياً ثم تقيمه بموضوعية؟ لهذا السبب بالذات وحفاظاً منا على جودة الاستشارة التي نقدمها وعلى دقية تقييمنا للمخططات الهندسية لا نقدم لعملائنا هذه الخدمة، بل نركز على التقييم والإدارة».
لدى هيل اليوم مشاريع بما يقارب الـ 80 مليار دولار في المنطقة، وهي تنتظر الكثير مما لم يرغب الريّس بالإفصاح عنه إلى حينه.