قال الشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح وزير الدولة الكويتي الناطق باسم الحكومة إنّه سيتم الانطلاق في تشييد مدينة «الحرير» الكويتية خلال الخمس السنوات المقبلة بعد تمرير ميزانيتها بالبرلمان المقبل.
أكثر من خطتين خمسيتين والكويتيون ما زالوا ينتظرون انطلاق مشروع مدينة «الحرير» ومشاريع خدمية في مجال الطاقة والمشاريع اللوجستية والانشائية، ولكنهم ونحن على أبواب الخطة الخمسية الجديدة مازالوا ينتظرون، ولا يبدو أن هناك فسحة من الأمل في تنفيذ مالم ينفذ من عشر سنوات.
قبل خمس سنوات من اليوم كان الحديث الأبرز في أوساط رجال الأعمال الكويتيين انطلاق مدينة الحرير وتوسعة المطار وإطلاق شركات طيران جديدة وشراء طائرات، وبناء موانيء وترميم أو بناء محطة كهرباء تنقذ محطة كهرباء متهالكة في بلد يعوم على بحر من النفط.
اليوم ونحن على أبواب خطة وفي نفس الفترة في كل أحاديث المسئولين الكويتيين يبقى الخلاف بين الحكومة ومجلس الأمة السبب الأبرز في تعطيل مشاريع مجموعة من المشاريع الحكومية العملاقة، وهنا يبرز السؤال حول حظ الخطة الخمسية الجديدة في التحقق، ما لذي تغير طالما أن الاشتباك ظل قائما بين الحكومة ومجلس الأمة؟
في مقابلة حديثة للشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح مع CNN بالعربية يعود الشيخ ليقول «نحن نقرّ أن الكويت تخلفت قليلا في مجال الإعمار والتنمية وهذ الا يتناسب مع مكانتها لربما بسبب التشريعات أو لأسباب أخرى لا أحد يجهلها، لكننا سوف نبدأ بمشروع إعماري هو الأكبر في منطقة الخليج وهو «مدينة الحرير» بتكلفة تتراوح بين 250-270 مليار دولار أي أكثر من ربع ترليون دولار.»
كلام تردد في الكويت من قبل وسمعه كل مهتم بالشأن الكويتي، فهل يكون هذه المرة أكثر جدية في التحقق، الجميع يأمل أن لا يتكرر هذا الكلام بعد خمس سنوات أخرى!
يضيف الوزير «ستكون مدينة الحرير مدينة متكاملة يقطنها أكثر من 700 ألف شخص ومصممة بأكثر وسائل الاتصالات والتقنيات الحديثة بحيث تكون أعجوبة ومعلماً ليس للكويت أو دول التعاون فهو أكبر مشروع إعمار كويتي في تاريخ الكويت وسوف يتم إنجازه خلال الخمس سنوات القادمة وسيكون عاملاً أساسياً لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ويستمر الإعمار فيها لمدة 15 سنة قادمة.
في أكثر من مقابلة لنا مع رجال أعمال كويتيين حول سبب هجرتهم إلى دبي والبحرين وأسواق أخرى يقول هؤلاء أنهم غرباء في بلدهم وعلى حين يحظون بموافقات سريعة على مشاريع خارج الكويت فهم يعجزون عن بدء مثل هذه المشاريع في الكويت، ويروي بعضهم أنه لا يستطيع استقدام مدير مهم أو خبير أو فني في بلده بسب الروتين والقوانين القديمة وقد ينتظر لأشهر حتى تأتيه الموافقة، على حين يستقدم من يشاء في بلدان كالإمارات والبحرين، هذا الحديث يعكس حال بيئة الأعمال الكويتية التي تدفع رؤوس الأموال الكويتية بالهجرة إلى الخارج.
ماذا يحدث اليوم؟
شهد العام 2014 تسارعاً في نشاط سوق المشاريع في الكويت، التي تعدّ رابع اكبر للمشاريع في مجلس التعاون من حيث القيمة السوقية التي تبلغ 217 مليار دولار (أي ما يعادل 62 مليار دينار)، وبحلول نهاية شهر أغسطس، قامت الحكومة بالموافقة على عقود بلغت قيمتها أكثر من 20.7 مليار دولار، أي ضعف ما تم تسجيله العام الماضي، ما أدى الى تصنيف سوق المشاريع في الكويت من ضمن أسرع الأسواق نمواً في المنطقة. وبذلك كان العام 2014 نقطة تحول لسوق المشاريع في الكويت وانطلاقة جيدة للخطة الخمسية للتنمية للفترة 2015-2020، خاصة وان هناك عقودا تبلغ قيمتها 17 مليار دولار (4.9 مليار دينار) على أقل تقدير في انتظار الحصول على الموافقة قبل نهاية هذا العام. ولكن السؤال الأهم لماذا تتأخر الموافقات؟ طالما أنها مشاريع مدرجة من قبل وكيف يستطيع القطاع الخاص التعايش مع بيئة بطيئة الاستجابة؟
في هذا الإطار يوضح تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني أن الخطة الخمسية للتنمية، التي تنتظر موافقة مجلس الأمة والتي تعتبر نقطة الانطلاق للرؤية الأميرية الاستراتيجية للعام 2035، تهدف إلى تحويل الكويت الى مركز خدمات مالية وتجارية لمنطقة شمال الخليج العربي. وبصفة عامة، فإن الهدف الأساسي هو تحقيق الاستدامة المالية والاقتصادية التي من شأنها تقليل اعتماد الدولة على الإيرادات النفطية، وذلك عن طريق تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية للدولة. وتسعى الخطة الى تحسين بيئة الأعمال في الكويت وجذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع الاستثمار في قطاعي الصناعة والخدمات وذلك من خلال مجموعة مشاريع استثمارية لتطوير البنية التحتية والقوى البشرية ومن خلال اقرار حزمة من الإصلاحات القانونية والرقابية.
مشاريع ينتظرها الجميع
في الخطة الخمسية الجديدة يجري الحديث عن إطلاق وإكمال مجموعة من المشاريع يعرفها الجميع وبقيت على خطة الخطط الخمسية القديمة، مع العلم أن الميزانية الخاصة بهذه المشاريع جرى تحضيرها وتخصيصها ولكن إرادة للتنفيذ تعطلت دائماً. مع العلم أن هذه المشاريع هي من أكثر المشاريع حيوية وتوقف تنفيذها يؤثر بشدة على كل الخطط والطموحات التنموية، على كل حال ووفقاً لخطة التنمية الخمسية، تتوقع السلطات أن يبلغ إجمالي الإنفاق الاستثماري 11.8 مليار دينار لكل سنة من الخمس سنوات القادمة، ويخصص منها 6.3 مليار دينار سنوياً للاستثمار الحكومي لتنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية التي تشمل:
- مشروع المصفاة الجديدة بقيمة 4.0 مليارات دينار ومشروع الوقود النظيف بقيمة 4.6 مليار دينار، واللذان من المفترض أن يساهما في تعزيز قدرة الدولة الإنتاجية للتكرير وتحسين المنتجات المكررة. ( هذا المشروع يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين وعلى إمداد المشاريع الجديدة بالكهرباء، وظل طوال الفترة الماضية مطلباً لم يتحقق).
- مشروع ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان الذي يهدف الى زيادة القدرة الاستيعابية المحدودة لموانئ الدولة، وتحقيق النمو المنشود في التجارة. وهنا لابد من التساؤل لماذا لا يمكن لدولة مثل الكويت تمتلك أكبر احتياطي نقدي وثروات هائلة من تنفيذ مشروع بهذا الحجم.
- مشروع توسعة المطار بقيمة 1.7 مليار دينار ومشروع المترو بقيمة 5.6 مليار دينار اللذان يهدفان الى حل أزمة الازدحام المروري وتهيئة البنية التحتية للمستقبل.
دور القطاع الخاص
جددت الخطة الجديدة الاهتمام الرسمي بتعزيز دور القطاع الخاص وتطويره، إذ تهدف الحكومة الى تحقيق نمو حقيقي في القطاع الخاص بمتوسط سنوي يصل الى 9.4٪ خلال السنوات الخمس القادمة، مع زيادة مساهمة القطاع في الاقتصاد الى 34٪ من 22٪ وفقاً لبيانات العام 2012. وكان القطاع الخاص قد وعد الحكومة بخلق 600 ألف وظيفة فيما لو سمح له بالعمل دون معوقات والسير قدماً في المشاريع التي ينوي القيام بها.
وتهدف السلطات الى إشراك الشركات الخاصة في عدد من المشاريع الضخمة تحت بند مشاريع الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، والتي تشمل مشروع محطة شمال الزور المستقلة للطاقة والمياه بقيمة 2.4 مليار دينار التي من المفترض أن تلبي زيادة الطلب على الكهرباء والمياه، ومشروع الخيران بقيمة 3.9 مليار دينار، ومشروع تطوير مدينة المطلاع بقيمة 0.7 مليار دينار التي من شأنها أن تخفف من الضغط على قطاع الإسكان.
ورغم صرف نحو 52.6٪ فقط من الإنفاق المحدد في الخطة السابقة (2010-2014)، فمن المرجح ان تتحسن وتيرة تنفيذ المشاريع وأن ترتفع وتيرة الصرف الى 65٪-70٪ من الإنفاق المقرر خلال السنوات الخمس القادمة. ولا تعتبر هذه النسبة بعيدة المنال، بل إن نسبة الصرف قد تصل الى مستويات اعلى في السنوات الاخيرة للخطة.
ويعتبر مشروعا الوقود النظيف والمصفاة الجديدة مشروعين استراتيجيين لشركة البترول الوطنية الكويتية، ويشملان القيام بعمليات توسعة وتطوير لاثنين من أهم مصافي الكويت (ميناء عبدالله وميناء الأحمدي) بالإضافة الى بناء مصفاة جديدة في منطقة الزور، وهو ما سيؤدي الى تضاعف الطاقة الانتاجية للكويت في قطاع التكرير لتصل الى 1.4 مليون برميل يومياً، مقارنة مع 0.7 مليون برميل يومياً حاليا. ومن المفترض أن يتم البدء بعمليات الإنشاء لمشروع الوقود النظيف في بداية العام 2015 بعد أن قامت الحكومة بالتوقيع على المشاريع في أبريل، بينما من المفترض أن يتم ترسية أول ثلاثة مراحل من مشروع المصفاة الجديدة في شهر أبريل من العام 2015.
تنويع المشاريع
استحوذت مشاريع الوقود النظيف ومشاريع تابعة لشركة البترول الوطنية الكويتية لمراكز تجميع النفط والغاز في الكويت على الإنفاق خلال هذا العام. حيث شكلت المشاريع المتعلقة بالنفط والغاز 77٪، أي 16 مليار دولار (ما يعادل 4.6 مليون دينار)، من إجمالي قيمة المشاريع البالغة 20.7 مليار دولار (ما يعادل 6 مليارات دينار). وبالفعل، فقد استحوذت الكويت على الأقل على نصف الإنفاق النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي. ويستحوذ حالياً كل من قطاع البناء والإنشاء وقطاع الطاقة على الإنفاق الجاري والمخطط بشكل كبير. كما شهد نشاط قطاع البناء والإنشاء قوة أيضاً خلال العامين السابقين. فقد تم ترسية عقود بقيمة 2.6 مليار دولار (ما يعادل 0.75 مليار دينار) و3.1 مليار دولار (ما يعادل 0.9 مليار دينار) خلال العامين 2013 و2014 على التوالي. كما من المحتمل إضافة عقد بقيمة 1.2 مليار دولار (0.35 مليار دينار) لتطوير مستشفى الجهراء الذي من المفترض أن يتم خلال الربع الأخير من العام 2014، وذلك وفق خطة التوسعة التي تقوم بها وزارة الصحة لتسع مستشفيات.
في الوقت نفسه، فقد تم استكمال ما يقارب 40٪ من مشروع محطة شمال الزور، احد مشاريع الكويت الرئيسية القائمة على الشراكة بين القطاع الخاص والعام، خلال فصل الصيف وفقاً لوزارة الكهرباء والماء. ومن المفترض أن تبدأ محطة الطاقة وتحلية المياه عملياتها بحلول الربع الثاني من العام 2015 لتزود 1.500 ميجاواط من الكهرباء و102 مليون غالون من المياه يومياً. وقد تم تحقيق شروط التمويل لمشروع محطة الزور في ديسمبر من العام 2013، ما يجعله اول مشروع يتم ارسائه بنجاح من قبل الجهاز الفني لدراسة المشروعات التنموية والمبادرات، الجهة المسؤولة عن تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاع الخاص والعام.
دور القوانين
ظلت القوانين وإمكانية تطبيقها دون عرقلة من الهيئات الحكومية الأخرى عائقاً لاستمرار المشاريع وتنفيذها وفي هذا المجال تقول الحكومة أنه قد تم إدراج حزمة من الإصلاحات الرقابية خلال العام الماضي هدفها تطوير بيئة الأعمال. وإضافة الى القانون الجديد للشركات والقانون الجديد الخاص بمشاريع الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، ظهر أيضاً قانون الاستثمار الأجنبي المباشر الذي من شأنه جذب الاستثمار الأجنبي، حيث من المفترض أن تقوم هيئة تشجيع الاستثمار المباشر- الجهة المسؤولة عن مراقبة الاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت- باستهداف كل من الاستثمار الأجنبي والمحلي والسماح أيضاً بتملك المستثمر الاجنبي لما يصل الى 100٪ من المشروع في 14 قطاعا ما لم يتم استثناء أي منها (ما يعرف بالقائمة «السلبية»). وقد تم انشاء النافذة الموحدة لتسهيل انجاز المعاملات والبت بالطلبات المقدمة للاستثمار الأجنبي المباشر خلال 30 يوما. ولتفادي البيروقراطية، سوف توضع الهيئة تحت اشراف مجلس الوزراء مباشرة.
كما قامت الحكومة مؤخراً بتعليق برنامج الأوفست الذي يلزم الشركات الأجنبية قانونياً باستثمار نسبة من العقود الممنوحة لها في الاقتصاد المحلي (عادة بنحو 3٪ – 10٪). ولطالما عبر المستثمرون عما يشكله هذا البرنامج من عائق لهم منذ إنشائه في العام 1992. ومن شأن تعليقه قد يعيد المستثمرين الى الكويت كما قد يساهم في استعادة الكويت ما خسرته في سوق المشاريع لصالح الدول المجاورة. وكان هذا الموضوع محط تساؤل إذ كيف يجري تعطيل مثل هذا البرنامج الذي قام في دول مثل الامارات والسعودية بإقامة مشاريع نوعية بالتعاون مع الشركات العالمية.
بصفة عامة، يبدو أن الكويت تسير حالياً على خطى إيجابية نحو تحقيق أهدافها التنموية وتعزيز نموها، لا سيما مع وجود القوانين الجديدة والخطة الخمسية الجديدة للتنمية وتسارع نشاط المشاريع خلال العام 2014. وفيما أدت هذه المؤشرات الى تحسن الآفاق الاقتصادية للكويت، إلا أنها قد ساهمت أيضاً في لفت انتباه المستثمرين العالميين الذين أخذوا في إبداء اهتمامهم مجدداً في الاقتصاد الكويتي وأسواقه.