بحسب جاك ولش أن القادة والمديرين لا بد من أن يتمتعوا بـ4 مقومات، هي الطاقة والبراعة في تحفيز الأفراد، وروح التحدي والحزم والقدرة على تنفيذ ما يقولون.
قيل عن جاك ولش الكثير، فهو الرجل ذو القدرات الخارقة والنظرات الثاقبة والفراسة والتفرد في فنون القيادة الاستراتيجية. سمي بالجزار لأنه قيادي صعب وقاسٍ، قد يتخذ أي قرار مهما كان صعباً للمضي قدماً. بالرغم من ذلك فهو أكثر من يستطيع أن يحفز عدداً هائلاً من الجمهور أمامه بتفاؤله ونظرته الواثقة والمشرقة وبقوةِ حضوره.
تربع ولش من دون منازع على قمة قيادة الأعمال وحاز رتبة مدير القرن العشرين، ويعتبر من الشخصيات التي دخلت عالم الإدارة من باب واسع فأصبح لبنة من لبنات التاريخ الإداري، وهو من يعتبر أن الربح شيء عظيم وليس فقط شيئاً جيداً، لأنه عندما تربح الشركات تزدهر أحوال الناس وتتحسن.
جعل نمط تفكيره المتسم بالتفاؤل وحب النجاح الكثيرين ينجذبون إليه ويعجبون به، وألقى كثيراً من المحاضرات في أنحاء العالم أمام أكثر من 250 ألف شخص، جاؤوا إلى محاضراته التي تبلغ تذكرة الدخول إليها 10 آلاف دولار.
بدأ جاك ولش حياته المهنية في شركة «جنرال إلكتريك» العام 1960، وتدرج في السلم الوظيفي إلى أن أصبح رئيساً لمجلس الإدارة والمدير التنفيذي الثامن للشركة في العام 1981، وأثناء توليه قيادة الشركة استطاع أن يزيد القيمة السوقية للشركة من 13 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار، وهو ما جعلها أكبر شركة على مستوى العالم.
ويعزى نجاح ولش مديراً تنفيذياً لمهاراته الهائلة في أساليب القيادة، إذ أجاد توصيل أفكاره المهمة بصورة عملية إلى باقي طاقم العمل، وليس عن طريق إرسال الرسائل فقط بل الإصرار والتكرار مرة بعد مرة والمتابعة الجادة حتى يدفع الفكرة على التنفيذ، لدرجة جعلت أفكاره عن التغيير حاسمة وشديدة في بعض الأحيان.
عدو البيروقراطية
تعتبر ثقافة ولش في إدارة الشركات مثار جذب وتقدير، لا سيما أن أكثر شيء كان يكرهه البيروقراطية، والروتين الذي يقضي على الحماس والإبداع، وهو ما دفعه إلى الإسهام في تغيير ذلك عن طريق إيجاد بيئة تعليم تتسم بالإيجابية.
وخلال فترة رئاسته للشركة، ألغى ولش عشرات الآلاف من الوظائف وأعاد هيكلة وترتيب المتبقي منها، كما عكف على تنويع أنشطة الشركة الصناعية لتضم مجالات أخرى من بينها التمويل والترفيه.
وعلى الرغم من أن ولش وضع الشركة في عدد من المآزق، بسبب انفراده في كثير من الأحيان باتخاذ القرار، حيث كان يعتبر مستشاريه ومساعديه مصادر للمعلومات وليسوا مصادر للمشورة وإبداء الرأي، أما القرارات النهائية فقد كان يتخذها منفرداً، فإنه كان يحظى بتقدير من حوله، بيد أنه كان يرى أن ذلك نوعاً من تحمل المسؤولية، بينما كان البعض ينظر لذلك على أنه نوع من الديكتاتورية.
ووجهت سياسات ولش انتباه قادة الشركات والمهتمين بالإدارة إلى الجانب الإنساني، فالشركات ليست مؤسسات للربح فقط على حساب عوامل أخرى كثيرة، بل إن عليها واجباً تجاه المجتمع ككل وليس نحو حملة أسهمها فقط، يتمثل في الارتقاء بالمجتمع والعمل على مصلحته من جميع الجوانب الإنسانية أو البيئية.
ضد التيار
ومن بين أبرز ملامح شخصية ولش هو سيره في اتجاه عكس التيار، متحدياً بعض تقاليد شركة «جنرال إلكتريك» الأساسية، إذ قام بتسريح آلاف العمال، وإحداث نقلة نوعية في ثقافة الشركة المحدودة، وسرح المخططين الاستراتيجيين، وجند قادة يستمعون للعمال، واقتراحاتهم وتساؤلاتهم وشكاواهم.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت أكثر مقومات نجاحه بروزاً اختياره وتطويره للقادة، الأمر الذي ساعده على الارتقاء بالشركة إلى مصاف العالمية الأكثر شهرة، ولا شك في أن نظام «جنرال إلكتريك» ساعد ولش في انتقاء وتطوير قادة يمكنهم أن يتوافقوا مع ثقافة الشركة التي تعتمد على الأداء عالي الجودة.
مقومات
ويرى ولش أن القادة والمديرين لا بد من أن يتمتعوا بـ4 مقومات، هي الطاقة والبراعة في تحفيز الأفراد، وروح التحدي والحزم والقدرة على تنفيذ ما يقولون.
الطاقة: ويعتقد أن الأفراد مع الطاقة يحبون أن يعملوا باستمرار ومن دون انقطاع، وينهضون كل صباح بحماسة شديدة لمتابعة أعمالهم، ومن ثم، هؤلاء هم الذين يتحركون بسرعة 95 ميلاً في الساعة في عالم سرعته 55 ميلاً في الساعة.
البراعة في تحفيز الأفراد: من وجهة نظره، أن المديرين الذين بمقدورهم تحفيز الأفراد، يمكنهم وضع الرؤيا ودفع الأفراد للعمل بناء على هذه الرؤيا، ويعرفون كيف يحملون الآخرين على التفاعل مع الرأي أو الاعتقاد، وليسوا أنانيين، يمنحون الآخرين التقدير عندما تسير الأمور في مسارها الصحيح، ويسرعون إلى تحمل المسؤولية عندما تمضي الأمور في المسار الخاطئ، لأنهم يدركون أن المشاركة في التقديرات والانفراد في تحمل اللوم يشجع زملاءهم ويزيد من حماسهم للعمل.
التحدي والحزم: يعتقد أن المديرين الذين يتمتعون بروح التحدي والحزم، هم النماذج المنافسة، إذ يعرفون كيف يصنعون القرارات الصعبة فعلاً، ولا يسمحون لدرجة الصعوبة مهما بلغت أن تقف حائلاً بينهم وبين تحقيق أهدافهم.
التنفيذ: يشير إلى أن الأفراد الذين ينفذون بشكل فعال يفهمون أن الفعالية والإنتاجية أمران مختلفان، وإن كانا وجهين لعملة واحدة، وأفضل القادة هم الذين يعرفون كيف يحولون الطاقة والحماسة والتحدي إلى أفعال ونتائج، ويعرفون كيف ينفذون.
وعلاوة على ذلك، يرى ولش أن العاطفة من بين مقومات القيادة الأساسية، وأن أفضل القادة هم الذين يمتلكون عاطفة قوية تجاه عملهم والعاملين معهم.
إلهام وليس إدارة فحسب
يقال عن المدير العادي بأنه، ينصح فريق عمله أو يوجهه عن طريق تعليمات معينة أو تحفيز مادي أو معنوي. ما يفعله ولش مختلف. فهو يصل إلى إلهام فريق العمل ودفعهم لكسر حواجز الخوف وتقبل المغامرة للوصول إلى أقصى طاقاتهم في الإنجاز. ينصح ولش المديرين باستغلال الفرص كافة لغرز الثقة في الموظفين الذين يستحقونها، ويرى أن بناء الثقة يكون من خلال توجيه عبارات التشجيع إلى العاملين والاهتمام بهم والاعتراف بمجهوداتهم، وأن الثقة بالنفس تحفز الموظفين وتشجعهم على توسيع نطاق قدراتهم وحبهم للمغامرة وتحقيق ما يفوق أحلامهم، وهو ما يجعلها وقوداً لطاقم العمل الناجح.
نبذة عن حياته
ولد جاك ولش في مدينة ساليم، في ولاية ماسوشيستس، وكان والده جون مرشداً في خط السكة الحديدية بين بوسطن ومين، فيما كانت والدته ربة منزل. والتحق بالمدرسة الثانوية في مدينته، ثم إلى جامعة «ماسوشيستس أمهرست»، وتخرج في العام 1957 بدرجة بكالوريوس علوم الهندسة الكيميائية. وذهب ولش في العام 1960 إلى جامعة إلينوس في أوربانا-كامبين، لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه، وفي العام نفسه، انضم للعمل في شركة جنرال إلكتريك.
وعمل مهندساً كيميائياً مبتدئاً براتب سنوي 10.500 دولار، وشعر ولش بغضب شديد جعله يتغيب عن عمله في الشركة، حيث أوشك على الفصل، وكان استياؤه بسبب حصوله على زيادة 1000 دولار فقط بعد عامه الأول، إلى جانب البيروقراطية القاتلة داخل الشركة.
وعليه، خطط لترك العمل والانضمام إلى شركة «إنترناشيونال مينيرالز آند كيميكالز» في مدينة سكوكي في ولاية إلينويس.
لكن روبين جوتوف، المسؤول التنفيذي الذي كان يسبق وولش بدرجتين، قرر أن الرجل كان قيماً لدرجة كبيرة، ويعتبر مورداً متميزاً للشركة لا يتعين عليها أن تخسره.
ودعا جوتوف ولش وزوجته الأولى كارولين إلى العشاء في بيتسفيلد، حيث يوجد مقر الشركة، وقضى أربع ساعات يحاول إقناع ولش بالبقاء، وتعهد له بالعمل على تغيير الواقع البيروقراطي في الشركة بحيث يؤسس بيئة مواتية.
وفي العام 1972، تم تعيينه نائباً لرئيس «جنرال إلكتريك»، ثم أصبح نائباً أول للرئيس في العام 1977، ونائباً لرئيس مجلس الإدارة في العام 1979، وأصبح أصغر رئيس لمجلس الإدارة ورئيساً تنفيذياً في العام 1981، حيث خلف ريغينلاد جونز، وبحلول العام 1982، أعاد تقسيم الإدارات السابقة التي جمعها جون.