ما أصعب القيادة أمام قائد كامل الحضور في كل لحظة! حتى وإن كان على مستوى قيادة حوار. ولو كانت خطتك محكمة، وأسلوبك سلس، إن لم تكن استراتيجياً في الطرح وإن لم تلق المحاور التي تطرحها للنقاش اهتمام صبحي البترجي الرئيس والرئيس التنفيذي لمجموعة مستشفيات السعودي الألماني فلا تلق بالاً، استرح واستسلم لتياره القوي الصريح والجريء والواضح الملامح ودع له شئون القيادة.
من أكثر التفاصيل التي يهتم بها البترجي التواجد الدائم، وهو ما يؤكده بصور وأشكال عدة. حرص أن البترجي أن يدعني أجرب الاتصال برؤساء الأقسام في المستشفى لأقيس بنفسي مدى تجاوب كبار الإدارة في المستشفى مع العملاء.
“اتصلي بهذا الرقم الآن، وقولي لهم أنه لديك مشكلة”، طلب البترجي مني ذلك مشيراً إلى لافتة مثبتة على شباك المختبر. كنا في المشفى السعودي الألماني بدبي، وحولنا موظفو المستشفى ومرضى وزوارهم. في الحقيقة تلك اللافتة التي أشار إليها البترجي، والتي كنت قد ظننت أنها مجرد لافتة إعلانية إلا أنني اكتشفت أنها تحمل أسماء وأرقام هواتف كبار مدراء المستشفى، بما فيهم رئيس المستشفى، البترجي، وزوجته الدكتورة ريم عثمان الرئيس التنفيذي لمستشفى السعودي الألماني بدبي. أصر البترجي أن أجرب الأرقام واحدة تلو الأخرى من هاتفي الخاص، طالباً مني الادعاء بأني واحدة من عملاء المستشفى وبأن لدي مشكلة. ماذا حدث؟
أجاب الجميع على هواتفهم وقاموا بما يلزم، إلا أن واحداً من المدراء الذي كان متردداً في المجيء إلي بنفسه ليساعدني في حل مشكلتي، ولم يكن لديه الوقت الكافي ليستفسر أكثر عن شكواي بطرح مزيد من الأسئلة علي، حيث أن قبل أن تكون لديه الفرصة ليفعل سحب البترجي الهاتف من يدي وسأله ساخراً إذا ما كان مشغول جداً ليعتني بعملاء المستشفى السعودي الألماني قبل أن يغلق الخط.
الأمر التالي الذي أعرفه هو أني رأيت كبير الموظفين مقبلاً بسرعة في المرر أمامنا ليعتذر للرئيس التنفيذي ويؤكد له أنه لم يكن قاصداً تجاهل المريض. قائمة الأسماء هذه موجودة في كل مكان في المستشفى ويريني البترجي أنه حتى في المصاعد وغرف الانتظار، ورؤساء الأقسام في المستشفى السعودي الألماني هم من تقع على عاتقهم مسئولية رضا العملاء.
لا يعتبر البترجي المال هدفاً للعمل، ولكنه بوضوح شديد وبتطبيق عملي يعتبر رضى العملاء وفعل الخير وتقديم المنفعة لهم هو الغاية، أما المال فهو النتيجة الطبيعية التي يتجنيها عندما تصل إلى غايتك.
“لا أريد التكلم عن المال. من يكترث بالمال؟ يهمك الأمر؟ لم نأتي إلى هذه الحياة من أجل المال. نحن هنا لنساعد الناس، عملائنا”. إذا كانت لديك النية للتحدث مع المهندس صبحي البترجي الرئيس والرئيس التنفيذي لمجموعة مستشفيات السعودي الألماني عن قطاع الرعاية الصحية الربحي، لا تفعل. من تجربتي معه أنصحك بأن تذهب باستراتيجية أذكى. ذهبت إليه بخطتي وما لبث أن حولها عن مسارها مستنكراً أن يدور اللقاء حول كيفية تحقيق النجاح في صناعة الرعاية الصحية. ببساطة يرفض أن يتحدث كيف تمكنت مجموعات مستشفياته من تحقيق معدلات أرباح مغرية في دول مجلس التعاون الخليجي. كما أنه لن يعطيك تفاصيل حول تكاليف مشروعه الجديد في مصر أو أي تفاصيل مالية عنه. لكنه سيتكلم مطولا حول كل شيء آخر من المسئولية الاجتماعية للمجموعة، ولماذا بالنسبة إليه مستشفى السعودي الألماني في السعودية ليست بقدر أهمية المستشفى السعودي الألماني في مصر المكتظة سكانياً.
في الأساس، قطاع العناية بالصحة الربحي هو كباقي القطاعات حيث العملاء يدفعون المال مقابل هذه الخدمة، ويشعرون أنهم يحصلون على الفائدة مقابل ما يدفعونه. “عملنا هو مساعدة الناس ويمكنهم الاتصال بي، جميع عملائنا يمكنهم ذلك. وإذا كان هناك خطأ ما أقوم بإصلاحه،” يقولها وبوعد.
العملاء الراضين الذين يملكون المال لينفقوه على الرعاية الصحية سوف يترجمون إلى عملاء أكثر يملكون مالاً لنفقوه على الرعاية الصحية. مما لاحظته من أسلوب البترجي الإداري، هو أن مؤسسته تعمل كالآلة مع عجلات وساتر للعجلات تعمل جميعها بقوة حتى نهاية لعبة المال، والمال، والمزيد من المال.
البترجي الذي يحمل شهادة هندسة، هو أول شخص يعترف بأن قطاع الرعاية الصحية غريب عنه. “لست طبيباً، لكني أحب هذا العمل. أتعرفين معنى أن يكون هناك سيدة لا تستطيع إنجاب أطفال، ونساعدها نحن في تكوين عائلة؟ مرةً كان لدينا طفل إماراتي، لم يكن قاراً على المشي، قبل المجيء إلينا جرب كل مكان آخر. اليوم هذا الولد يستطيع المشي”. يقول البترجي باسماً.
لا مجال للخطأ أو الراحة
مثل معظم القادة المميزين، البترجي يتميز بالجرأة، ومبدئياً فهو إما مدير أحلامك إذا توافق أدائك مع معاييره أو أنه أسوأ مدير في حياتك إن لم يكن أدائك كذلك. كابوس، إذا أثبت حالة عدم اهتمام أو نقص في الشغف في مستشفى السعودي الألماني.
“عندما يتصل بي المريض أربط الرئيس التنفيذي مع الطبيب المسؤول”. وهذه العملية ناجحة لأن الموظفين يعرفون أني جاهز دائما وموجود. من الطبيعي أن يعتنوا بالمريض بشكل أفضل عندما يكون الشخص المسؤول ممكن الوصول إليه، إنها ثقافة رائعة”، يقول وهو يناقش شيكاته ونظام أرصدته. يسمي مرضى المشفى السعودي الألماني بالممثلين ويقول بأنه يشجع الموظفين والعملاء للعمل وكأنهم أصحاب المؤسسة. “هؤلاء هم عملائي وهذه هي احتياجاتهم. الناس الذين يتصلون بي من الشخصيات المرموقة، إنهم مندفعين ويلاحظون التفاصيل وهم الأشخاص الذين يراقبون الخدمات اللوجستية وفعالية المشفى السعودي الألماني بالنسبة لي. ليس هناك مجال للخطأ الإنساني في مجال الرعاية الصحية لأنها ليست نوع من أنواع الصناعة التي يمكن قبول الخطأ فيها. غير مسموح لأي أحد من مجموعتنا أن يبقي رقم تلفونه خاص. إنه متاح لك ولكل شخص أخر على مدار الساعة، لا يوجد هناك وقت للراحة في الطب، في مؤسستي يمكن أن تتصل في أي وقت تريد، وقتك هو وقت ملك للمريض. أريد من الناس أن يأخذوا المهمة على محمل الجد، وأنا أحاول أن أقود هذه الروح هنا”. روح القيادة هو أيضا على جدول أعمال زوجة البترجي، الدكتور عثمان يؤكد البترجي ذلك “سوف تكون الامرأة العربية الأكثر تأثيرا في قطاع الرعاية الصحية في غضون سنتين أو ثلاث سنوات. سجل كلماتي”.
حماس مستمر
البترجي من أشد المؤمنين بأن الأشخاص يشكلون مستويات خاصة بهم من النجاح، ويقول أنه يعتبر نفسه محظوظا بصراحة: “الله أنعم علي بالعمل في هذا المجال. بعد 42 سنة، ما زلت متحمسا كما لو أنه يومي الأول. رأيت أشخاصا يدفعون لي 100000 $ ويعانقونني. «يعني هذا أن زبائن المشفى السعودي الألماني سعداء لدفع المال مقارنة بالنتائج التي يجنونها من المستشفى والمستوى العال من الرعاية وخدمة العملاء التي يحثلون عليها.
أريد أن أبني العديد من المستشفيات ما أمكن ذلك وعلاج أكبر قدر ممكن من الأشخاص. عالجنا العام الماضي مليوني شخص وما يقارب 150000 عملية جراحية بالنسبة لي هذا إنجاز.
الأرقام مثيرة للإعجاب: “عالجت على الأقل 500000 شخص في اليمن، لقد أنقذت ما لا يقل عن 5،000 طفل من الموت بسبب أمراض القلب… لدينا العديد من القصص والأمثلة المشابهة. لهذا السبب لا يهم المال ولكن الإنجازات تهم حقا.
مجموعة الرعاية الصحية تطلق محاولتها المصرية العام المقبل، ويقول البترجي أن علي أن آتي وأرى المشفى بنفسي. وقد أفعل ذلك، فقد غير مفهومي عن هامش الربح في منطقة الشرق الأوسط.
«هل تعلمين كم عدد الناس في مصر؟ فكري في الحجم، ونعم، يمكنهم الدفع، أنت تتكلمين عن 80 مليون! إذا كان الهدف 2% فهي تعادل نصف سكان عمان، هل تعلمين كم عدد السكان في السعودية؟ إذا زار جزء من المصريين مستشفى جديدة لنا ستكون مربحة وأكثر من أي مستشفى لنا في السعودية. لقد شككت بمنطقية وجود استثمارات كبيرة في القاهرة، لا سيما في ضوء الإشكالات السياسية الراهنة، لكن البترجي ينفي هذا بسرعة: ستزول كل هذه الاضطرابات وستزدهر مصر اقتصاديا -وسترين.
وهو يشير إلى الناتج المحلي الإجمالي الهائل في المملكة، أحاول مجراته. بكل هذه الأرقام الكبيرة تجعلك تعتقد كأن الأمر غير حقيقي. إذا كنت تعتقد أنك تعرف شيئاً عن قطاع الرعاية الصحية وعن المال.. أوكد لك أنك لا تعرف شيئاً.
في الواقع، هناك أشياء كثيرة في مجال الرعاية الصحية لا أعرفها والمسؤولية الاجتماعية للشركات على ما يبدو واحدة منهم. بعد 30 دقيقة من الاستماع إلى رئيس المستشفى السعودي الألماني، بدأت أيضا في إعادة النظر كيف تستخدم الشركات المعاصرة المسؤولية الاجتماعية. إنه موضوع كبير. في سبيل الله، لم يعد هناك أي شيء يسمى المسؤولية الاجتماعية للشركات! إنها مثل قوله أنا ذاهب لإرسال فاكس، مضى عليها الزمان. المسؤولية الاجتماعية للشركات هي طريقة لتلميع صورة الشركة. إعمار على سبيل المثال، يمكنها بناء منازل للأقل حظا. يمكنهم الرفع من قوتهم، ووزنهم، وقدرتهم على التطوير لخفض التكاليف عن طريق بناء بشكل جميل وفعال لمنازل بأسعار معقولة.
هذه هي الاستدامة وهذه هي الأعمال الاجتماعية وهي ليست مؤقتة كالمسؤولية الاجتماعية للشركات. إنها نموذج مستدام يمكن أن تدفع المجتمع إلى الأمام. بالنسبة للمسئولة الاجتماعية، فإنه إذا انضم فرد جديد إلى فريق العمل، يمكنه أن يشطب أي من نشاطات المسئولية الاجتماعية للشركة ببساطة. هذه الأيام لا يوجد مسئولة اجتماعية للشركات، بل هناك أعمال اجتماعية يقوم عليها رواد أعمال اجتماعيون.
الأعمال الاجتماعية تعني خلق الأعمال للمجتمع بشكل مستدام. هنا يذهب البترجي لأبعد من ذلك ليشرح كيفية صنع المال وكم تحتاجه الشركات بشكل دائم لإعادة تقييم أولوياتها وعما إذا كانت تريد أو لا تريد مساعدة المجتمع، بدلا من تبييض صفحتهم. وبذلك، تحدد الأعمال الاجتماعية على أنها كيان مستقل بعيد عن الشركة الأم، تعمل من تلقاء نفسها، وتوفر خدمات ومنتجات تعتبر ذات تكلفة منخفضة والتي تستطيع ان تساعد الناس الأقل حظاً.
أستخدم الهندسة والهندسة المعمارية -نحن مطورون للرعاية الصحية ليس فقط مشغلين للمستشفى – نحن نصمم المستشفيات، نبنيها، ونجهزها، ونجهز العمال فيها، ونقوم بتشغيلها ونمتلكها. لذا يمكنني أن أستخدم المعرفة التنظيمية لتخفيض تكاليف المستشفيات. هذه المستشفيات لا تملك اللمسة النهائية الفاخرة كما في المستشفى السعودي الألماني، فقط يتم التركيز لتخفيض التكاليف للحد الأدنى لتأمين عناصر الرعاية الصحية الجيدة، سأركز فقط على الرعاية الصحية الأولية والثانوية، التي هي أمور أقل تعقيدا وأقل تكلفة. وسوف تحصل على الأدوية مجانا، لأني أشتري الأدوية بكميات كبيرة لمؤسستي وأقول للموردين أنظروا سوف تعطونني أدوية بالمجان من أجل هذا العمل الاجتماعي.
البترجي يقول بالرغم من أنه لن تستفيد المستشفى السعودي الألماني واسم المؤسسة لن يظهر، يقول بإصرار أنه لا بد من القيام بهذا، وأنه حصل على الموارد ورأس المال البشري لتحقيق ذلك: سوف نستخدم بعض العاملين معنا للتبرع بالوقت مجانا، وسوف نستخدم بعض شركات الإنشاءات لتعطينا المواد بسعر التكلفة 50 ٪ ليس لأجل ربح المستشفى ولكن هنا أقول لهم هذا لوجه الله. ربما الشيْ الأكثر أهمية الذي جذب البترجي أنه بقدر كبر الشركة بقدر ما يمكن استخدام ذلك لإنجاز الأعمال الاجتماعية: هذا في حال استخدام أسهم الشركات، اسم الشركة، وشركات اقتصاديات الحجم لبناء مستشفى أخر بتكاليف منخفضة لتقديم المشورة للناس ذوي الدخل المحدود، وبدل من أخذ 600 درهم من أجل هذه الخدمة، يمكننا أن نقدمها للمريض ب 10 دراهم.هذا يسمى المسؤولية الاجتماعية -وهذه طريقة جديدة في العالم. والتي تخلق فرص العمل، والتي من شأنها أن تعالج الناس، وتعطيهم المنتجات أو الخدمات.
خلق فرص عمل، معالجة الناس، جميعها تنطوي تحت نموذج الأعمال التجارية المستدامة. هذا باختصار المستشفى السعودي الألماني، ومن أجل الجانب الربحي فإن الرعاية الصحية ليست الجانب الوحيد الذي يستحق دراسته في هذا السياق، يمكن تحقيق الربح، وفقاً للبترجي والعمل بشكل جيد. فقط تحتاج للطريق الصحيح لتحقق ذلك… سواء من الناحية الاقتصادية أو الهندسية. إلى جانب ذلك، أليس هذا كل ما ترمي إليه الهندسة الجيدة؟