تهيمن الشركات العائلية على اقتصاديات المنطقة منذ زمن طويل، وكان لهذه الهيمنة إيجابيات كثيرة أهمها الصعود بالصناعات المحلية من خلال تبني بعض العائلات الاقتصادية للاستثمارات الصناعية، ولابد من الإشارة هنا إلى أن معظم الشركات العائلية التي نعرفها اليوم هي نتاج جهد مميز وفريد لما قام به روّاد أعمال نجحوا في بيئة معادية لمفهوم الصناعة. وأخذو على عاتقهم استكشاف المخاطر في وسط تنافس غير متكافئ في بداياته مع صناعات عالمية وسوق مفتوحة.
جيل الروّاد الأوائل في منطقة الخليج كرّس حياته وبرع في تطوير منتجات صناعية محلية تنافس اليوم في كل الأسواق العالمية، وفي معظم الحالات تابع الجيل الثاني والثالث رسالة المؤسسين ونقلها إلى مرحلة جديدة، وهي أجيال تأهّلت وغالباً تلقت علومها في جامعات متقدمة، ما جعلها أكثر قدرة على التوافق ومواكبة التطورات التقنية وضخّ أفكار ريادية جديدة استلهمت تجارب الروّاد العالميين وفق معايير الزمن وتوجهاته.
الرئيس التنفيذي للزامل الصناعية، عبدالله الزامل، نموذج للروّاد الجدد الذين نقلو نجاحات العائلة إلى عالم اختلفت فيه المعايير وتغيّرت قوانين المنافسة، فحقق إضافات كبيرة على تجربة الجيل المؤسس، وفق خطط علمية مدروسة تبنت مفاهيم جديدة في الإدارة والاستثمار في التقنيات الحديثة. وهذا التطوير لم يأت من فراغ، فقد تبنت العائلة منهجية ضمان الانتقال إلى الجيل الثاني والثالث بالتعاون مع شركات استشارة عالمية متخصصة درست إعادة هيكلة نظم الإدارة والتمويل وفق الإمكانات المتاحة وبما يتناسب مع خصوصية المجتمع الذي تنشط فيه.
روّاد الأعمال العربية التقت الزامل وتحدث عن أسواق اليوم والأزمات الاقتصادية المستجدة بعد تراجع الطلب عالمياً وبدايات الركود الذي تعاني منه الاقتصاديات الكبيرة. وتأثير كل ذلك على الصناعة السعودية وقدرة المنتج الوطني على المنافسة. خاصة وأن السياسة الحمائية التي تتبعها الدول الأوروبية فرضت علينا العمل بالمثل عبر وسائل لا تتعارض مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
في هذا الإطار حرصت الحكومة السعودية على أولوية المنتج السعودي في العقود التي تجريها المشتريات الحكومية لمشاريع البنية التحتية والمرافق الحكومية، يتحدث الزامل عن كيف يمكن تفعيل دور المنتجات الوطنية في العقود الحكومية ووضع أولوية لها في الاستحواذ على المناقصات خاصة مع ما تتمتع به من جودة مقارنة بالمنتجات المستوردة؟
فيقول :” هناك مرسوم ملكي صدر قبل عدة سنوات يعطي الأولوية للمصانع السعودية في المشاريع الحكومية، إلا أنه مع الأسف وخلال الفترة الماضية حدثت بعض التجاوزات لهذا المرسوم، وما نطالب به منذ فترة طويلة هو العمل وفق هذا المرسوم من قبل الجهات ذات العلاقة لتشجيع الصناعة الوطنية، ولكن هذه التجاوزات ليست من أشخاص معينين ولكن تطبيق القانون يجب أن يكون فيه قاعدة قوية وثقافة عامة لدى مندوبي الوزارات.
يجب وضع هذا المرسوم في الأولويات نظرا لأن فيه منفعة للوطن، كما أن الصناعة تمثل عموداً رئيسيا للناتج المحلي الإجمالي للمملكة، أن الاستراتيجية الوطنية التي أعلنت منذ فترة نصت على رفع حصة الصناعة من الناتج المحلي الإجمالي من 10 في المائة إلى 20 في المائة بحلول 2020م .
ولكن ماذا عن صحة المقولة التي تفيد بأن الحصة التي يحصل عليها المصنعون السعوديون من المشاريع والمناقصات الحكومية ضئيلة مقارنة بالفرص المتاحة للمنافسين الأجانب؟ وما هي أبرز المطالبات والبنود التي يجب تطبيقها في هذا الجانب؟
يؤكد الزامل أنه يجب أن يكون هناك إنصاف في موضوع استخدام منتجات المصانع الوطنية، فوزارة التربية والتعليم تعد من أكثر الجهات الحكومية تعاونا مع المصنعين السعوديين خلال الخمس سنوات الماضية بل إنهم قاموا بتحوير المواصفات المطلوبة في المشاريع لديهم لتطابق ما يتم تصنيعه محلياً، مبيناً أنه تم تطوير منتجات ذات جودة عالية وأسعار منافسة لصالح الوزارة، كما أن وزارة الصحة خلال الفترة الماضية توجهت بشكل قوي لمساعدة المصانع الوطنية لتكون مواصفاتها متناسبة مع متطلبات مشاريع الوزارة.
بعض الوزارات لا تتعاون
“بعض الوزارات الأخرى لا تولي أهمية كبيرة للمواصفات المحلية، حسب الزامل ويقول:” المشكلة التي تواجهها بعض المصانع السعودية ليست عدم رغبة القائمين على هذه المشاريع بإدخال المنتج الوطني. بل على العكس من ذلك، ولكن هناك بعض العقبات التي التي تحول دون ذلك، منها أن يكون الاستشاري أجنبيا ولا ينظر لخصوصية الوضع المحلي رغم أنه هو من يضع الاشتراطات الخاصة بالمنتج المطلوب، ونحن نطالب الوزارات بالضغط على الاستشاريين الأجانب والمصممين بوضع أولوية للمنتج السعودي”.
هذا من جانب الحكومة ولكن ماذا عن التزام الصناعيين باحتياجات السوق وتوفير المنتج الصناعي في الوقت والمناسب؟
هل أن بعض المصانع الوطنية تصدر نحو 70% من إنتاجها للخارج رغم حاجة السوق لهذا المنتج. فهل يعود السبب لاعتماد المشاريع الإنشائية الكبرى على منتجات أجنبية وإهمالها للمنتج المحلي؟ أم أن العكس هو الصحيح؟
يوضح الزامل:” ما يشاع عن تصدير بعض المصانع الوطنية ل70 في المائة من منتجاتها إلى الخارج رغم حاجة السوق ليس صحيحاً، كما أجزم أن وجود سوق محلية تستوعب هذه المنتجات يلغي التصدير إلى الخارج، وأن ما يتم تصديره هو الفائض من الإنتاج عن حاجة السوق، ومن مزايا السوق المحلي أن الدفع يكون بالريال السعودي وهذا يلغي مخاطر فرق العملة، كما أن عملية التسويق في السوق المحلي يقلص تكلفة الشحن، وأن أسعار التصدير تكون في بعض الأحيان أقل من أسعار البيع المحلي لأن هذا يعتبر فائضاً عن الإنتاج. هذا يحدث أحيانا في بعض المواد الأولية وهي محدودة” .
كيف يؤثر الركود الاقتصادي اليوم في الأسواق الرئيسية على الصناعة السعودية؟
تأثير الركود على الاقتصاد السعودي أقل من تأثيرها على الاقتصادات العالمية الأخرى، ولكن الاقتصاد السعودي مرتبط بالاقتصاد العالمي الذي تأثر بشكل كبير خلال الفترة الماضية ما أدى إلى انخفاض الطلب، وبالتالي التأثير على المصدرين من ناحية الأسعار لوجود المنافسة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع أسعار بعض المواد الأولية ما يؤدي إلى خفض التصدير، والأهم من ذلك شح مصادر التمويل.
وللأسف فإن السعودية ليست لديها سياسة حمائية للمنتجات، ولا يوجد عوائق أو تكاليف عالية أمام دخول السلع العالمية، وهذا يدل على أن ما يحكم السوق هو قاعدة العرض والطلب، وأن المنافسة هي التي تحكم السوق، والأسعار في المملكة منافسة جدا مقارنة بالأسواق العالمية بحكم السوق الحر.
هذا ربما كان لصالح الصناعة السعودية التي اعتمدت على نفسها والتزمت معايير الجودة، ولكن هل من المتوقع أن تؤدي الفوائض الإنتاجية المحققة في اقتصادات العالم إلى إغراق قد تتضرر منه الصناعة الوطنية، خاصة وأن الركود الاقتصادي العالمي يعطي مؤشرا قوياً على أن عام 2015 ليس سهلا ًعلى القطاع الصناعي السعودي؟
يعلق الزامل بالقول :” الاقتصاد العالمي يعاني من انكماش قوي وهذا له تأثير مباشر على بعض الصناعات الوطنية في الأسواق الخارجية، إلا أن جودة المنتج وتكلفته ستلعب دوراً كبيراً في هذا الجانب، ووضع المملكة أفضل من غيرها خاصة في الأسواق الإقليمية.
سياسة المصانع الوطنية هي التركيز على السوق المحلي والأجنبي، وبالتالي الاتجاه للأسواق المحلية في حال تعرض الأسواق الأجنبية إلى مؤثرات عالمية، إذ أن سياسات التسويق محليا وخارجيا تختلف من عام لآخر حسب معطيات الأسواق”.
20% من الناتج الجمالي ومسئولية الحكومة
ماذا عن التزام الشركات الصناعية في المملكة بخط الحكومة للارتقاء بمساهمة الصناعة في الناتجة الاجمالي إلى 20%؟
يؤكد الزامل قائلاً:” نستطيع الوفاء بما هو موجود في خطة الوصول إلى هذا الهدف، كما أن الاستثمارات الأجنبية مهمة جداً ويجب استقطابها بكل قوة، وإذا تمت إزالة تحديات توفر الأراضي الصناعية، ومشاكل الكهرباء، والتمويل بشقيه سواء من صندوق التنمية الصناعية السعودي أو البنوك التجارية، والعمالة، وتم إدخال الصناعة الوطنية في المشاريع الحكومية فإن الصناعة الوطنية ستقفز من 10 في المائة إلى 20 في المائة من الناتج المحلي بشكل سريع جداً.
وفي هذا المجال لا نرغب بوجود حاجز بين المصانع الوطنية والجهات الحكومية. بل نرغب بشفافية تامة بالإعلان عن المشاريع بوقت مبكر لتمكين المصنعين الوطنيين من الاستعداد التام من ناحية المواصفات والطاقة الإنتاجية والتوريد، كما نرجو من الجهات المانحة للعقود بأن تكون المواصفات المطلوبة محلية قدر المستطاع، وإذا كان لا بد من الاستعانة باستشاريين أجانب فإنه يجب أن يكون هناك خط مفتوح بين الاستشاري والمصانع السعودية بحيث يتم إلزامه بمنح المنتج الوطني الأولوية.
كما أنه يجب على هذه الجهات انتداب بعض مهندسيها في الصناعات الوطنية خاصة مدراء المشاريع والجهات المعنية في تطبيق المشاريع للاطلاع على قدرات المصانع الوطنية، فضلا عن ترتيب زيارات ميدانية دورية لمعرفة مدى قدرة المصانع الوطنية على تلبية احتياجات المشاريع.
هناك مشاريع تعد نصف حكومية مثل مشاريع أرامكو وشركة الكهرباء والاتصالات وغيرها، ولدى بعض هذه الجهات أقسام خاصة بتشجيع الصناعات الوطنية، إذ تقوم بمساعدة المصانع على التصاميم وتطبيق المواصفات المطلوبة في مشاريعها، مشيرا إلى أن المطلوب هو منح المصانع الوطنية فرصة للمنافسة”.
ويضيف” الحكومة لديها رغبة كبيرة في تشجيع الصناعات الوطنية، ويجب النظر إلى التحديات التي تواجه القطاع بجدية، كما أن مجلس الشورى يضم حاليا أعضاء لهم باع طويل في الصناعة، نتمنى تشكيل فريق متخصص في المجلس وفي هيئة الخبراء للنظر في التحديات التي تواجه القطاع. والوصول إلى الرؤية في أن تمثل الصناعة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020م ليست صعبة إطلاقا.
كوادر:
– عبد الله الزامل : من الضروري محاسبة ومساءلة أي مسؤول في المشاريع الحكومية لا يقوم بتطبيق الأوامر السامية التي تنص على منح الأولوية للمصنعين والمنتجات الوطنية، كما ويجب أن تكون الصناعة السعودية محوراً أساسيا للمسؤولين عن العقود وليس الصناعيين وأصحاب المصانع وحدهم .
– هناك مشاريع تعد نصف حكومية مثل مشاريع أرامكو وشركة الكهرباء والاتصالات وغيرها، ولدى بعض هذه الجهات أقسام خاصة بتشجيع الصناعات الوطنية
– إذا تمت إزالة مشاكل توفر الأراضي الصناعية، ومشاكل الكهرباء، والتمويل بشقيه سواء من صندوق التنمية الصناعية السعودي أو البنوك التجارية، والع