تعد قصة كفاح مصمم الأزياء العالمي رالف لورين من قصص الكفاح الطويلة والشاقة لرجل عصامي اثبت للعالم أجمع أنه ليس هناك مستحيل، وأن التحدي والإصرار على النجاح هما السبيل الأكيد لتحقيق الهدف المنشود، فهذا الرجل عاش بداية حياته في فقر مدقع، ومع ذلك استطاع أن يكون من أشهر مليارديرات اليوم، وأصبح اسمه عنواناً مميزاً لامبراطورية تتحاكى بها الأجيال، ويرتدي تصاميمه كبار المشاهير من مختلف انحاء العالم.
اسمه الحقيقي رالف ليفشيتشز وهو الابن الأصغر لعائلة يهودية فقيرة مهاجرة إلى أمريكا، كان يرطب حياة البؤس التي يحياها بالخيال، وكانت أفلام السينما توفر حياة موازية لحياته الواقعية. حيث يعيش أحلامه بأقل من دولار حتى ينتهي الفيلم.
ويضيف مؤلف كتاب “حقيقة أصيلة: حياة رالف لورين” إنه كان يتصور نفسه ممثلاً مع مشاهير أمثال غاري كوبر وكاري غرانت. كانت قدرته على مزج الخيال بالواقع مذهلة، وهي مميزات أدخلها رالف إلى عالم الأعمال والأزياء منذ بداية عمله فيها.
نشأته :
ولد رالف أكتوبر عام 1939 في حي برونكس بولاية نيويورك، كان والده يعمل صباغاً، وكانت عائلته مكونة من أربعة أولاد هو أصغرهم ،عاش رالف لورين طفولة تعيسة إلى حد ما حيث كان محط سخرية زملائه بسبب اسم عائلته، فقرر هو وأخوه تغيير اسم العائلة ليصبح لورين بدلًا من ليفشيتشز، وفي هذا الشأن صرح بنفسه في إحدى المقابلات الصحفية: «اسم عائلتي الأول كان بشعاً للغاية. عندما كنت طفلاً، كان جميع رفاقي في الصف يسخرون مني. لهذا السبب قررت تغييره. بعدها بدأ الناس يتساءلون: هل غيرته لئلاً تظهر علناً هويتك اليهودية؟ فأجبتهم.. بالطبع لا».
كان لورين مولعاً بالموضة والملابس ، منذ نعومة أظفاره ، حتى أنه عمل بعد المدرسة وهو في سن الثانية عشر ليوفر نقودًا لشراء الملابس الجديدة، وكان يهتم دائماً بشراء الملابس ذات الجودة العالية ولهذا كان يدخر الكثير من أجره حتى يتمكن من شرائها ، مما جعله في محل جذب أنظار زملائه وجيرانه في حي برونكس.
دراسته وعمله
في بداية حياته الدراسية، قصد لورين أكاديمية سالنتر، لكنه انتقل في الصفوف المتوسطة إلى أكاديمية «أم تي إي» في نيويورك. وفي هذه المدرسة، اشتهر لورين ببيعه ربطات عنق من تصميمه للطلاب. وفي عام 1955، قصد ثانوية ديويت كلينتون، ليتخرج فيها عام 1957. في حفلة تخرجه، طلب من مسؤولي المدرسة أن يكتب تحت صورته في كتاب السنة «أريد أن أصبح مليونيرا». ومن هنا بدأت قصة كفاح المصمم للوصول إلى هدفه في أن يصبح مليونيرًا.
والغريب في قصة نجاح لورين، أنه لم يدخل يوما مدرسة لتعلم تصميم الأزياء، بل قصد معهد باروش في نيويورك ليتخصص في إدارة الأعمال. كان يحضر صفوفه في الليل، ليعمل في النهار بائعاً في محلات بروكس برازرز للألبسة الرجالية، لكنه تخلى عن الدراسة بعد عامين فقط ، واستمر في العمل بمتاجر الألبسة حتى عام 1962، حين انخرط في صفوف القوات المسلحة الأميركية.
وبعد عامين أنهى خدمته في الجيش عام 1964، و انتقل للعمل في مصانع شركة «ريفيتز» للأزياء.والتي شكلت انطلاقته الأولى، فقد فتحت له هذه الشركة أبواب تصميم الأزياء. وكانت أولى منتجاته ربطات العنق كما كان يفعل في المدرسة، لكن هذه المرة بحرفية أعلى ودقة أكثر. فكان يقضي الليل أمام طاولة التصميم يقيس ويرسم ويخيط، إلا أن تصميماته قوبلت بالرفض من جانب المستثمرين في بداية الأمر.
تأسيس الإمبراطورية
في عام 1967، اتفق مع شركة «بو بروميل» ليصمم لها ربطات عنق. وفي هذه الفترة، درجت موضة ربطات العنق داكنة اللون، إلا أن لورين أراد أن يرسم خطًا خاصًا بتصميماته ، فأحدث ثورة فيهذا المجال ، وبدأ بتصميم عددًا كبيرًا من الكرافتات بألوان مزركشة وفاتحة ، مما أثارت إعجاب الكثير من الزبائن. وهي مغامرة لم يكن المقربون منه يعتقدون أنها ستنجح.
. و يروي لورين مفتخراً في إحدى مقابلاته الصحفية بعض تفاصيل هذه المرحلة من حياته قائلاً: «ربطات العنق هذه كانت تصنع يدويًا. وتراوحت أسعار منتجاتي بين 12 و15 دولارًا بينما الكرافاتات المصممة من قبل مصممين عالميين كانت تباع بخمسة دولاراًت، . فالبساطة والفخامة جعلت من منتجاتي ثورة حقيقية».
وفي عام 1968، تزوج لورين من ريكي لوبير. ولعل زواجه جلب معه الحظ، إذ استطاع في العام نفسه تأسيس شركة بولو للأزياء، من الأموال التي جمعها جراء بيع ربطات العنق ومن اقتراض 50 ألف دولار، وبمساعدة شقيقه الأكبر.
اختار لورين اسم بولو وحملت العلامة منذ البداية شعار رجل يلعب بولو على الحصان، ويعلل لورين سبب الاختيار هذا: «كانت لعبة الملوك. كانت لعبة مميزة ومثيرة وعالمية». وكان الناس يعتقدون في البداية أن اختيار الاسم جاء تيمنًا بماركو بولو البحار والمكتشف الشهير.
والجدير بالذكر أن هذه اللعبة الشهيرة تعد نقطة التحول الكبير في حياة رالف لورين، منذ أن أخذه صديق إلى مباراة بولو حيث تشكلت هناك أولى مفاهيمه عن الرفاه والبذخ، فقد أطل لأول مرة على عوالم جديدة لم يرها من قبل، وانبهر بالألوان والجمال والمتعة وسط المجتمع الراقي المتخم بالمال والثراء.
يقول وارن هيلستين الصديق الذي رافقه إلى المباراة “الفضة، والجلد، والخيول ونساء شقراوات يعتمرن قبعات كبيرة.. أجزاء من تجربة طبعت رالف ودفعته للتفكير في تأسيس شركة للملابس الراقية تحمل علامة تجارية باسم بولو وستصبح في نهاية المطاف بولو رالف لورين”..
توسعات شاملة
بدأ لورين توسعاته في التصميم واتفق مع متاجر ” بلومنغديل ” لتقوم ببيع منتجاته من ربطات العنق ، ولكن الشركة اشترطت بألا يضع علامته التجارية ” بولو رالف لورين ” على ربطات العنق ، إلا أنه رفض العرض تماماً وكاد أن يبحث عن شركة أخرى لبيع منتجاته ولكن الشركة مالبثت أن وافقت على شروطه بعد أن عرفت نجاح مبيعات ربطات العنق التي يصممها لورين .
وفي عام 1968 قام لورين بتوسعة مصنعه، ليصبح خط تصنيع للألبسة الرجالية ، وكانت تتميز تصاميمها مابين الطابع البريطاني والامريكي الكلاسيكي ، ونجح لورين في بيع منتجاته وأصبح لديه زبائن كثيرة تتهافت على تصميماته .
وأدخل لورين أول خط لتصنيع الألبسة النسائية عام 1971 ، ونتيجة للتوسعات التي ينتهجها كل فترة قرر لورين دخول مجال البيع بالتجزئة ، وفي نهاية عام 1971 ، قام بافتتاح أول محل لبيع الملابس في بيفرلي هيلز ، وقد حقق المحل نجاحاً باهراً، مما شجعه لتوسعة أعماله أكثر فأسس العديد من المحلات التجارية الخاصة به في الولايات المتحدة .
الشهرة تدق الأبواب
دخل رالف لورين إلى عالم الشهرة من أوسع أبوابه في بداية عام 1973 ، حيث قام بتصميم أزياء أبطال فيلم ” ذي غريت غاتسبي ” في هوليوود وقد أعجب بها المشاهير وملايين المشاهدين .
بعد النجاح الباهر الذي حققه رالف لورين في تصميم أزياء أبطال الفيلم، ذاع صيته واستطاع خلق فلسفة للأزياء من نوع مختلف تجمع بين الأناقة من جهة والموضة من جهة أخرى،ويقول لورين عن هذه الفلسفة: «أؤمن بالألبسة التي تدوم وليس لها موسم محدد لارتدائها. فالناس الذين يرتدون ثياب بولو لا يشعرون بانها تتبع الموضة»..
وفي عام 1974 قرر تنويع نشاطاته فبدأ بتصنيع النظارات، ثم تصنيع العطور عام 1978، وبدأ في إنتاج ملابس الأطفال في عام 1981 وبعدها تصنيع الأحذية عام 1982 .
وقام لورين عام 1984بشراء منزل المصورين الأمريكيين ادغار دي ايفيا وروبرت دينينغ، ليحوله إلى متجر رئيسي لأزياء بولو رالف لورين ، وقد صور دي ايفيا المنزل ونشرت في مجلة هاوس اند غاردن ، مما زاد من شهرة لورين وانتشار تصاميمه بشكل واسع .
ولم يكتفي لورين بهذا الحد من النجاح ، بل سعى للاستمرارية والمنافسة خاصة بعد ظهور الكثير من العلامات التجارية ذات الشهرة العالمية وخاصة بعد ظهور دار ارماني، مما جعله يتنوع أكثر في خطوط إنتاجه فقرر تصنيع التيشرتات والقمصان الرجالية، وبدأ أيضًا في تصنيع المجوهرات والساعات والملابس الجلدية .ثم انطلق بعد ذلك بإصدار خط إنتاج جديد وهو اكسسوارات ومستلزمات المنزل كالمناشف والأثاث وغيرها .
ويعد لورين المصمم الوحيد في العالم الذي ظهر مرات عدة في إعلانات لأزيائه، وكان يعتمد في بعض الأحيان على موضوعات توحي له بالابتكار. فأسمى بعض مجموعات أزيائه كالتالي: «رحلة إفريقية»، «الأميرات الهنديات»، «الثياب الغربية»، «غجريات في باريس»، و«الثورات الروسية». وهذه العناوين كانت تلهمه وتصقل مهاراته.
إدراج وجوائز
ارتبط نجاح لورين بمراقبته الدائمة لجودة منتجاته عن كثب وكذلك المحافظة على إسم بولو براقاً في جميع الميادين. وبالرغم من عدم براعته في الدراسة، وظلت الشهادة الوحيدة التي حصل عليها هي الثانوية، يتربع رالف لورين اليوم على عرش الموضة في العالم ويقود إمبراطورية كبيرة في عالم المال والأعمال. وتتكون تلك الامبراطورية حالياً من 200 مصنع وأكثر من 420 متجرًا موزعين في أنحاء العالم.
وبعد نجاحاته المتكررة، تم إدراج الشركة في سوق نيويورك للأوراق المالية في عام 1994 ، وطرحت أسهمها للاكتتاب العام في سنة 1997 مما أمن أموالا طائلة للورين ليحقق أمنتيه في التوسع أكثر وأكثر، لكنه لم يحسم أبداً رغبته في فتحها أمام المساهمين ووضعها بيد مجلس إدارة يديرها، ولا يزال يسيطر اليوم على 81.5 % من الأسهم
وما زال يحقق نجاحاً تلو الآخر، ففي عام 2004 قرر إطلاق علامة تجارية جديدة تحت اسم رياضة أخرى هي “ركبي”، ليجذب الزبائن بين عمر 14 و29 عاماً. ويقول لورين في مقابلة مع مجلة فورتشن: “أعتقد أننا أهملنا هذه الشريحة من العمر، لذا ابتكرت هذه الماركة الموجهة لأولاد المدارس أكثر من بولو”.
وقد حصل رالف لورين على العديد من الجوائز والتكريمات بسبب نجاحاته المتواصلة ، حيث حصل على ثمان جوائز من منظمة كوتي ، وتم إدخاله في رواق كوتي للمشاهير في عام 1986، وحصل على جائزة أفضل إنجازحياتي من اتحاد مصممي الأزياء في الولايات المتحدة في عام 1992، وانتخب ليكون مصمم سنة 1996 في الاتحاد .
حياته الخاصة :
لدى رالف لورين ولدان وابنة واحدة ، اندرو ولد في عام 1969 يعمل الآن في إنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية ، ديفيد 1979 ، يعمل في الإدارة التنفيذية لشركة بولو رالف لورين ، ودايلان 1974 تمتلك متجراً للحلويات في مانهاتن .
وفي أعوامه الـ70 يستمتع رالف لورين اليوم بكل نجاحاته، يجمع القطع الفنية النادرة، ويملك منازل فاخرة في كل من جامايكا، لونغ آيلاند، ومانهاتن، وكذلك مزارع ضخمة في ولاية كولورادو، وتقدرثروته بسبعة مليارات دولار، وفقاً لمجلة فوربس.
هذا ويُعرف عن لورين حبه للسيارات الكلاسيكية، فقد جمع عدداً لا بأس منه كهواية، وفازت مجموعته من السيارات بجوائز عدة متخصصة، وهي تعرض حالياً في معرض بوسطن للتحف الفنية، ومن بين سياراته بنتلي موديل 1929 وألفاروميو موديل 1937 وبوغاتي عام 1938 وفيراري عام 1962.
كوادر:
•عاش طفولة تعيسة إلى حد ما حيث كان محط سخرية زملائه بسبب اسم عائلته، فقرر هو وأخوه تغيير اسم العائلة ليصبح لورين
•كان لورين مولعاً بالموضة والملابس ، منذ نعومة أظفاره ، حتى أنه عمل بعد المدرسة وهو في سن الثانية عشر ليوفر نقودًا لشراء ملابس ذات جودة عالية
•بالرغم من عدم براعته في الدراسة يتربع رالف لورين اليوم على عرش الموضة في العالم ويقود إمبراطورية كبيرة في عالم المال والأعمال
•يعلل لورين اختياره اسم بولو لعلا