لا يزال رأس المال هو مدير، أو مايسترو العالم. يُدير كلّ شيء، من لقمة الخبز حتى المصنع والمدرسة والبندقية. فالعالم منذ نهايات حقبة الإمبريالية، ومن ثمّ حقبة العولمة الجارية، يُقاد بتحالف على صعيد هذا الكوكب، الذي غدا كرة يضربها رأس المال بقدمه المسمومة، لتستقرّ في أهداف الفقراء.
تتقدم رأسمالية المركز، بتدورها وتقنياتها وتفوقها العلمي تحت مظلة الشركات العابرة للقوميات، بما لها من نشاطات تجارة وسلع مدنية عسكرية وبشرية، لتعيد مركزة رأس المال وتوجيهه إلى مقراته التقليدية منذ انطلاق الثورة الصناعية الأولى.
وظلت رأسمالية المحيط (الكمبرادور خاصة) كشريك، وتابع للرأسمالية في المركز.تحافظ على امتيازاتها وأسلوبها الذي يتجاهل تطوير مجتمعاتها وتحقيق أكبر فائض غير مفيد للثروة.
رأسمالية المحيط ليست شريكاً حقيقياً، وليست شريكاً وطنياً ولا إنسانياً، وعلى المستويين الوطني والإنساني. وبالتالي ليست المشكلة في كونها متعلمة، مثقفة وواعية أو لا، بل في كونها لا وطنية، وهذا أخطر. أما حين يجاملنا الاقتصاديون اليساريون في الغرب بالقول: «إنّ دول المركز تستغل أمم المحيط، فهذا ليس دقيقاً. يتحرّك رأس المال في كلّ بقعة من العالم، ضمن مستويات الصناعة والتجارة (بأنواعها ومجالاتها) والمال، بسرعة وسهولة. وتتحرك شخوصه طبعاً.
الشركات الأميركية، وكثير من الغربية، تَنْقل مراكز إنتاجها إلى المحيط، بما فيه الصين، وتدفع أقل أجرة ممكنة، وهذا مصدر ربحها الحقيقي، ثمّ تربح ببيع هذه السلع في المركز بأسعار مجدية جداً. تتنقل رؤوس أموال هذه الشركات وسلعها بسهولة، بل يتمّ استدعاؤها واستجداؤها على شكل استثمار أجنبي مباشر، أو غير مباشر، وهي في حقيقتها عملية استغلال، وتجريف لثروات المحيط. إنه تنقّل سهل، كما يتنقل من تزوج اثنتين، بمنطق ذكوري مطلق، من مخدع هذه إلى مخدع تلك، وفي المخدعين يُقال له «شكراً سيدي… بوركت». ثم يصطف هو، وهنّ، للصلاة تحت زعم المساواة!.
معظم قوة العمل الصناعية في العالم اليوم هي في المحيط، بل 80% من قوة العمل هذه والعمّال هناك يتقاضون أجوراً ضئيلة.
لا حراك حرّ في هذا العالم لغير رأس المال
لكن العمال أنفسهم لا يمكنهم التنقل مثل السلع، أو التحويلات المالية، التي ينقلها «الجن» في لحظات من بلد إلى آخر بأرقام فلكية. لذا، تقول الشركات، إذا لم يأت العمال إلى المركز، نذهب نحن إلى المحيط. بل يجب ألا يأتي العمال إلى المركز، كي لا يموتوا هنا، فتصاب مقابر العرق الأبيض بالزكام! إلى جانب ذلك، الهجرات من المحيط إلى المركز ممنوعة، فليست فقط قوة العمل الممنوعة من التنقل. لا حراك حرّ في هذا العالم لغير رأس المال، والرأسماليين، ولأنّ رأس المال يتحكّم في العالم، فقد فتح طريقاً خاصاً لحراك استثنائي لقوة العمل.
يسمح رأس المال بحراك عمّال إلى الخليج، حيث يتمّ استجلاب عمالة رخيصة وغير مؤهلة كفاية وهذا يؤخر تطوير العمالة المحلية ويبقيها خارج قوة الفعل الاجتماعية،. والعمالة المستوردة تحلّ محلّ قوة عمل محلية يتمّ تراكمها فتظل قنبلة موقوتة.
هذا الاستثناء يشمل نوعين من حراك، أو نقل العمّال، لا تنقّلهم:
ــ تسليع قوة عمل بجلبها إلى المنطقة وبالملايين.
رأس المال الإرهابي هذا هو فائض قوة العمل الشابة في البلدان المتخلفة، العربية والإسلامية خاصة. وكما ذكرت، في مواضع سابقة من هذه الأسئلة، فإنّ الخليج معني بالتخلص من قوة العمل الشابة، غير المؤهلة علمياً ولا مهنياً. ولكي لا تنفجر كمشكلة اجتماعية، لا بدّ من تأهيلهم والاستفادة منها بدلاً من استجلاب عمالة من الخارج.
غياب خطط تأهيل العمالة يخلق وقوداً احتياطياً للإرهاب. ما يفسر ظهور مدد جاهز للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، آخر ما يُقال في تونس إنّ هناك 6000 تونسي يقاتلون في سوريا وليبيا. هذا من دون إحصاء حقيقي، ومن دون إحصاء عدد من قُتلوا، ومن دون إحصاء من يقاتلون في جمهوريات عربية أخرى.
لا يمكن لهذا الحراك الإرهابي أن يتمّ بمعزل عن بيئات حاضنة سببها إهمال فئات الشباب وافتقارها للتأهيل وغياب فرص العمل المناسبة.
بدون وضع خطط متكاملة بين دول المنطقة سيزداد تفاقم مشاكل الإقليم العربي
وسنشهد تواصل تسويق الأسلحة والذخائر والخدمات اللوجستية لمصلحة الشركات الغربية.
ومحاصرة أي تقدّم في مواجهة البطالة والتخلف. ليس هذا موضع نقاش في هذه العجالة. ولكن كما نرى فإن:
تزايد عدد عمال الصناعة في المحيط لم ينتج شرائح عمالية متنورة .
وتزايد عدد العاطلين من العمل في بلدان المحيط كذلك، لم يرفع سقف تقاليد العمل وتطوير عمالة تورّث الخبرة وانتقال المعرفة.
والأزمة المالية الاقتصادية في المركز تمّت محاصرتها تقريباً كي لا تتفجر ثورة في المركز.
وكثير من قوة العمل الفائضة، في المنطقة وبلدان إسلامية أخرى، تشكل قنابل موقوتة في مجتمعات ضعيفة ثقافياً وغير محصنة أمام مغريات التطرف الديني.
ما يحدث خارج السياق المألوف، أو المتوقع، على الأقل قيام، ربّما، ملايين المهاجرين من العمال، وحتى مع أسرهم، وخاصة السوريين، بالتسلل إلى شاطئ المتوسط، والانتحار في البحر، محققين حراكاً عمالياً حتى لو بالموت. بل بالموت يهدمون جدار الفصل العنصري المعولم بين المركز والمحيط. إنهم ذاهبون إلى الاستغلال، والاضطهاد، والتمييز الأبيض ضدّهم. ماضون إلى ذلك في «سعادة» ودون ذلك، فلا بأس بالموت! هؤلاء الذين إمّا رفضوا الانتظام في صفوف الإرهاب، أو أنه ليس بحاجة إليهم، هم فائضون عن الحياة والوجود، إنهم يقومون بخرق قانون منع حراك العمّال، بأرواحهم، وحتى بأرواح أطفالهم. أنّ رأس المال الغربي نهب بلدانهم على مدار قرون، ولم يتوقّف بعد.
كوادر:
– بدون وضع خطط متكاملة بين دول المنطقة سيزداد تفاقم مشاكل الإقليم العربي
– تقول الشركات، إذا لم يأت العمال إلى المركز، نذهب نحن إلى المحيط. بل يجب ألا يأتي العمال إلى المركز حتى لا تتكلف الشركات عبئاً اجتماعياً ومالياً بدون وضع خطط متكاملة بين دول المنطقة سيزداد تفاقم مشاكل الإقليم العربي