يعتبر رجل الأعمال امانسيو اورتيغا مؤسس شركة إينديتيكس للأزياء أغنى رجل في إسبانيا وثاني أغنى رجال أوروبا، كما يحتل المركز الثالث في قائمة أغنى أغنياء العالم ليحل محل المستثمر الأميركي الأسطوري وارين بافيت، بثروة ضخمة تقدر بحوالي 64 مليار دولار ويأتي بعد كل من رجل الاعمال العملاق “بيل جيتس” والمكسيكي واللبنانى الاصل “كارلوس سليم الحلو“، وفقاً لمجلة “فوربس”.
عدد كبير من الاسبان لا يعرفون حتى اسم مالك زارا وماسيمو دوتي وبيرشكا وغيرها من المتاجر الشهيرة، فهو لم يدلٍ بأي حديث ولم يعطٍ الصحافة المحلية أو العالمية اي مقابلة على الاطلاق، صنع نفسه بنفسه وبنى امبراطورية عصامية تضم 14 ألف موظف يعملون في اكثر من 3 الاف متجر حول العالم.
ولد امانسيو اورتيغا غاونا في 28 مارس عام 1936 في بوسدونغو دو ارباس بمدينة ليون الاسبانية، كان الابن الأصغر لعامل في هيئة السكك الحديدية لم يتابع صفوفه الدراسية، لكنه عرف كيف يتعلم من الحياة اليومية بصمت، ويسبك خبرته بتواضع، وأدرك جميع مفاصل بيزنس صناعة الثياب من المتابعة في النهار والتجربة في الليل.
وداعاً للجوع!
يجمع الناس الذين تابعوا حياته على أنها أشبه بفيلم، ويمكن تلخيص حياة ثالث أغنى رجل في العالم، في عبارة واحدة مثلما قالت سكارليت أوهارا في فيلم «ذهب مع الريح»: «لن أشعر بالجوع مطلقاً بعد الآن». فقد ظن صاحب إمبراطورية «زارا» للملابس هذا حينما كان طفلاً ورأى بعينيه كيف أن صاحب متجر رفض بيع طعام لأمه بالآجل.
لا يعرف الكثير عن طفولته حتى سن الرابعة عشرة عندما توجهت عائلته الى شمال غرب اسبانيا لتسكن في المدينة الصناعية في لا كورونا بسبب وظيفة والده في سكك الحديد. وكان لزاماً عليه مع أخيه أنطونيو كسب المال لإطعام الأسرة حينها اضطر اورتيغا إلى ترك المدرسة والعمل صبياً في متجر للقمصان لمساعدة اهله في مصروف البيت.
ساعده احتكاكه بقطاع صناعة الملابس في معرفة الصورة التي سيكون عليها مستقبله، وهذه المهمة اليومية أثرت كثيراً على افكاره فقرر في ما بعد صناعة ألبسة لجميع الناس باسعار منخفضة. بعد عامين، انتقل للعمل مساعداً للخياطين في معمل الشركة نفسها. وهنا ايضاً كسب خبرة في مراحل الانتاج.
كان ثاني عمل له، في فترة المراهقة أيضًا، هو مندوب مبيعات في مصنع لخياطة الملابس النسائية يحمل اسم «لاماخا» وكانت وظيفته توصيل الملابس لزبائن اثرياء.وهناك، التقى زوجته السابقة روزاليا ميرا، شريكته في أول محلات «زارا».
بداية النجاح
في بداية ستينيات القرن الماضي، وبعد عمل مضن وجهود حثيثة، اصبح اورتيغا مديرا لاحد متاجر الالبسة في لا كورونا. وهنا لاحظ ايضاً ان معظم الازياء تصمم وتصنع ليشتريها الاثرياء، لذا قرر دخول معترك الابتكار، فبدأ يفكر بوسيلة تخفض التكلفة على المصنع ليبيع بضاعته باسعار رخيصة. وانطلق لشراء اول مجموعة من الاقمشة الرخيصة الثمن من مدينة برشلونة الاسبانية.
وفي نهاية كل اسبوع، كان يمضي يومي السبت والاحد في منزل العائلة بالتعاون مع أخيه وأخت زوجته ساعياً لتصميم ازياء جديدة ومحاولاً تقطيع الملابس يدوياً من دون استخدام معدات الخياطة. وما هي الا فترة وجيزة حتى استطاع بيع اول مجموعة من تصميمه وتنفيذه، وهي كناية عن ملابس نوم باسعار زهيدة. ومن الارباح التي جمعها والاموال التي كان ادخرها من وظيفته، افتتح اورتيغا اول مصنع له عام 1963 وكان عمره لم يتخط 27 عاماً.
المصنع الذي حمل اسم “كونفيسيونيز غووا” كان مخصصا في البداية لتصنيع برنصات للحمامات، ومعه دارت عجلة التصنيع والبيع لاعوام عدة.
انطلاق زارا
حتى عام 1975، كان اورتيغا يوزع منتجاته على متاجر ومحلات مختلفة في انحاء اسبانيا. وفي العام نفسه، قرر افتتاح أول متجر في سلسلة «زارا»، على بعد 200 متر فقط من شركة الملابس التي بدأ فيها عمله صبياً. كان ذلك نقطة الانطلاق لتحقيق حلم آلاف النساء: نقل تصميمات من عروض الأزياء في ميلانو ولندن وباريس إلى متاجر «زارا» بسعر معقول لعامة الجمهور.
انطلق اسم زارا في اشهر مجمع تجاري في لا كورونا. وربما يدين بسرعة شهرة علامته التجارية الجديدة الى نجاحه في اختيار المكان ايضاً. فالمجمع التجاري يرتاده عدد كبير من المتسوقين يومياً. وكان يقوم بالسفر إلى باريس بسيارته للتعرف على إتجاهات الأزياء الراقية، ثم نقلها بأفضل سعر
وسرعان ما ذاع صيت زارا التي تميزت بمفهوم “البسة على الموضة باسعار رخيصة”. هذه المعادلة كانت قد استخدمت في الولايات المتحدة مع محلات “غاب”، وفي المملكة المتحدة مع متاجر “نكست”، لكن الفكرة كانت جديدة تماماً في اسبانيا، حيث سيطرت لمدة طويلة على سوق الالبسة مجموعتا “كورتي انغلس” و “كورتفيل”، لكنهما لم يسعيا لمحاكاة اذواق الشباب الاسباني الطامح إلى الموضة العالمية. واستطاعت زارا الانتشار بسرعة عبر بناء شبكة من المتاجر في زوايا اسبانيا الاربع.
وفي اول تقرير حول البيانات المالية للشركة، كتب اورتيغا اهداف تأسيس زارا: “الهدف من زارا هو جعل الموضة اكثر ديموقراطية، فبعكس فكرة ان الموضة هي حق الثري، نحن نقدمها لتلمس جميع طبقات المجتمع، وهي مستوحاة من الذوق والرغبات والحياة اليومية للرجال والنساء في عصرنا”.
نحو العالمية
لم يكتف اورتيغا في نجاح ماركة واحدة، فقرر اطلاق علامات تجارية مختلفة لتحاكي اذواق شرائح المجتمع المتنوعة. وفي عام 1985، اسس مع زوجته روزاليا ميرا مجموعة إنديتكس، وهي مختصر لاسم “اندستريا دي ديسينو تكستيل”، حتى تحتضن زارا وأخواتها. وهذه المظلة الواحدة بدأت منذ اليوم الاول لتأسيسها في تنويع العلامات التجارية للألبسة فخلقت “ماسيمو ديوتي” و “بول اند بير”، ستراديفاريوس و بيرشكا.
وفي احدى رسائله بصفته رئيساً لمجلس ادارة انديتكس، التي وجهها لموظفيه، قال اورتيغا: “الرغبة في الابتكار التي شكلت شرارة انطلاقنا منذ اعوام طويلة هي التي خلقت الواقع الحالي لشركتنا. الخبرة المتراكمة ليست كافية لتؤمن لنا الريادة.. التوسع العالمي هوالهدف الاساسي”.
ومن هنا، بدأت انديتكس في التوسع خارج حدود اسبانيا. فنشرت مكاتب إدارية لعلاماتها التجارية في معظم دول العالم، ابرزها ايطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة واميركا اللاتينية والكويت. وفي عام 1989، افتتح اورتيغا متجره رقم مائة. وتقوم قاعدة عمل المجموعة على شبكة تصنيع وتوزيع قادرة على ايصال ألبسة جديدة الى جميع المتاجر حول العالم باسابيع قليلة، وهي اسرع من منافسيها بـ 12 مرة في هذا المجال.
وعلى مدار الاسبوع، يستعرض اورتيغا ومجموعة من المديرين التصاميم الجديدة ليختاروا الانسب حسب موضة الموسم. وتعمل انديتكس على شحن بضائع قليلة لتشكيلات مختلفة من الالبسة بهدف تقليص النفقات، ومحاولة منها لتغيير المنتجات بسرعة اكبر.
فلسفة اورتيغا
من الغريب في الأمر أن مجموعة انديتكس تكاد لا تعتمد على الاعلانات اطلاقًا. إذ تشكل الاعلانات على بند ميزانيتها فقط 0.3 % من تكاليف المجموعة. فأورتيغا اعتمد منذ انطلاقته على انتشار سمعته على لسان عملائه أولاً بأول، وهكذا كانت تشتهر علاماته التجارية مع كل متجر يفتتح. ويحكى أنه رفض في احدى المرات طلب ممثلة اسبانية شهيرة لتصوير مشهد من فيلم لها في متجر لزارا.
نشأت سياسة قلة الاعلانات هذه بعد سعي أورتيغا منذ بداية نجاحه على تقليص النفقات إلى حدودها الدنيا لبيع ألبسته بأسعار رخيصة. فقد اكسبه عمله الأول خبرة عن تكاليف تصنيع الألبسة من الألف الى الياء، وأدرك بذلك كم أن عملية الانتقال بين التصميم والتصنيع والتوزيع عملية مكلفة، لذا عرف أهمية ايصال المنتجات إلى العميل مباشرة دون المرور بالموزعين.
واستخدم هذه الاستراتيجية في عمله مما خلق ديناميكية لدى زارا التي تملك جميع مراحل الانتاج حتى البيع في الأسواق لتخفيف التكاليف وكسب السرعة والمرونة. ويشكل عنصرا السرعة والمرونة أساس نجاح أورتيغا ومجموعته انديتكس. فحسب تقرير لمجلة هارفرد بيزنس ريفيو تستطيع زارا، جوهرة مجموعة انديتكس، تصميم وتصنيع الألبسة وتوزيعها على الاسواق العالمية خلال 15 يوماً فقط.
لكن ليست الملابس هي القطاع الوحيد الذي تعمل فيه إمبراطورية «إنديتكس» فلديها استثمارات في مبانٍ تزيد قيمتها على ثلاثة آلاف مليون يورو. وقام أمانسيو أورتيغا بشراء عقارات في أفضل شوارع مدريد وبرشلونة، وفي مدن مثل لندن ونيويورك وشيكاغو ولوس أنجليس أيضاً. وفي عام 2012 حققت شركة العقارات خاصته أرباحاً قيمتها 238 مليون يورو.
وتعتبر انديتكس أكبر امبراطورية صناعية في اسبانيا وهي ثالث أكبر مجموعة لصناعة الألبسة في العالم بعد “غاب” الأميركية و”اتش أند أم” السويدية. وتضم مجموعته أكثر من 3 ألاف متجر في 62 دولة حول العالم. كما يملك اورتيغا استثمارات في الغاز والسياحة فضلاً عن العقارات وحصة مؤثرة في أحد أكبر البنوك الاسبانية.
كرهه للأضواء
يعرف عن أورتيغا عدم حبه للأضواء لدرجة أنه غير معروف في بلده، ولا تملك وكالات الأنباء أخباراً عنه سوى التي ينشرها موقع مجموعته على الانترنت. وعلى الرغم من سريته في العمل، صدر عنه عدد من الكتب أشهرها: “القصة السرية لامبراطورية الموضة”، و”أمانسيو أورتيغا: من القاع الى القمة”.
وتنشر مجموعة انديتكس معلومات قليلة جدًا عن حياته الشخصية، لدرجة أن الصحافة الاسبانية تصفه بـ “كابوس الناشرين”. ولعقود مضت، كانت هناك صورة واحدة لأورتيغا تتداولها الصحف ووسائل الاعلام المختلفة. حتى نشرت الشركة ورة ثانية لأورتيغا مع أول تقاريرها في 1999.
تتسم شخصية أورتيغا بالتواضع إذ لا يبدو عليه أنه مؤسس امبراطورية عملاقة لتصنيع الألبسة، فهو لا يحب ارتداء البدلات الرسمية ولا ربطات العنق، بل يفضل الجينز ونادراً ما يرتاد الحفلات الرسمية معللاً ذلك برغبته في حياة هادئة، كما يشتهر بالعمل بجهد ونشاط دائمين مع موظفيه خصوصاً في قسمي التصميم والانتاج. فهو مدمن فعلاً على العمل.
يقول أورتيغا: لم أنتبه لحجم ثروتى حتى قرأت فى مجلة “فوربس” الأميركية ذات يوم أننى أصبحت أثرى رجل فى اسبانيا، وثامن أغنى رجل فى العالم بثروة تخطت وقتها حاجز 24 مليار دولاروهو ينصح كل صاحب طموح قائلا: لا تنظر الى ما إنتهيت اليه، وانظر كيف بدأت.
الادراج في البورصة
يعتبر ادراج مجموعة انديتكس تاريخاً مفصلياً في حياة أورتيغا. فعند اعلانه لأول مرة عن نيته ادراج انديتكس في سوق مدريد للأوراق المالية عام 2000، شكل هذا الخبر مادة دسمة لمانشيتات الصحف الاقتصادية في اسبانيا.
وحظي الاكتتاب العام بـ 26 % من مجموعته باقبال كثيف من المستثمرين في بداية 2001، وعندما أدرجت الشركة في البورصة، أصبح أورتيغا أثرى رجل في اسبانيا بعد ارتفاع السهم 22% في اليوم الأول، وحصد 2.5 مليار دولار في يوم واحد، ثم ارتفعت القيمة السوقية لانديتكس في الأيام الأولى من الادراج الى 9.6 مليارات دولار.
حياته اليوم
يحافظ الملياردير أورتيغا حتى اليوم على صورة المدير المثالي الذي يتناول وجبته مع موظفيه في كافيتريا مقر الشركة الرئيسي في لا كورونا. كما يحافظ على رشاقته عبر ممارسة الرياضة اليومية وهو من محبي مباريات كرة القدم وسباقات السرعة.
ويقول كتاب “القصة السرية لامبراطورية الموضة” انه مستثمر في نادي “ديبورتيفو لا كورونا” لكرة القدم. ويعيش أورتيغا اليوم مع زوجته الثانية فلورا وبناته الثلاث في شقة سرية في وسط لا كورونا نفسها.
يتفق كل من يعرفه على أنه رجل متقشف يعيش في شقة ذات طابقين في لا كورونا في غاليسيا، وليس لديه أي اهتمامات خلاف العمل. في واقع الأمر، تتمثل العناصر المترفة الوحيدة التي يملكها في طائرة خاصة من طراز «بومباردييه» سعرها 40 مليون يورو، يستخدمها في السفر برفقة العاملين بشركته، ويخت طوله 31 متراً سعره ستة ملايين يورو، إضافة إلى أحد أفضل مراكز الفروسية في أوروبا، وهو «كاساس لورا»، ويرجع هذا إلى أن أصغر بناته” مارتا” المولعة بركوب الخيل.
ويملك 59.29 % من مجموعة انديتكس التي تضم علامات “زارا” و “ماسيمو ديوتي” و “أويشو” و “زارا هوم” و “كيديز كلاس” و “تيبمبي” و “ستراديفاريوس” و “بول أند بير” و “بيرشكا”.
مؤخراً قرر صاحب سلسلة متاجر “زارا” أن تكون مارتا وريثته، فقد تلقت تعليمها بهدف تولي إدارة الشركة، وهي حاصلة على درجة في دراسات الأعمال وعملت بائعة في أحد متاجر لندن. كانت تعمل في باريس وأسيا، وأخيراً تعمل مارتا في مكتب الشركة في برشلونة، وتشغل الآن منصب نائب رئيس قسم العقارات، وتعمل يداً بيد مع والدها، بدافع تصميم من جانبها على تولي مسؤولية إدارة إمبراطورية الموضة العالمية.
كوادر:
• يحتل المركز الثالث في قائمة أغنى أغنياء العالم بثروة ضخمة تقدر بحوالي 64 مليار دولار
• لم يتابع أورتيغا صفوفه الدراسية، لكنه عرف كيف يتعلم من الحياة اليومية بصمت، ويسبك خبرته بتواضع
• تعتبر انديتكس أكبر امبراطورية صناعية في اسبانيا وهي ثالث أكبر مجموعة لصناعة الألبسة في العالم تضم 3 ألاف متجر في 62 دولة حول العالم
• مؤخراً قرر صاحب سلسلة متاجر “زارا” أن تكون مارتا وريثته، فقد تلقت تعليمها بهدف تولي إدارة الشركة، وهي حاصلة على درجة في دراسات الأعمال